رأى

تقنين تعدد الزوجات

استمع

د. سهيلة زين العابدين حماد

نقلا عن جريدة المدينة

بيّنتُ في الحلقة الماضية، كيف قنّن الله جل شأنه تعدد الزوجات في الآيات (3، 129) من سورة النساء، والضوابط التي وضعها الله تعالى للتعدد، هي:

1. تقييد التعدد بأربعة، بعد أن كان في التشريعات السابقة للإسلام مطلقًا بلا عدد.
2. ربط التعدد باليتامى، أي بالزواج من الأرامل أمهات اليتامى، لحل مشكلة اجتماعية، وهي رعاية الأرامل والأيتام.
3. تضييق التعدد إلى أبعد الحدود باشتراط العدل بين الزوجات، والذي يصعب تحقيقه (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) وبالقسط في اليتامى، فإن كان لا يستطيع أن يقسط بين اليتامى وبين أولاده فليكتفِ بواحدة. والاكتفاء بزوجة واحدة هو الأقرب لعدم الميل والجور، وفي هذا تأكيد على أنّ الأصل في الزواج الزوجة الواحدة، بدليل قوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ) (النساء:20)، فمن لم يتفق مع زوجه، فلا يتزوّج عليها، وإنّما يستبدلها بزوجة أخرى، ففي بدء الخليقة لم يخلق الله لآدم عليه السلام إلّا حواء واحدة، ونجد من الأنبياء من اكتفى بزوجة واحدة مثل نوح ولوط وزكريا وأيوب عليهم السلام، حتى إنّ زوجة سيدنا زكريا كانت عاقرًا، وأكرمه الله بـ «يحيى» مكافأةً على صبره، ورضاه بما قدّره الله له، ورغم أنّ امرأتي نوح ولوط عليهما السلام كانتا من الكافرين، فلم يتزوّجا عليهما.
4. ويدخل ضمن العدل، القدرة المالية على الإنفاق، لأنّ من لا تتوفر لديه القدرة المالية لا يقدم على التعدد بالزواج من الأرامل لكفالة أولادهنّ.
5. قوله تعالى: (فانكحوا)، أخرج التعدد من الوجوب إلى الإباحة، وفرق كبير بين الوجوب والإباحة.
6. قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم) أي تزوجوا الأرامل أمهات اليتامى عن طيب خاطر من قبلكم، ومن قبلهن.
وللأسف نجد العديد من المفسّرين القدامى والمعاصرين قد خلطوا بين آية (3) وآية (127) في سورة النساء: (ويستفتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) ففسّر الإمام الطبري الآية (3) بقوله: «وقوله: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى) أي: إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى ما سواها من النساء، فإنهنّ كثير، ولم يضيق الله عليه».. انتهى تفسير الإمام الطبري.
مع أنّ الآية الأولى تتحدّث عن أمهات اليتامى، بينما آية: (ويستفتونك في النساء) تتحدّث عن يتامى النساء، التي بيّنت السيدة عائشة سبب نزولها، بقولها: «هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ هُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا فَأَشْرَكَتْهُ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي الْعَذْقِ فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلًا فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ بِمَا شَرِكَتْهُ فيعضلها، فنزلت هذه الآية».. (صحيح البخاري كتاب التفسير، تفسير سورة النساء، باب «ويستفتونك في النساء»).
ولستُ أدري كيف يقول الإمام الطبري: «فليعدل إلى ما سواها من النساء، فإنهنّ كثير، ولم يضيق الله عليه»، وكل هذه القيود التي وضعها الخالق للتعدد؟!.
للحديث صلة..
 suhaila_hammad@hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى