سلايدر

أبو الغيط يفتتح الأسبوع العربي للتنمية المستدامة

استمع

 

أشرف أبو عريف

بحضور وزيرة التضامن الاجتماعى د. غادة والي، والأمين المساعد للأمم المتحدة د. مراد وهبة مدير المكتب الاقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ورئيس مجموعة الأمم المتحدة الإنمائية للدول العربية، السيد جوانج تشي تشن مدير أول للممارسات العالمية للمياه – البنك الدولي، الدكتورة خولة مطر الأمين التنفيذي بالوكالة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، ألقي الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمة الإفتتاح علي النحو التالي:

السيدات والسادة،

يسعدني في البداية أن أرحب بكم في جامعة الدول العربية بمناسبة إطلاق الأسبوع العربي للتنمية المستدامة، وأتمنى لهذا الاسبوع ولكم التوفيق والنجاح،
وأن تصدر عنه توصيات ومبادرات تعزز تنفيذ خطة 2030 للتنمية المستدامة في المنطقة العربية.

نفتتح أعمال هذا الاسبوع بحضور مجموعة من السادة الوزراء العرب الذين تكبدوا عناء السفر ليشرفونا بحضورهم اليوم … مؤكدين بذلك أن جامعة الدول العربية هي المنبر الأنسب للبحث عن حلول لمختلف القضايا والتحديات التي تواجهها المنطقة… وبهذه المناسبة فإنني أتقدم بالشكر إلى معالي الوزيرة الدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي بجمهورية مصر العربية على ما قدمته من دعم خلال التحضير لهذا الحدث الهام … كما أتوجه بالشكر الجزيل لمجموعة البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي لمساهمتهما الفعالة في انجاح هذا الاسبوع واخراجه بالشكل اللائق.

السيدات والسادة،

يأتي هذا الأسبوع ليسلط الضوء على التحديات التي تشغل المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، وليرسم خارطة طريق للشراكة والتعاون بين مختلف الفاعلين على الساحة من حكومات ومؤسسات دولية ومنظمات مجتمع مدني وقطاع خاص من أجل تنفيذ خطة 2030 للتنمية المستدامة في هذه المنطقة من العالم التي تواجه تحديات خطيرة ومُعقدة تُهدد الحاضر والمُستقبل.. وتُنذر بعقدٍ ضائع في عُمر التنمية العربية بكل ما ينطوي عليه ذلك من تكلفة إنسانية مروعة، وما يُرتبه من آثار مُجتمعية مُخيفة .. أخشى أن أبناءنا سيدفعون للأسف فاتورتها الثقيلة دونما ذنبٍ اقترفوه أو جُرم جنوه…
هناك ثلاث حروب أهلية تدور رحاها في العالم العربي، كان من نتيجتها أن صارت كل جهود التنمية الإنسانية والنمو الاقتصادي في عدد من الدول في مهب الريح.. علماً بأن هذه الجهود كانت تواجه – من الأصل- تعثراً وتذبذباً في زمن تماسك المُجتمعات، فما بالنا وقد تمزق نسيج بعض الدول، وتفشت فيها الصراعات والنزاعات بصورةٍ لا نعرفُ لها مثيلاً أو شبهاً في التاريخ العربي الحديث .. إن نصف الشعب السوري مُشردٌ، في داخل سوريا أو خارجها .. وليبيا، التي كان سُكانها يتمتعون بمستوى معيشي مُرتفع، لم يعد فيها سوى أربع مستشفيات فقط تقوم بوظائفها بنسبة 75%، من بين 98 مستشفى شملها مسحٌ أجرته الأمم المتحدة مؤخراً.. أما اليمن فيواجه تفشياً مُحتملاً لوباء الكوليرا، ويعيش 19 مليون من أبنائه من دون مياه شُرب مأمونة أو صرف صحي.. والقائمة طويلة، وتبعث على الأسى الشديد، وتُنذر بما هو أصعب وأخطر..
إن المنظومات الصحية والتعليمية، وهي عماد التنمية الإنسانية، تتعرض للتآكل والتدمير في بُلدان النزاع.. وفي دول تصل نسبة الشباب فيها إلى أكثر من 60% من السُكان، فإن تلك الأوضاع سوف تُفضي للأسف إلى تفشي الصراعات بين مُكونات المُجتمع على أسس عرقية وطائفية، وتصاعد في ظواهر التطرف الديني والسياسي وانتشار لأيديولوجيات العُزلة عن المُجتمع، بخاصة في فئة الشباب، بما يُقوض السلم الأهلي ويُدخل المجتمعات في دائرة مُغلقة من العُنف والإحتراب…
والحقُ أنه لا خروج من هذه الدائرة سوى بالاستمساك بأهداب الأمل، والتحرك بشكل إيجابي وشجاع من أجل مواجهة الواقع مهما كلفتنا هذه المواجهة من جهد وعرق، أو كبدتنا من تضحيات وآلام… إن الانخراط في إعادة البناء هو الخيار الوحيد المُتاح أمام الأمم التي تواجه النوازل وتعصف بها الأزمات.. وكم من أمةٍ نزل بها الدمارُ، وحل بها الخرابُ ثم ما لبثت أن انتفضت من جديد بإرادة أبنائها.. ويُخطئ من يظُن أن دولنا العربية واهنة الإرادة أو أنها تنقصها العزيمة والإصرار على مُجابهة التحدي، والخروج من دائرة اليأس .. فإرادة البقاء والسعي إلى عُمران الأرض مغروسة في وجدان الإنسان العربي.. إلا أن ما ينقصنا هو برنامج العمل، والخطة الشاملة، والأداء المتواصل المُثابر عبر فترةٍ زمنية طويلة.. فالخروج من المأزق الراهن لن يكون في عام أو اثنين، وإنما هو مشوارٌ طويل عنوانه الصبرُ والعمل المُشترك المتضافر ومحبة الأوطان والتضحية من أجلها..
إن أحداث وتطورات السنوات المُنصرمة تُمثلُ فُرصةً نادرة لمراجعة الذات وإعداد كشف حساب دقيق بشأن أفضل السبل للخروج من هذه الأزمة الطاحنة أو الانتكاسة التنموية.. ولا سبيل لاستعادة التوازن ولملمة شتات المُجتمعات سوى بالتعاضد والتنسيق بين الدول العربية .. فالكوارثُ لن تقف عند حدود الدول المأزومة.. والعالم العربي قادرٌ، بإمكانياته وطاقاته الكامنة، على الاضطلاع بدور محوري في مُعالجة هذه الانتكاسة، وتخفيف وطأتها على المُجتمعات التي تُعاني الأزمات الإنسانية الطاحنة، بل وتهيئة الأوضاع للنهوض وإعادة الإعمار من أجل العودة تدريجياً إلى مسار النمو الاقتصادي وتحصيل ما فات..
لقد أبرزت هذه الأحداث حاجة العالم العربي إلى تضافر جهود منظمات العمل العربي المشترك وتوفير متطلبات فاعليتها في مجالات تخصصها.. والانتقال بها من التنسيق بين أنشطتها إلى العمل المشترك لتنفيذ مشروعات حيوية للمنطقة العربية، وهو ما يمثل أحد المنطلقات التي أرست عليها الأمانة العامة أسس خطتها لدعم وتنفيذ خطة 2030 للتنمية المستدامة في المنطقة العربية وذلك بالتعاون والشراكة مع المنظمات العربية المتخصصة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية… إلا أن هذه الجهود والأنشطة والانجازات لن تصل الى المواطن العربي ولن يتم اعلامه بها ما لم ترافقها استراتيجية اعلامية متكاملة وهو ما يتطلب دعم وتطوير الجانب الاعلامي لمنظومة العمل العربي المشترك.

السيدات والسادة،
مع كل ما تنطوي عليه هذه الصورة القاتمة من تحدياتٍ ظاهرة لنا جميعاً، وما تضعه من أعباء إضافية على كاهل الحكومات التي تتطلع لاستقرار مُجتمعاتها وازدهارها، فإن هذه الأسبوع يأتي ليضيء شمعة على الطريق الطويل نحو التنمية الذي علينا السير فيه رغم كل الظروف التي تمر بها المنطقة العربية من تحديات أمنية وعسكرية، وتهديدات إرهابية وعنف مُسلح… إن التحدي الأكبر والهم الأعظم يظل مرتبطاً بالتنمية بمعناها الشامل، ذلك أن إنجاز وعد تنمية المجتمعات العربية وتحديثها وتأهيلها للحاق بعصرها هو الكفيل بتمكين الدول العربية من مُجابهة كافة التحديات الأخرى على المدى الطويل.

لقد أدركت جامعة الدول العربية مبكرا محورية خطة التنمية المستدامة في تجاوز كافة التحديات التي تعيشها المنطقة فعبرت في أكثر من موقف عن تمسكها والتزامها بتنفيذها في المنطقة العربية خاصة في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد تتطلب الكثير من تضافر الجهود للتغلب عليها … بل وذهبت الأمانة العامة إلى أبعد من ذلك حيث أنشأت اللجنة العربية للتنمية المستدامة التي تعتبر خطوة أولى من طريق طويل وشاق يؤسس لعمل عربي مشترك في مجال التنمية المستدامة، وينفتح على التجارب الدولية والإقليمية الأخرى للاستفادة منها وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة،..ولعلكم تشاطرونني الرأي في أن الشراكة الدولية تشكل عاملا أساسيا في تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030، حيث أؤكد في هذا الصدد، على الدور الحاسم للمجتمع الدولي في توفير موارد مالية جديدة وإضافية وكافية لمساعدة الدول الفقيرة في تنفيذ خططها كما أن تسهيل نقل التقنية، وبناء القدرات للدول النامية كفيل بالمساعدة في التحول إلى مسار تنمية أكثر استدامة… وتبقى المساعدة الإنمائية الرسمية مصدراً هاماً من مصادر التمويل العام لغالبية الدول العربية، ولا سيما الدول التي تفتـقر إلى مصادر أخرى للدخل، لذا فإنه يتوجب على الدول المتقدمة الإيفاء بالتزاماتها بشأن تقديم المساعدة الإنمائية الرسمية وفقا لما جاء في خطة عمل أديس أبابا، لمساعدة هذه الدول على رفع قدراتها، وتمكينها من استخدام التكنولوجيا في مواجهة تحديات التنمية.
السيدات والسادة،
إن أبواب الرجاء والأمل ستظل مفتوحة… فالإمكانية الكامنة في مُجتمعاتنا مُبشرة، ولكنها مُهدرة… لقد آن الأوان أن يتوقف نزيف الهدر، وأن ينتهي عهدُ الفرص الضائعة، والطاقات المُعطلة… إن أمتنا العربية صحيحة في إرادتها، غنيةٌ بشبابها، قادرة على الانجاز المشترك .. ولعل انعقاد هذا الأسبوع هو أحد الشواهد على صحة الإرادة وصدق العزم.. فما كان له أن يرى النور لولا الشراكة والتعاون الصادقين مع جميع الشركاء المتواجدين في هذه القاعة.

أشكركم وأتمنى لكم النجاح والتوفيق..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى