سلايدر

سلطنة عُمان تتحدث عن نفسها

استمع

 

 اشرف أبو عريف 

لا شك أن تاريخ  سلطنه عمان البحري يسطر أمجاده في ذاكرة الزمن وتعاقب الحضارات بكل فخر واعتزاز، فلم يكن في منطقة شبه الجزيرة العربية أسياد للبحر سوى العمانيين الذين وصلوا إلى أعماق القارة الأفريقية ومصاب نهر النيل بالإضافة إلى علاقتهم التجارية المباشرة منذ فجر التاريخ مع الحضارة الفرعونية مثلما ورد ذلك في البرديات الفرعونية القديمة منذ آلاف السنين وكانت بدايتها مع الملك الفرعوني ساحورع وهو ثاني فراعنة الأسرة الخامسة في مصر القديمة، ثم الملك منتوحتب وغيرهم وبالأخص ما تم تدوينه عن أشهر الرحلات التي أمرت بها الأميرة الفرعونية حتشبسوت للتوجه إلى عمان وتحديدا موانئ ظفار القديمة لاستيراد اللبان والعطور والأخشاب لا سيما أن اللبان وقتها كان يعد من أثمن السلع للفراعنة والرومان وغيرهما.

ووصل العمانيون كذلك بأسطولهم البحري وبراعتهم إلى حضارات ما وراء النهرين مثلما أشارت النقوش السومرية والبابلية القديمة بالإضافة إلى حضارات القارة الهندية وما حولها من الدول الآسيوية كالصين والهند وسنغافورة وماليزيا واندونيسيا وسيام وغيرها من الموانئ المهمة في تلك الأزمنة التي كان عمان فيها مركز حلقة الوصل بين تجارة الشرق والغرب.

كان وراء كل هذه الأساطيل العمانية القوية موانئ على طول أشهر المدن الساحلية التي توجد في هذا الوطن الزاخر بكل هذا التاريخ، ولذا من المهم أن نعرج على أهم الموانئ التاريخية التي انطلقت منها عمان نحو الحضارات والقارات من خلال مجدها البحري الذي يشهد له القاصي والداني ودونته النقوش القديمة والآثار التي تحكي مكانة عمان وحضارتها ودور أهلها المشهود في رفد كل ما يخدم المشهد الحضاري بين الأمم وخاصة في مجال التجارة العالمية.

ومن أهم الموانئ العمانية التي يشهد لها التاريخ:

* ميناء سمهرم .. منبع اللبان لكل الحضارات!

يعد ميناء سمهرم الأثري من أقدم الموانئ في شبه الجزيرة العربية، حيث كان هذا الميناء هو الأشهر قديما في تصدير اللبان إلى الحضارات المجاورة وبالأخص الحضارة الفرعونية، وقد وجد رسم في أحد المعابد الفرعونية بوادي الملوك في مصر لرسم يعود إلى عهد الملكة حتشبسوت (القرن الخامس عشر قبل الميلاد) يشير إلى ميناء سمهرم والقافلة الفرعونية التي أتت للميناء من أجل استيراد اللبان العماني من ظفار وتحديدا من هذا الميناء لا سيما وهو الأشهر في تصدير اللبان في العصور القديمة والوسطى.ويشير بعض الباحثين إلى أن جرار اللبان العماني التي كانت ترسلها الملكة بلقيس إلى النبي سليمان كان يتم استيرادها من ميناء سمهرم.كذلك تشير الكتابات الجغرافية لليونانيين القدامى من أمثال بولينوس وأسترابو إلى سمهرم مما يؤكد أهمية ومكانة وقدم هذا الميناء باعتباره مركزا حيويا لتصدير اللبان أهم سلع العالم آنذاك.

وقد تم اكتشاف بعض الآثار في ميناء سمهرم من خلال عمليات التنقيب يعود تاريخها إلى الـ 2300 ق.م.

هذا الميناء كسب مكانته التاريخية لأنه كان مرسى للكثير من السفن التجارية التي تأتيه من مختلف حضارات دول العالم السائدة آنذاك لا سيما الفرعونية والرومانية والذين كانوا يتوافدون على ظفار لاستيراد اللبان والعطور والأعشاب الطبية والبخور، بالإضافة إلى كل ذلك فقد كان الميناء بحق همزة الوصل بين القارة الهندية والأفريقية والأوربية.

* ميناء البليد!

تعد مدينة البليد أقدم المدن العمانية في محافظة ظفار حيث يعود تاريخها إلى أواخر الألفية الخامسة قبل الميلاد حسب المكتشفات الأثرية التي تبين على أن الموقع كان ميناء نشطا خاصة في تجارة اللبان، ولذلك ادرج الموقع من ضمن مواقع التراث العالمي برفقة سمهرم والتي تتبع منظمة اليونيسكو.

 كان ميناء البليد ميناء حيويا وبخاصة في تجارة اللبان وتصل إليه السفن القادمة من الهند والصين والعراق وبلاد فارس وأفريقيا وأوروبا. 

* ميناء أكيلا/قلهات!

ميناء أكيلا أو قلهات مثلما أشارت إليه الدكتورة أسمهان الجرو من خلال كتابها “الموانئ العمانية ومساهمتها في التجارة الدولية”، يعد هذا الميناء عبر التاريخ أحد الموانئ العمانية النشطة في عصر الدولة السلوقية التي نشأت بعد موت الإسكندر المقدوني خلال القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد.

وقد كانت قلهات من أنشط المدن التجارية في المنطقة وكان عبر التاريخ القديم يتوافد إليها العديد من الجنسيات لنشاطها التجاري الكبير وخاصة مع القارة الهندية وموانئ الصين كما كانت ملاذا لملوك مملكة هرمز الفارسية وقد زارها ابن بطوطة وماركوبولو. 

ولقد تعرضت هذه المدينة الجميلة وميناؤها إلى كارثة طبيعية أدت إلى تدميرها بالكامل ولم يبق شاهدا على مكانتها سوى ضريح بيبي مريم وبعض الأطلال.

* ميناء صور!

هذا الميناء الذي يقع في صور هذه المدينة الفينيقية الجميلة التي تعد أهم المدن العمانية في تاريخ النشاط البحري والتجاري العماني عبر مختلف العصور والتي كانت تملك أساطيل من السفن التجارية المصنعة بيد أهل العفية والذين كانوا يبرعون في صناعتها وقيادتها بتسيد المحيط الهندي والقارة الأفريقية عبر التجارة التي كانوا من خلالها حلقة الوصل الرئيسية بين موانئ الصين والهند والعراق وبلاد فارس والخليج العربي وشرقي أفريقيا وما جاورها وهم من يملكون أشهر النواخذة والربابنة الذين برعوا كثيرا في علوم البحار والفلك ومعرفة مسالك البلدان ومختلف الموانئ عبر القارتين الهندية الأفريقية.

ويشير مايلز في كتابه” الخليج بلدانه وقبائله” إلى أن القائد الأغريقي ” نيار شوس ” حينما زار الشرق وصف هذا الميناء بالمنطقة التجارية الحرة، مما يدل على النشاط الكبير الذي كان يميز ميناء صور عبر مختلف العصور في التاريخ العماني.

 ميناء مسقط!

هذا الميناء العريق الذي كان من أهم الموانئ في المنطقة في الجزيرة العربية كان حلقة الوصل النشطة والرابط المهم بين تجارة الشرق والغرب وكان يعد الميناء الرئيسي لعمان منذ عصور طويلة، ولقد أشار عالم الفلك والرياضيات الإغريقية والجغرافية والمنجم المعروف باسم “الحكيم بطليموس” إلى هذا الميناء الذي قال عنه إنه يقع على الساحل بعد سلسلة جبال حجر عمان الوسطى وأسماه الميناء الخفي، كما أشار بليني الأكبر أشهر مؤرخ وجغرافي روماني في زمانه عن ميناء مسقط مشيرا في كتاباته إلى وجود ميناء نشط على ساحل عمان أسماه ” أميثو سكاتا “.كما عرف هذا الميناء مع بعض الرحالة القدامى باسم ” مسقطنوس” وهو الأشهر عند الأوربيين لتصدير جوز الهند إليهم.

لقد كان ميناء مسقط حقا البوابة التي تنتعش منها التجارة في عمان والخليج العربي لمكانته وموقعه الاستراتيجي لا سيما في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، ولكم أن تعلموا بأن عام 1790م أصبح ميناء مسقط هو الموزع الوحيد للسكر وأغلب تجارة البن اليمني في الخليج والمشرق العربي رغم فترات الركود الاقتصادي والهزات السياسية التي تعرضت لها البلاد في تاريخ العصر الحديث.

 ولا يمكن الحديث عن ميناء مسقط دون الإشارة إلى تسابق الدول الأوربية لكسب ود مسقط التي كانت بالسفن العمانية وتجارتها همزة الوصل في التجارة العالمية، والجدير بالذكر أن نابليون حينما احتل مصر بحملته المعروفة رأى بنفسه نشاط السفن العمانية عبر السويس مما جعله يرسل رسالة إلى السيد سعيد بن سلطان في عام 1789م يطمئنه فيها بأن الطريق بين السويس والقاهرة أصبحت آمنة وبإمكان التجار العمانيين عبر سفنهم ممارسة نشاطهم التجاري في تلك الأنحاء.

ويذكر المؤرخ ميخين فيكتور ليونوفيتش في كتابه “حلف القواسم وسياسة بريطانيا في الخليج العربي في القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر” أن عدد السفن التي كان يمتلكها تجار مسقط فقط في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي على سبيل المثال 50 سفينة داو كبيرة، و50 سفينة داو صغيرة، و15 سفينة تتراوح حمولتها تقريبا إلى 700 طن، بالإضافة إلى 3 سفن صغيرة.

* ميناء صحار!

من المؤكد ودون أي جدال تاريخي، كانت صحار من أهم المدن العمانية عبر العصور لموقعها الاستراتيجي قبل الإسلام وبعده، ولقد أشار إليها العديد من المؤرخين والجغرافيين الذين اتفقوا جميعا على أهمية صحار ومينائها، فقد قال عنها ابن حوقل والأصطخري وهم من أهم الجغرافيين والمؤرخين في تاريخ الحضارة الإسلامية:

صحار قصبة عُمان وتقع على البحر ويوجد بها عدد لا يحصى من التجار والتجارة.

ووصف المقدسي في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” مدينة صحار وقال: هي مدينة ذات هواء طيب وخيرات كثيرة، حيث لا يوجد على بحر الصين بلد أجمل منها، وهي خزانة الشرق والعراق، ودهليز الصين ومغوثة اليمن.

* ميناء خصب!

يعد من أشهر موانئ شمال عمان قديما، ويشير بعض الباحثين إلى أن هذا الميناء وصلت إليه رسل الإسكندر المقدوني أثناء حملته على الشرق.

لا توجد معلومات كثيره تؤرخ تاريخ خصب القديم ولكن لا شك أن خصب وميناءها كانت عبر الأزمنة القديمة نشطة تجاريا فموقعها الاستراتيجي يتيح لها ذلك.

* ميناء ودام الساحل!

يقع هذا الميناء في ولاية المصنعة ويعد كذلك من أهم الموانئ العمانية في التاريخ، فقد كان مركزا لتصدير التمور للسفن القادمة من صور أو مسقط وكان أهلها يمارسون التجارة وخاصة مع أهل الخليج فقد كانت البضائع المختلفة تصل للخليج عن طريق نواخذة المصنعة.

* ميناء ريسوت!

يعد ميناء ريسوت من الموانئ القديمة جدا في عمان ويقع غرب مدينة صلالة، ولقد تم تسميته قديما بميناء أوسارا مثلما يؤكد المؤرخ فون فيسمان.

والجدير بالذكر أن بطليموس قد أشار إلى ميناء ريسوت في كتاباته كأهم الموانئ التي أسهمت كذلك بتجارة اللبان.

* ميناء باترسافا/السيب! 

تشير الدكتورة أسمهان الجرو إلى أن ميناء باتراسفا الذي ذكره بليني (23-79م) حينما قال إن “باتراسافا مدينة العمانيين”، هي مدينة السيب مثلما أكدها سابقا المؤرخ الإنجليزي مايلز والمؤرخ النمساوي سبرنجر.

وحينما يتم تدوين ميناء السيب هذا عن طريق بليني فهذا يدل على مكانته الكبيرة في التاريخ العماني.

* ميناء مصيرة/أوجيرس! 

هذا الميناء الذي يمثل جزيرة مصيرة تم الإشارة إليه قديما في الكتابات اليونانية وأهمها ما ذكره الملاح اليوناني نيارخوس (325م) وأشار إلى مصيرة وأطلق عليها جزيرة أوجيرس.ولقد كان هذا الميناء من أهم الموانئ العمانية في تصدير الأسماك الجافة ومياه الشرب لكل السفن التجارية الوافدة إليه.

* ميناء رأس الحد!

تشير المكتشفات الأثرية في منطقة رأس الحد بمدينة صور إلى أن هذا الميناء كان نشطا منذ العصور القديمة وخاصة في النصف الثاني من الألفية الثالثة قبل الميلاد، وكان من الموانئ المرتبطة بحضارة الهند وبلاد الرافدين مثلما يؤكده باحث الآثار الفرنسي سيرج كلوزيو.

إن دور  سلطنه عمان الحضاري عبر مختلف الأزمنة لا يمكن احتواؤه مهما حاولنا ذلك لكثرة الأحداث والمعلومات والمواقع الأثرية التي كانت على صلات مباشرة مع الحضارات المجاورة أنذاك، ومن ناحية أخرى هناك الكثير من الموانئ العمانية التي لعبت دورا مهما في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية لم نذكرها جميعا واختصرنا الموضوع هنا بالموانئ الآنفة الذكر والتي تعد الأشهر والأهم في التاريخ العماني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى