سلايدر

السيسى: “القدس” تجسد الأزمة المصيرية التي يواجهها المجتمع الدولي والشرعية الدولية

استمع

أشرف أبو عريف

ألقى السيد/ سامح شكري وزير خارجية جمهورية مصر العربية نيابة عن السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية أمام القمة الإسلامية الطارئة حول القدس فى استنبول اليوم والتى جاءت على النحو التالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الرئيس،

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،

معالي الأمين العام،

يتعين علينا إبتداءً أن نؤكد أننا لا نجتمع اليوم فقط لنصرة القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام.

كما أننا لا نجتمع فقط، إنصافاً للحق التاريخي غير القابل للتصرف للشعب الفلسطيني، الذي يتعرض لمأساة مستمرة منذ سبعة عقود.

إن مدينة القدس، بمكانتها الضاربة في عمق التاريخ الإنساني، وخصوصيتها القومية والدينية، ومأساة الإحتلال التي تعيشها من عام 1967، لا تمثل فقط هماً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، ولكنها، وبدون أي مبالغة، تجسد الأزمة المصيرية التي يواجهها المجتمع الدولي والشرعية الدولية.

والسؤال المطروح اليوم هو: هل نهدر القانون الدولي والمبادئ الحاكمة للنظام الدولي، ونقر إغتصاب الحقوق القانونية والأخلاقية والإنسانية بالقوة؟

إن أي تغيير لوضعية القدس، هو مكافأة للاحتلال وإزهاق لحق تاريخي وقانوني للشعب الفلسطيني يجعل من كل حديث عن السلام، أو عن نظام دولي يلتزم بالكرامة وحقوق الإنسان، لا طائل من ورائه.

إن قضية القدس، هي قضية الحق والعدل في مواجهة سياسات القوة وإقرار الأمر الواقع ومكافأة المحتل. لذلك تحديداً، كان الإصطفاف العربي والإسلامي والدولي غير المسبوق، رفضاً لأي محاولة للمساس بوضعية هذه المدينة العزيزة علينا جميعاً، أو بحق الشعب الفلسطيني الأصيل، وغير القابل للتصرف، في أن يقرر مصيره ويحقق الاستقلال في دولته وعاصمتها القدس الشرقية.

إن واجبنا اليوم، هو أن نقف وقفةً حازمةً وواضحةً، نعلن فيها أننا نرفض أن يتحول العالم إلى غابة ينتصر فيها المحتل على الشعب الأعزل الذي لا يملك سوى الحق والقانون والعدل.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،

إن مصر تستنكر القرار الأمريكي الأحادي المخالف للشرعية الدولية، ولا تعتبره منشئأً لأية آثار قانونية أو سياسية.

ولنكن واضحين، القدس أرض تحت الاحتلال، وهي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. هذه حقيقة تاريخية وقانونية، تدعمها قرارات صادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يمكن أن تتغير هذه الحقيقة إلا بإنهاء واقع الاحتلال.  وليس من حق أي طرف، مهما كان، أن يتصور أن بإمكانه القفز على القانون الدولي والحقوق التاريخية، ليضفي الشرعية على إغتصاب الأرض والحق.

 أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،

 سبعة عقود تمر على الشعب الفلسطيني، وهو يرزح تحت وطأة إحتلال ينتهك كل مقدس، ويستخف بكل قانون، وكأنه كتب على الشعب الفلسطيني أن يكون استثناءً من نظام دولي يتشدق بالقانون وحقوق الإنسان في كل مكان إلا عندما يتعلق الأمر بالحقوق الفلسطينية.

برغم ذلك، فقد قبل الفلسطينيون التسوية التاريخية للصراع، على أساس قرارات مجلس الأمن ومقررات الشرعية الدولية. وأعلن العرب كلهم، وبدون استثناء، تبني السلام خياراً استراتيجياً على أساس حل الدولتين.

ومن البديهي أن جوهر حل الدولتين هو الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على الأراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وبالتالي، فإن كل مساس بوضعية القدس يعني تهديداً صريحاً لحل الدولتين، ويفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات وخيمة.

إن استقرار المنطقة والعالم لا يحتمل أي تحرك غير محسوب العواقب تجاه القدس، ولا يمكن أن يتحقق في ظل عدم المبالاة بمشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين والمسيحيين في جميع أنحاء العالم. كما أن السلام لا يمكن أن يتأسس على استمرار الظلم التاريخي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.  

إن مصر لا تقبل أن يكون التعامل مع القدس خارج نطاق الشرعية الدولية، ولن يتسامح الشعب المصري مع أي تفريط في حقوق الشعب الفلسطيني، وأي إجراءات تزعزع استقرار المنطقة وتوفر الذرائع للمتطرفين والإرهابيين وأعداء السلام والاستقرار.

فأي مصداقية يمكن أن تكون لعملية السلام وحل الدولتين إن لم ينتفض المجتمع الدولي لرفض أي محاولة للاستيلاء على القدس، وتثبيت واقع إحتلالها؟ وكيف يمكن تنفيذ الرؤية التي أعلنها السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي لإقامة السلام الشامل والعادل وإنهاء 7 عقود ضائعة من عمر المنطقة والعالم، بينما المحتل يمضي في ترسيخ أمر واقع، يحسب واهماً، أن شعوب المنطقة والعالم لا يمكن أن تتسامح معه وتقبل به.

 أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،

 لا يمكن أن تتحقق أي تسوية شاملة وعادلة ونهائية للصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي إلا على أساس حل الدولتين، على أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية القدس الشرقية.

ولا يمكن أن تتم هذه التسوية إلا بمفاوضات سياسية، يرعاها المجتمع الدولي بنزاهة وأمانة، بكل ما يعنيه ذلك من ضرورة الالتزام الصارم بمقررات الشرعية الدولية، والرفض القاطع لأي محاولة للالتفاف عليها وإقرار الأمر الواقع بالقوة.

إن مصر، التي التزمت منذ عام 1948، بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وبذلت في سبيل ذلك كل غال ونفيس، ستستمر في الدفاع عن هذه الحقوق بكل صلابة وقوة. وستكون في طليعة كل تحرك عربي أو إقليمي أو دولي لدعم وتثبيت هذه الحقوق، وإبطال أي محاولة للالتفاف عليها.

 أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،

إن رفض وإبطال أي محاولة لإضفاء الشرعية على واقع احتلال القدس، ليس فقط استعادة لحقوق تاريخية وقانونية ثابتة للشعب الفلسطيني، وإنما هو انتصار للحق في مواجهة القوة، وإنقاذ لمصداقية المجتمع الدولي وتمسك بإبقاء باب الأمل مفتوحاً أمام أجيال جديدة من أبناء الشعب الفلسطيني والمنطقة.

الخيار هو بين العدل الذي لا يستقر نظام دولي بدونه، وبين مكافأة الإحتلال وإزكاء نيران الدم والفوضى في المنطقة. وعلينا جميعاً تحمل هذه المسئولية التاريخية والأخلاقية، واتخاذ الموقف الذي يرضي ضمائرنا ويرتقي لتطلعات شعوبنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى