رأى

حوكمة الشركات إلى الأفضل

استمع

DSC_0132

لوسي ب. ماركوس

الرئيس التنفيذية لشركة ماركوس للاستشارات الاستثمارية

في مختلف أنحاء العالم، تشهد ساحة حوكمة الشركات تحولاً واضحا، مع اكتساب الجهود الرامية إلى تحسين ممارسات العمل وسياساته المزيد من الدعم والزخم. وأصبحت موجة الإصلاح مرئية في كل مكان ــ من القواعد التنظيمية الجديدة الصارمة في اليابان إلى تبني صناديق الثروة السيادة مثل صندوق بنك نورجيس لإدارة الاستثمار في النرويج لأساليب أكثر نشاطاً في التعامل مع استثماراتها ــ ومن المؤكد أنها سوف تستمر في الارتفاع.
وهناك ثلاثة عوامل تدفع هذه التطورات. فأولا، تسببت حالة عدم اليقين العميقة اليوم في توسيع مدارك الناس العاديين وتنبيههم إلى النفوذ الذي تمارسه الشركات على السياسة، والسياسات، وحياتهم اليومية. وكما أشرت في وقت سابق، فإن الناس لا يولون قدراً أكبر من الاهتمام فحسب؛ بل إنهم أصبحوا يملكون أيضاً قدراً غير مسبوق من القدرة على جعل أصواتهم مسموعة.
وثانيا، كان الوعي متنامياً بين الحكومات لحقيقة مفادها أن تحقيق النمو الاقتصادي يتطلب نهجاً تنظيمياً استباقياً نشطا. فالاقتصادات القوية المرنة تحتاج إلى شركات قوية، ولبناء الشركات القوية يتعين على الحكومات أن تلعب دوراً في ضمان الإشراف العالي النزاهة على أنشطة الشركات. وأصبح الارتباط متزايداً بين إدارة الشركات وإدارة الدولة، والآن تدرك السلطات أن الإنفاق من أجل ضمان الإدارة الجيدة الآن أقل تكلفة (على المستويين المالي والسياسي) من تكبد ثمن العواقب المترتبة على الإدارة الرديئة في وقت لاحق.
ففي اليابان، استنت وكالة الخدمات المالية قانوناً للإشراف في عام 2014، مع دخول قانون حوكمة الشركات من بورصة طوكيو للأوراق المالية حيز التنفيذ في شهر يونيو. ومن خلال خلق بيئة أكثر مساواة بين المساهمين، وضمان المزيد من الإفصاح والشفافية، وتحديد مسؤوليات مجالس إدارة الشركات، واشتراط وجود مديرين مستقلين من الخارج في مجالس إدارة الشركات، يضمن هذان القانونان إحداث التغييرات التي من شأنها أن تجعل اليابان أكثر جاذبية في نظر ا لمستثمرين الأجانب. وبشكل أكثر عموما، أكَّد رئيس الوزراء شينزو آبي على الأهمية البالغة التي تمثلها حوكمة الشركات الجيدة لتحقيق النمو الاقتصادي والازدهار في الأمد البعيد.
والواقع أن الفضيحة المحاسبية التي أحاطت بشركة توشيبا ــ فقد تبين أن الشركة ضخمت أرباحها بنحو 151.8 مليار ين (1.2 مليار دولار أميركي) على مدى عدة سنوات منذ 2008 ــ تقدم الفرصة لحكومة اليابان لإثبات جديتها في فرض القواعد التنظيمية الجديدة. وقد اضطر هيساو تاناكا الرئيس التنفيذي لشركة توشيبا وغيره من كبار المسؤولين التنفيذيين إلى الاستقالة؛ واعتذر الرئيس التنفيذي المؤقت لمكت آبي؛ واستقال نوريو ساساكي، نائب رئيس الشركة ورئيسها التنفيذي السابق من مناصبه في الهيئات الحكومية؛ كما استقال الرئيس السابق للجنة المراجعة والتدقيق في توشيبا من لجنة المحاسبة الحكومية.
وفي الولايات المتحدة استنت لجنة الأوراق المالية والبورصة قاعدة قانونية في بداية أغسطس تلزم الشركات العامة بالإفصاح عن فجوة الأجور بين العاملين والمسؤولين التنفيذيين. وبرز السلوك الشركاتي والحوكمة كقضية ضمن البرامج الانتخابية للمرشحين لرئاسة الولايات المتحدة. فقد ألقت هيلاري كلينتون خطاباً في نهاية يوليو انتقدت فيه بقسوة “الرأسمالية الفصلية” التي تلاحق النمو القصير الأجل على حساب تطوير الأعمال المستدامة، كما تناولت النمو الهائل الذي طرأ على رواتب المسؤولين التنفيذيين، والحاجة إلى زيادة الحد الأدنى للأجور.
كما يتبنى الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء نهجاً متزايد النشاط في التعامل مع حوكمة الشركات، بما في ذلك التنظيمات المتعلقة بتنوع مجالس الإدارة. فقد أقرت إيطاليا، وفرنسا، وأسبانيا، والنرويج، وغيرها من البلدان حصص للجنسين في مجالس الإدارة، مع إلزام الشركات بشغل 30% إلى 40% من مقاعد مجلس الإدارة المستقلة بالنساء. وقد نجد أحدث مثال على هذا في ألمانيا، حيث تشترط الحصص الجديدة على الشركات الكبيرة، بعد مناقشات طويلة، شغل 30% من مقاعد مجلس الإدارة غير التنفيذية بالنساء بدءاً بعام 2016.
وكان العامل الثالث، وربما الأكثر أهمية، الذي يؤسس للتغيرات الأخيرة في مجال حوكمة الشركات الارتفاع الحاد في الاستثمار عبر الحدود. إن صناديق الثروة السيادية، وصناديق معاشات التقاعد، وبنوك الاستثمار العالمية، وصناديق التحوط لا تستثمر في الداخل فحسب. بل إنها تطوف الكوكب بحثاً عن أماكن تضع بها أموالها، وهي تتوقع من الشركات التي تتلقى أموالها أن تعمل وفقاً لقواعد عقلانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى