رأى

نظرية التحولات الهيكلية.. دلائل ومؤشرات في “مصر المستقبل”

استمع

د. محمد عبد العظيم الشيمىtn

أستاذ العلوم السياسية – جامعة حلوان

تتعلق نظرية التحولات الهيكليه لـ “آرثرلويس وآخرين” التي تركز على آلية يمكن بواسطتها، تحويل اقتصاديات الدول الفقيره من حالة التخلف والأعتماد الكبير على الزراعة التقليدية الى حالة التقدم والأعتماد على القطاعين الصناعي والخدمي كمصدر للدخل والعمالة…

واستنادا لهذه النظرية يتكون الأقتصاد المتخلف من قطاعين (زراعي تقليدي وصناعي) الذي يتسم بأرتفاع الإنتاجيه والأجور… وعيوب هذه النظريه، بالرغم من انها تنسجم مع التجربه التاريخيه للنمو الأقتصادي للدول الغربيه، الا أن أفتراضاتها الرئيسي لاتنطبق على الواقع الإقتصادي لمعظم الدول الناميه، فالإفتراض الأول حول عملية خلق فرص عمل جديدة في القطاع الصناعي، تعتمد على معدل التراكم الرأسمالي في هذا القطاع، فكلما كان معدل التراكم اسرع، أرتفعت معدلات النمو وازداد الطلب، ولكن افتراض اعادة استثمار الأرباح في معدلات الرأسماليه، تؤدي الى انخفاض الطلب على العمال، ومعنى هذا ان فرص العمل ستكون محددة وواقع الإفتراض حول اعادة استثمار الأرباح لاينسجم اصلا مع واقع الظروف الأقتصادية والسياسيه في دول العالم الثالث… حيث يفضل معظم المستثمرين في هذه الدول الى توظيف اموالهم في الدول المتقدمة او ايداعها في البنوك الأجنبيه، لأسباب اقتصاديه وسياسيه… يضاف الى ذلك ان الطبقة الرأسماليه في الدول الفقيره، تميل الى تقليد الأنماط الأستهلاكيه في الغرب كالسياحه والكماليات، بدلا من الأستثمار على عكس ما كان الحال بالنسبة للطبقه الرأسماليه في الغرب ابان الثوره الصناعيه، كما ان هذه النظريه افترضت وجود ظاهرة فائض العمل في المناطق الريفيه والأستخدام الكامل في المناطق، وواقع الحال في الدول الناميه على عكس من ذلك، يضاف الى ذلك، الإفتراض الثالث حول وجود سوق العمل التنافسي في القطاع الصناعي، بينما تميل الأجور الحقيقية الى الأرتفاع في بعض هذه الدول مثل امريكا اللاتينيه… وهو افتراض غير واقعي ايضا.

وبالنظر للواقع المصري بعد ثورتين اراد من خلالهما الشعب المصري المطالبة بتحولات هيكلية تربط نتائج اي تنمية اقتصادية بالتنمية الاجتماعية قائمة على تنمية منظومة التعليم والثقافة المجتمعية. وبالتالي فنحن بحاجه إلى آليه لربطة العملية التعليمية والتنميه، فمعظم الدول الناميه ومنها الدول العربيه، تعتبر دول مستهلكة وليست منتجة للمعرفه الفنية، كما ان الكثير منها تعتمد بصورة كبيره على تنفيذ مشروعاتها الإنمائيه على مايسمى، بأسلوب تسليم المفتاح Turn Key Project  اي المشروعات الجاهزه التي يتم تنفيذها بصوره كليه من قبل الشركات الأجنبيه وبدون مشاركه فعليه من جانب المهندسين والفنيين المحليين سواء في مراحل التصميم او التنفيذ او التشغيل وصيانة هذه المشروعات. مقدما مجموعه من الملاحظات والمقترحات لربط التعليم بالعمليه التنمويه.

وبتناول المؤتمر الاقتصادي ” مصر المستقبل “ الذي اقيم بشرم الشيخ لدعم وتنمية الاقتصاد المصرى من 13 وحتى 15 مارس المقبل والذي  يأتى فى إطار التنمية فى مصر- فى مختلف المجالات الاقتصادية وتحسين الرعاية الصحية والتعليمية وتوفير الطاقة – التى تحتاج كل أبناء الوطن وكل شركائنا فى التنمية من أجل استقرار مصر ومنطقة الشرق الأوسط.

ومع تناول نتائج المؤتمر ، والذي تباينت الأرقام الخاصة به في وسائل الإعلام، حتى أعلن أشرف سالمان وزير الإستثمار والمسؤول عن تنظيم المؤتمر ان الحصيلة النهائية للمؤتمر بما يتضمنه من استثمار ومشروعات مباشر، ودعم وقروض ، وبروتوكولات ومذكرات تفاهم واتفاقيات، وصلت إلى 175,2 مليار، موزعة بالشكل الآتي ..

15مليار دولار اتفاقيات استثمار تم التوقيع عليها خلال المؤتمر، بالإضافة إلى 92 مليار دولار مذكرات تفاهم لمشروعات جديدة وتوسعات فى مشروعات قائمة، و45 مليار دولار لمذكرة التفاهم الخاصة بمشروع العاصمة الإدارية، وأخيراً 5٫2 مليار دولار قروض ومنح من مؤسسات التمويل الدولية.

وقد جاء تركيز المؤتمر الاقتصادي أيضا على الفرص التي يتيحها مشروع تنمية محور قناة السويس الذي يفتح مجالات اقتصادية عدة، منها ما يتعلق بالخدمات اللوجستية للسفن العابرة ومستودعات التخزين الضخمة للبضائع والشحن والتفريغ، لكن البلاد تحتاج أيضا لاستعادة مكانتها في القطاع السياحي الحيوي الذي يمثل ثاني مصدر للدخل القومي، وهو ما يعبر أيضا عن رؤية واضحة للقياده السياسية بمشاركة فعليه وطنيه لكافه المشروعات المطروحة بالمؤتمر، وهو ما يرد على الاصوات التي عارضت المؤتمر بحجة انه وسيلة لبيع مصر ، ولتمكين شركاء اجانب من التحكم بالمنظومة الاقتصادية المصرية، فنتائج المؤتمر تثبت عكس هذه المقولات.

ومن جانب آخر، ومع مؤشرات النجاح لهذا المؤتمر، فنجد أن هذا النجاح يضع مسؤولية كبيرة على الحكومة، ومصر كلها، لتحويل البرامج والاتفاقيات والتعهدات التي قدمت خلال المؤتمر إلى حقائق على الأرض، واستخدام الزخم الإيجابي الذي أوجده المؤتمر. هذه ليست مهمة سهلة. ذلك يتطلب جهودا كبيرة داخل وخارج الحكومة ومزيد من الشفافية والوضوح في البرنامج الاقتصادي للدولة. كما يتطلب نقاشا واسعا داخل المجتمع المصري على الخيارات والأولويات المتاحة تتعلق:

1- بتجسيد الآليات والبرامج والسياسات التي من شأنها تعزيز الافتراضات التي تقوم عليها. يتطلب تحقيق هذه الأهداف أيضا التمويل والتعديلات القانونية، وموظفي الحكومة بالمهارات اللازمة. وجميع هذه القضايا تتطلب مزيدا من الوضوح والشفافية، لتمكين المجتمع لتصبح شريكا في تنفيذ هذه الخطة الطموحة.

2- ثمة مسألة تتطلب المزيد من التوضيح هي السياسة الاجتماعية للدولة: كيفية ضمان التوزيع العادل لعائدات الاستثمار وتحقيق الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفا، و لتحقيق مطلب المواطن المصري الأبدي ” عيش، حرية، عدالة إجتماعية”.

أخيرا، ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن المؤتمر وفي ظل وجود اصوات معارضة له خارجيه وداخليه، إلا ان الشئ المؤكد مع انتهاء هذا الحدث وهو النجاح المبهر للمؤتمر ليس على على المستوي الاقتصادي، ولكن على المستوى السياسي أيضا، وأن نتائجه ستصب في مصلحة المصريين كافة. ومن ثم فالسؤال الذي يتصدر المشهد الآن ، الكيفية التي من الممكن وضع تصور للتحولات الهليكية لمجتمع يعتمد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية معا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى