سلايدر

سقوط الإنكار الصهيوني للمسؤولية عن النكبة الفلسطينية

استمع

Image result for ‫سقوط الإنكار الصهيوني للمسؤولية عن النكبة الفلسطينية‬‎

 

إبراهيم عبد الكريم

باحث.. ورئيس التحرير في مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية – دمشق

  • مقدمــة ..

تتجذّر فكرة طرد العرب من فلسطين في أعماق أسس المشروع الصهيوني. وقد رافقت تلك الفكرة مختلف مراحل هذا المشروع، وتحولت إلى توجهات استراتيجية؛ إذ لم تكن الأهداف الصهيونية الرئيسة لتتجسد دون طرد الفلسطينيين، أو معظمهم، من البلاد، لأن مجرد وجودهم في فلسطين يتناقض، عدائياً، مع الصهيونية وأهدافها.

وقد تم تحقيق أبرز هذه الأهداف، بتهجير غالبية الفلسطينيين عام 1948، جرّاء الإمكانيات الذاتية والتحالفية التي جندتها الصهيونية، والتي تفوق بكثير القدرات التي حشدتها الجيوش العربية مجتمعة للحرب في فلسطين.

ولأسباب متعددة، لا مجال للتفصيل فيها، تتعلق بمجريات تلك الحرب والظروف المحلية والإقليمية والدولية – وفي بعض التقديرات بسبب خطأ استراتيجي صهيوني – لم يكن تهجير العرب من فلسطين كاملاً، حيث بقيت فيها آنذاك أقلية عربية بلغت نحو 160 ألفاً، صامدة مكابدة، راحت تشكل تحدياً وعقبة كبرى أمام استكمال تهويد البلاد. بينما نشأت مشكلة اللاجئين، كأحد التجليات المادية للهزيمة التي لحقت بالجيوش العربية، والتي أُطلقت على مفاعيلها تسمية “النكبة”.  

منذ ذلك الحين، ادعت الصهيونية وإسرائيل(*) أن الدول العربية تسببت بهذه المشكلة عندما بدأت الحرب على اليهود، وأن إسرائيل نفسها غير مسؤولة عن ذلك إطلاقاً، لأن ما حدث هو أن الزعماء العرب طلبوا من الفلسطينيين مغادرة مدنهم وقراهم مؤقتاً، ريثما تقوم الجيوش العربية بالقضاء على الدولة اليهودية الوليدة، فاستجاب عدد كبير من الفلسطينيين لهذا الطلب، وخرجوا بمحض إرادتهم، ظانّين أنهم سيعودون إلى بيوتهم بعد فترة وجيزة. وبعد أن أخفقت الجيوش العربية في مهمتها، طالت فترة الانتظار حتى أصبح الفلسطينيون لاجئين.. هكذا!!

حيال هذه الدعاوى التضليلية التي تعتمدها الصهيونية وإسرائيل، كنهج ثابت، على الصعد الداخلية والخارجية، ثمة ضرورة لتوظيف معلومات متعددة المصادر، وضمناً وثائق واعترافات إسرائيلية، لترسيخ حقيقة مسؤولية المشروع الصهيوني عن مشكلة اللاجئين، والنكبة الفلسطينية عموماً، التي يحاول زعماؤه ومؤسساته التنصل منها.

  • الأصول الأيديولوجية الصهيونية لتهجير العرب من فلسطين :

بمقتضى عملية تجسيد “الشق اليهودي” للمشروع الصهيوني، كمشروع استعماري في المنطقة العربية، تم حشد العديد من الأفكار والصيغ التي وضعت لتكون أساساً يقوم عليه البناء العام للطروحات الصهيونية، منذ الثلث الأخير للقرن التاسع عشر، وامتداداً إلى العقود اللاحقة.

 وكانت صيغة تهجير العرب من البلاد نتاجاً واضح المعالم في هذه الطروحات، سواء في البدايات الأولى للمشروع أم في مراحله التالية، وصولاً إلى وقتنا الراهن. حيث استمدت فكرة تفريغ فلسطين من سكانها(مواطنيها) دوافعها ومحرضاتها من نسق فكري صهيوني متكامل يتضمن المنطلقات التضليلية التالية:(1)

– هناك “شعب يهودي” كان في الماضي السحيق يعيش في وطنه (أرض إسرائيل) موحَّداً، ثم تشتت بفعل الاحتلال الأجنبي لهذا الوطن(…).

– خلال سنوات “الدياسبورا – الشتات” كان الشعب اليهودي يحلم بالعودة إلى وطنه(…)، وعكست تعبيراته الدينية وموروثاته الثقافية والاجتماعية هذا الحلم.

–  مع بدء النشاط إلى الوطن كان “الغوييم – الأغيار” ما يزالون في البلاد، يسيطرون عليها أو يحتلونها(!).

– نظراً لأن الوطن (القديم – الجديد) مأهول بالأغيار، ثمة ضرورة للقيام بثلاثة اقتحامات في وقت واحد، هي: اقتحام الأرض – اقتحام العمل والإنتاج – اقتحام الحراسة.

– إن الروابط الدينية والتاريخية بين اليهود و “أرض إسرائيل” هي روابط أزلية/أبدية لا مثيل لها، الأمر الذي يجعل العرب في البلاد وكأنهم غير موجودين، أو محتلين في حال ظهور وجودهم.

.. على خلفية هذه المنطلقات، تبنت الصهيونية جملة من الحجج والذرائع لاقامة كيانها الاستيطاني، فبالإضافة إلى “الأرض الموعودة” و”الحق التاريخي”، كانت مفاهيم “الرسالة الحضارية” و”الريادة” و “إحياء البلاد” و”تجفيف المستنقعات”، وسواها، تنتشر في الخطاب الصهيوني على أنها مقومات شرعية لبناء “الدولة اليهودية الجديدة في أرض إسرائيل”.

كان إيجاد كل هذه المقومات يتلازم مع المساعي الصهيونية الرامية إلى تحويل مناسب لطبيعة العلاقة بين اليهود وفلسطين، من علاقة معنوية/روحية بمحتواها النظري(الشفوي والمكتوب/ أدعية، قراءات، تصحيف.. الخ) إلى علاقة مادية/ وجودية بمحتواها العملي(المتجسد بالهجرة إلى “أرض إسرائيل”  والاستيطان فيها). لهذا كان الصهيونيون يقاومون اندماج اليهود في مجتمعاتهم، وينشطون في ميادين “البعث اليهودي” القائم على ترجمة الوعي الديني/الاجتماعي الجديد إلى موقف سياسي، والتركيز على بلوغ هدف تجميع اليهود في وطن خاص بهم، فضلاً عن توطيد دعائم الوجود الاستيطاني التمهيدي في فلسطين.

مع بدء انتقال المشروع الصهيوني من “النظري” إلى “العملي”، أخذت الممارسة الصهيونية الأولى تؤكد وجود فارق كبير بين الشكل التقليدي للاستعمار وبين ما تشهده فلسطين من عمليات استيطان. ويتلخص هذا الفارق في أن الاستعمار التقليدي كان يسعى إلى بسط سيطرته على البلاد مع الإبقاء على سكانها لاستغلالهم، بينما يُعنى الشكل الجديد للاستعمار بحيازة الأرض وبناء المستعمرات لاستقدام مزيد من المهاجرين إلى البلاد، وليكونوا العنصر البشري اللازم للعملية الإحلالية المتمثلة بإنشاء دولة لليهود حصراً.

كانت “حصرية الدولة” هذه، بمثابة حجر الأساس في منظومة التعامل الصهيوني مع عرب فلسطين، إذ تبلور افتراض أن “عودة اليهود” وإنشاء الوطن اليهودي في فلسطين يتطلبان أرضاً خالية من السكان. وكان الاعتبار الكامن وراء عملية الإخلاء، المتصورة منذ البداية، هو خلق تجانس في البلاد لتجنب المشكلات الأمنية التي يخلّفها بقاء العرب في البلاد، وتهيئة الأجواء المناسبة للأداء اليهودي (النقي) ولاستمرارية الوجود الكياني للمستوطنين مستقبلاً.

     ينتمي إخلاء فلسطين من سكانها العرب إلى دائرتين في النمط الصهيوني التقليدي للتفكير والعمل؛ إحداهما/ تتمثل بالإخلاء الذهني، أي بالنظر إلى فلسطين على أنها بلاد خاوية سكانياً وحضارياً. والثانية/ تتمثل بالإخلاء المادي عبر الحصول على أراضي المواطنين العرب لإقامة المستوطنات عليها، وتهجير هؤلاء المواطنين إلى أماكن أخرى.

تُظهر مراحل الاستيطان الصهيوني المتعاقبة هذه الثنائية عبر اعتماد الاستبدال السكاني؛ فقد كان يتم الحصول على الأراضي بمختلف الطرق العادية والمبتكرة، وفي الوقت ذاته كان عرب فلسطين، في المنظور الصهيوني، مجرد أناس يقيمون على أرض تعود ملكيتها للشعب اليهودي المشتت الذي بدأ بالعودة المنظمة إليها. أما في الرؤية النهائية، فكان العربي الفلسطيني “غائباً” أو غير موجود(الفراغ الديمغرافي)، لأنه لا يحق له أن يمتلك أرضاً في فلسطين التي يعتبرونها أرضاً يهودية. وحين تحطمت هذه السذاجة بفعل الرؤية المتعينة للعربي، كانت ميكانيزما أخرى تأتي متضمنة الاعتراف بأن البلاد مأهولة، ولكن ليس ببشر أو أناس عاديين(الفراغ الحضاري)، وإنما تعيش في الأرض المقدسة – الصحراء التي تنتظر شعبها – كائنات متوحشة، وصفت حتى بعد مائة عام من الاستيطان بأنها “نزلت لتوها عن الأشجار”، أي لم تصل بعد إلى  المرحلة الإنسانية في سلم التطور البيولوجي/الاجتماعي.

سيطر تغييب العرب من فلسطين، ديمغرافياً وحضارياً، على الذهنية الصهيونية في بحثها عن الاتساق والانسجام بين المخطط الصهيوني وتطبيقه عملياً بالاستيطان وبناء الكيان. وكان ذلك التغييب بمثابة مسوّغ لإعفاء الصهيونية من التفكير بأي ظلم أو إجحاف يقع على أولئك العرب. وهكذا نُحّيت الأخلاق الإنسانية والمشاعر السوية جانباً لدى تفكير الصهيونيين بمصير عرب فلسطين، منذ البدايات الأولى للمشروع الصهيوني، مقابل التشبّع بنموذج خاص من الإنشاءات الفكرية والعاطفية التي تبرر اقتراف الجرائم الكبرى بحق الآخرين، وبتعليلات تبسيطية.

كان تغييب العرب من فلسطين ذهنياً، يمثل اللبنة الأولى لعملية إجلاء العرب المتصورة، وكان تاريخ المشروع الصهيوني هو تاريخ فك ارتباط العرب بأراضيهم وبلادهم. وتمثلت(استوعبت) الصهيونية في هذا المنحى مختلف التجارب والأفكار التي ظهرت في مناطق كثيرة من العالم، وخاصة؛ طريقة إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية، وبناء المستعمرات الجديدة في الغرب، وعمليات الضخ السكاني الاستيطاني الغربي في أستراليا ومناطق مختلفة من العالم.

  • استراتيجية الإرهاب الصهيونية وعمليات التهجير والتدمير :

تطبيقاً للأسس الأيديولوجية المتعلقة بإنجاز المشروع الصهيوني، جرى تطبيق استراتيجية عدوانية في المعركة الدائرة والمتصاعدة في فلسطين، على امتداد نحو خمسة عقود بعد تأسيس الصهيونية، عبر هجرة اليهود إلى البلاد واستيطانهم فيها، وبناء القوة الذاتية البشرية والعسكرية والاقتصادية.

وقد زجّت الصهيونية بهذه القوة واستغلتها إلى حدها الأقصى، إثر صدور قرار التقسيم عن الجمعية العامة للأمم المتحدة(29/11/1947).. فقبل نحو ستة أشهر من إعلان قيام إسرائيل، دعا بن غوريون رئيس اللجنة التنفيذية في الوكالة اليهودية، إلى تهجير العرب، قائلاً: “كل هجوم يجب أن يكون ضربة قاضية تؤدي إلى تدمير البيوت وطرد سكانها”(2).

ومنذ كانون الأول 1947 صارت سياسة نسف البيوت العربية، أو عمليات تدمير أجزاء كاملة من قرى عربية، تشكل عنصراً رئيساً في العمليات التي تنفذها “الهاغاناه”(قوات الدفاع اليهودية). واستغل الصهيونيون ظروف حرب1948، وقاموا بأعمال همجية قلَّ نظيرها، استهدفت تصفية التجمعات والمباني السكنية العربية. وجاء تدمير القرى أو غالبيتها العظمى نتيجة لمنهجية منظمة من قبل “الهاغاناه”، باستخدام المواد المتفجرة والجرافات، سواء على أيدي الوحدات العسكرية اليهودية الخاصة أم من قبل سكان المستعمرات.

 وفي شهر أيار 1948، بدأ يتعزز لدى الزعامة الصهيونية هدف عدم تمكين العرب المهجَّرين من العودة إلى ديارهم، وسرعان ما أدركت هذه الزعامة بأن تدمير القرى والممتلكات العربية هو أنجع وسيلة لتحقيقه، فجرى إحراق المزروعات العائدة للمهجرين لعزلهم عن أراضيهم حسياً ونفسياً، ومنع هؤلاء من جني الحقول القريبة من خطوط الجبهة كوسيلة لمنع عودتهم، وكانت القوات الصهيونية تطلق النار على العرب الذين يحاولون جني محاصيلهم، واستمرت بحرق الحقول العربية التي لم يكن بالإمكان جنيها من قبل اليهود. وفي النصف الثاني من عام 1948، واصلت هذه القوات سياسة تدمير القرى العربية تحت رعاية بن غوريون، إما لدوافع عسكرية فورية أو لدوافع سياسة بعيدة المدى(3).

ولجأت العصابات الصهيونية إلى ارتكاب المجازر ومختلف الأعمال الإرهابية، لتفريغ فلسطين من مواطنيها العرب، وكانت مذبحة دير ياسين (في 9/4/1948) واحدة من سلسلة مذابح نظمتها هذه العصابات، بلغ عدد ضحاياها 254 فلسطينياً من شيوخ ونساء وأطفال.. وهناك مجازر أخرى لا تقل وحشية عنها، هي: مجزرة الدوايمة(قضاء الخليل)، ومذبحة اللد، ومجزرة الطنطورة(قضاء حيفا)، ومجزرة الصفصاف(قضاء صفد). وقد أحصى مركز المعلومات الوطني الفلسطيني في وكالة الأنباء الفلسطينية(وفا) 72 مجزرة وقعت عام 1948، وأورد تفصيلات عنها(4).

وحسب معلومات إسرائيلية نُشرت على نطاق واسع، انتهت “الهاغاناه” في صيف 1947 من بلورة “الخطة د= توخنيت دالت” التي تعود خطوطها الأولى إلى عام 1942، وأدخلت فيها تعديلات عدة، خلال السنوات اللاحقة، لتتجاوب مع تحقيق الهدفين الصهيونيين المركزيين المتمثلين بإقامة الدولة اليهودية وطرد العرب الفلسطينيين منها. ووضعت الخطة موضع التطبيق في آذار 1948، حيث دخلت الحملة العسكرية الصهيونية طوراً جديداً وأكثر خطورة عندما شرعت قيادة “الهاغاناه” بتنفيذها.

كانت هذه الخطة تقضي بالاستيلاء على النقاط الرئيسة في البلاد وعلى الطرق قبل رحيل البريطانيين. أما الأسس السياسية/الاستراتيجية لها فكانت تقضي بتوسيع الدولة اليهودية إلى أبعد من الحدود التي حصصت لها بقرار التقسيم 1947. وقد نصت الخطة على “حرق” و”نسف” و”تدمير” القرى العربية و”طرد السكان العرب المحليين إلى خارج الحدود…”.

وفي الفترة الممتدة من العاشر من آذار 1948 حتى قيام إسرائيل في 15 أيار 1948 شرعت “الهاغاناه” وعصابات “اتسل” و”ليحي” بتنفيذ “الخطة د”، فقامت باحتلال القرى والمدن العربية الفلسطينية وطرد سكانها والتمركز فيها وتدمير قرى أخرى وزرع ألغام بين أنقاضها بهدف منع عودة العرب إليها. وصدرت توجيهات رسمية بأن يطال التدمير جميع القرى أو المناطق العربية، سواء أكانت تقوم بأعمال عدائية ضد اليهود أم من المحتمل(.. !!) أن تشارك في أعمال كهذه مستقبلاً(5).

وبهذا الأسلوب تم خلال ربيع وصيف 1948 تدمير تجمعات عربية عديدة في مناطق مختلفة من البلاد، كل حسب ظروفها ووضعها على الصعيد العسكري ومستوى المقاومة العربية فيها وطبوغرافيتها. ومن الملاحظ أن الرواية الرسمية الإسرائيلية لحرب 1948، ٍتحدثت عن تدمير القرى حسب “الخطة د” من زاوية اعتبارها قواعد للقوى العربية المسلحة التي كانت تبدي مقاومة، فيتم إبادتها وطرد السكان إلى خارج حدود الدولة(6).

حول هذه المسألة، يذكر المؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم، في كتابه “الجدار الحديدي – إسرائيل والعالم العربي”(الصادر عام 2000)، استناداً لوثائق صهيونية، أن “الهاغاناه” شرعت في تطبيق سياسة” الدفاع الهجومي”، مترافقاً مع تدمير اقتصادي وحرب سيكولوجية. وكانت الخطة “الخطة د” التي أعدها زعماء “الهاغاناه” نقطة علام رئيسة في تطوير هذه الإستراتيجية الدفاعية. فبعد أن مُني زعماء “الهاغاناه” بهزائم عدة على أيدي القوات غير النظامية الفلسطينية، قرروا أن يمسكوا بزمام المبادرة وأن يتحولوا إلى الهجوم. وقد كان الهدف الأبرز لتنفيذ “الخطة د” تأمين جميع المناطق المخصصة للدولة اليهودية بموجب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، فضلاً عن تأمين المستعمرات اليهودية خارج هذه المناطق وتأمين الممرات الموصلة إليها، وذلك من أجل خلق قاعدة قوية ومستمرة للسيادة اليهودية. وقد كانت جرأة الخطة في الأوامر التي صدرت لاحتلال قرى ومدن عربية، وهو أمر لم تحاوله “الهاغاناه” من قبل أبداً. ورغم أن صياغة “الخطة د” كانت غامضة، لكن هدفها كان “تنظيف” البلاد من العناصر العربية المعادية والتي يحتمل أن تصبح معادية، وقد هيأت بهذا المعنى المسوّغ لطرد المدنيين العرب. وهكذا ساهمت “الهاغاناه” من خلال تنفيذ “الخطة د” في شهري نيسان وأيار، بصورة مباشرة وحاسمة في ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وبذلك – يتابع شلايم- تحطم المجتمع الفلسطيني تحت تأثير الهجوم العسكري اليهودي الذي انطلق في شهر نيسان، وبدأت الهجرة الجماعية للفلسطينيين. وبرأي شلايم، كانت هناك أسباب عديدة للهجرة الجماعية الفلسطينية، بما في ذلك رحيل القادة الفلسطينيين عندما اشتدت الأمور، غير أن السبب الأهم كان الضغط العسكري اليهودي، إذ لم تكن “الخطة د” برنامج عمل سياسي من أجل طرد عرب فلسطين، بل كانت خطة عسكرية ذات أهداف عسكرية ومحلية. غير أن الخطة، بإعطائها الأمر باحتلال مدن عربية وتدمير القرى، سمحت وبررت طرد المدنيين العرب بالقوة، وبنهاية عام 1948، قفز عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى نحو 700 ألف شخص(7).

وخلال النصف الثاني من عام 1948 واصل الجيش الإسرائيلي عمليات ترحيل الفلسطينيين بقوة السلاح. واستمرت حملة إسرائيل في التنكيل بالفلسطينيين وإبعادهم حتى أوائل عام 1949. وكان إيغال يادين (رئيس العمليات في الأركان عام 1948 ورئيس الأركان عام 1948 ورئيس الأركان الإسرائيلي الثاني) المسؤول التنفيذي الأول عن تطبيق أساليب “الخطة د” التي رسمت لتنفيذ أوامر بن غوريون بتدمير القرى العربية المجاورة للمستعمرات اليهودية وطرد سكانها منها، وكذلك السيطرة على الشرايين الرئيسية للمواصلات التي تعتبر حيوية لليهود وتدمير القرى الفلسطينية الواقعة قربها(8).

في شهادة لعالمي الآثار الإسرائيليين سوليماني وكالتر، يبينان أن قيام دولة إسرائيل وحرب عام 1948 أديا إلى إحداث تغيير سياسي وديمغرافي عميقين، وإلى تغيير مادي دراماتيكي في مشهد البلد برمته. فقد أفرغت مئات القرى والبلدات الفلسطينية من سكانها، وأقيمت مدن وبلدات جديدة ذات أسماء جديدة مكانها أو على مقربة منها، فيما قامت مؤسسة “الكيرن كييمت ليسرائيل”(الصندوق القومي) بتحويل مساحات واسعة من أراضي القرى الفلسطينية إلى غابات حرجية. وقد دُمّر عدد قليل من القرى الفلسطينية التي تركت مهجورة، لتشهد عمليات تدمير ليس فقط جراء قوى وعوامل الطبيعة، بل أيضاً جراء أعمال تدمير مدبّرة. فقد استمرت عمليات التدمير الموجهة طوال السنوات كجزء من سياسة مستمرة، وجدت تعبيراً لها على سبيل المثال في تدمير بضع عشرات من قرى الجليل في عام1949، وتدمير عدد من القرى في منطقة القدس خلال عام 1959. وقد أقرت هذه السياسة من قبل جهات سلطوية (إسرائيلية) عليا، أما عملية هدم القرى وتدميرها فقد جرت بمشاركة جهات عديدة، من ضمنها “الصندوق القومي” و”دائرة أراضي إسرائيل” والجيش الإسرائيلي ومؤسسات استيطانية مختلفة. كما قامت السلطات بعبرنة الخريطة الحضرية- الجغرافية، حيث استبدلت آلاف الأسماء العربية للقرى والبلدات والجبال والوديان وما إلى ذلك، بأسماء عبرية أخذت من مصادر مختلفة أو اخترعت في الحالات التي لم يتوفر فيها مصدر ملائم(9).

في تلك الأثناء، اعتمدت السلطات الصهيونية سياسة التصفية الأولية للقرى العربية، ثم واصلت في الخمسينات والستينات عمليات محو العديد منها، وتسوية بيوتها بسطح الأرض وتجريفها وبعثرة حجارتها، وهي عمليات افتضحت في ضوء التقارير التي نشرت والصور المخططات القديمة للقرى والمباني، أو أكوام الحجارة في مواقعها، أو نباتات الصبار الشائخة والمتجددة التي تسيّج موقع القرية، أو الأشجار الحرجية وسواها. كما جرى استخدام الكثير من الأبنية السليمة، أو التي رُممت، لأغراض احتلالية متعددة، وخاصة في المدن، ولا تزال شاهدة على أصالة هويتها العربية.

  • قيام إسرائيل ومنع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى أرضهم :

  أسفرت حرب اغتصاب فلسطين عن معطيات مروّعة، حيث تم احتلال نحو 80% من البلاد، وتهجير بين 700 – 800 ألف نسمة، ووصل العدد في بعض المصادر إلى مليون نسمة، تحولوا إلى لاجئين. وجرى تهجير وتدمير مئات التجمعات السكنية العربية؛ بلغت في بعض المصادر 533 تجمعاً، وأورد سجل “التدمير الجماعي للقرى الفلسطينية” قائمة تضمنت 472 قرية(10).

إجمالاً؛ تتأطر الأسباب الرئيسة لحدوث النكبة ومشكلة اللاجئين بالتخطيط والسعي الصهيوني لإنجاز هدف استراتيجي عام هو تفريغ البلاد من سكانها العرب كضرورة لتهويدها، عبر ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ولأبسط مبادئ القانون الدولي.

وقد واصلت إسرائيل هذه الانتهاكات حتى بعد توقيع اتفاقية الهدنة عام 1949، حيث استمرت الضغوط الرامية إلى تهجير من تبقى من العرب في البلاد. وجرى الحديث على الدوام عن المستقبل الكارثي للدولة إذا بقي العرب فيه. وفي أيامنا هذه، يُعتبر أرنون سوفير(الأستاذ في جامعة حيفا) المصدر الأكاديمي الأول للاقتباسات الإسرائيلية الخاصة بما يسمى “الخطر الديمغرافي” الذي يتهدد إسرائيل كدولة يهودية صِرف. وغدت “المدرسة السوفيرية” مرجعاً لليمين واليسار على حد سواء في التحسب لهذا الخطر، الذي استمر نهجاً ثابتاً لإسرائيل. ودخلت توجهات التهجير في البرامج السياسية لبعض الأحزاب الصهيونية، بصيغ متباينة. ونشرت دراسات ومقالات وتصريحات لشخصيات متفرقة (أكاديميين – سياسيين – حاخامات – زعماء مستوطنين .. الخ) تُغذي تيار “الترانسفير= الترحيل”. ومن المقدر أنه لن يكون بعيداً اليوم الذي ستملأ فيه الشوارع الإسرائيلية لافتات تطالب بصيغة “ترانسفير عخشاف = ترحيل الآن” مقابل لافتات الحركة الهامشية “شالوم عخشاف = سلام الآن”.

  • الدعاوى الصهيونية بشأن تهجير العرب ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين

كثرت الأوصاف والتبريرات في الجانب الإسرائيلي لطرد العرب. وجرى تداول كلمات مثل: خروج – هروب – مغادرة – رحيل – نزوح .. الخ. في حين سعى الصهيونيون إلى خنق أي تعبير آخر مثل: طرد – تهجير – اقتلاع – تشريد – إجلاء – إحلال.. الخ.

وحسب المؤرخ آفي شلايم، في كتابه “الجدار الحديدي..”، تُصوّر الرواية الصهيونية التقليدية حرب عام 1948 بأنها صراع بين خصم عربي يشكل وحدة متراصة وإسرائيل الصغيرة. وفي هذه الرواية، قامت سبعة جيوش عربية بغزو فلسطين لدى انقضاء زمن الانتداب البريطاني وفي ذهنها هدف واحد؛ خنق الدولة اليهودية. وقد كان الصراع غير متكافئ بين دافيد اليهودي وجالوت العربي، حيث خاضت الدولة اليهودية الوليدة “معركة بطولية يائسة”، ولكنها ناجحة في نهاية المطاف، من أجل البقاء. وبموجب تلك الرواية؛ هرب أثناء الحرب مئات الألوف من الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة، وكان ذلك بشكل رئيس استجابة لأوامر من قادتهم وتوقعاً لعودة مظفرة. وإن إسرائيل نفسها غير مسؤولة بأي شكل عن مشكلة اللاجئين، لذا فهي لا تقبل قرارات الأمم المتحدة التي أعطت اللاجئين الحق بالعودة والتعويض. ويتابع شلايم: “استُخدمت هذه الرواية الشائعة المتعلقة بحرب 1948 بشكل واسع في الدعاية الإسرائيلية، ولا تزال تُدرّس في المدارس الإسرائيلية، وهي مثال رئيس على تجنيد الرواية القومية للتاريخ في عملية بناء أمة، فالتاريخ، بمعنى واقعي جداً، هو دعاية المنتصر، وتاريخ حرب عام 1948 ليس استثناء”(11).

وحسب شلايم؛ “صارت المعزوفة الصهيونية التقليدية لأحداث 1948 معروفة جيداً، ومقبولة على نطاق واسع في الغرب، وهي تضع كل اللوم عن الحرب ونتائجها على الجانب العربي، وهذه هي الرواية الرسمية للتاريخ، وعلى هذا النحو، هذه رواية تبسيطية انتقائية وتخدم المصالح الذاتية، وهي في جوهرها دعاية المنتصرين، فهي تصور المنتصرين كضحايا، كما أنها تلقي اللوم على الضحايا الحقيقيين الفلسطينيين على سوء حظهم”(12).

وعلى امتداد العقود التالية، ظل التفسير الصهيوني لعملية التهجير يجترّ القول إن ملوك الدول العربية ورؤساءها وحكامها وقادة الشعب الفلسطيني هم الذين أوعزوا للسكان العرب أو طلبوا منهم أو حتى أمروهم بترك قراهم ومدنهم، ووصل الادعاء إلى درجة الزعم بأن هذه الأوامر أذيعت على الهواء من محطات الإذاعة في الدول العربية تناشد السكان العرب بترك قراهم والنزوح إلى أماكن آمنة في فلسطين أو الدول العربية(13)، وسيتبين لاحقاً أن هذا الأمر كذبة من العيار الثقيل.

كما ظلت إسرائيل تُنكر تماماً تسببها بذلك التهجير، وتفرض سرية مطبقة على مداولات الحكومة حول طرد الفلسطينيين خلال حرب 1948، وعلى الفظاعات التي ارتكبها الصهيونيون لتهجير العرب من قراهم. وجرى الحرص على عدم كتابة أو نشر وثائق رسمية عن عمليات الطرد، وفي بعض الحالات كانت “حركة يد” من بن غوريون تكفي كأمر بتنفيذ هذه العمليات، وكان هناك تشدد رسمي بعدم السماح بكشف تفاصيل الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها العصابا الصهيونية. ففي عام 1995 مثلاً نشرت محاضر اجتماعات الحكومة الصهيونية المؤقتة ( 10/5/1948 – نيسان 1949 )، وكانت نسبة 95% من النصوص التي حظر نشرها تتعلق بجرائم ارتكبها الجنود الصهاينة ضد السكان العرب وإجراءات طرد فعلية(14).

اتساقاً مع هذه التوجهات، ضمن العديد من الوثائق الصهيونية المتعلقة بحرب 1948 ونشوء مشكلة اللاجئين، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية(يوم الأحد- 11/5/2008) بياناً بمناسبة ذكرى ما يسمى “استقلال إسرائيل”(اغتصاب فلسطين- الباحث)، اعتبرت فيه أن النكبة الفلسطينية “مأساة من صنع ذاتي”، ونافية أن يكون قد جرى ارتكاب “تطهير عرقي” في فلسطين. وهنا مقاطع من البيان، بصورة حرفية، لمعرفة نمط التفكير الصهيوني في هذا المنحى، مع الانتباه والتحفظ إزاء الأضاليل والتشويهات الواردة فيه، بالنص؛ “إن هناك محاولات لنزع صبغة الشرعية عن قيام دولة إسرائيل من خلال الطعن في ملابسات إقامتها وتشويه تاريخ النزاع. وتحمّل هذه المحاولات إسرائيل وحدها المسؤولية عن معاناة الفلسطينيين، وتتجاهل عقوداً شهدت أعمال عنف وإرهاب عربية أودت بحياة العديد من الإسرائيليين الأبرياء، وتُعفي الفلسطينيين تماماً من أي مسؤولية عن مصيرهم”. ويتابع البيان: “إنه لمن المؤسف ألا تتلاشى المحاولات لنزع صبغة الشرعية عن إسرائيل بعد مرور 60 عاماً على تأسيسها. ومن المفارقة أن يتمّ التشكيك فيّ الحق الأساسي في الوجود لإحدى الدول القليلة في العالم، التي تمّت المصادقة على إقامتها بقرار من الأمم المتحدة”. وحسب البيان؛ “إن إقامة الدولة اليهودية على أرض إسرائيل ليست بحادث عرضي في التاريخ. لقد عاش اليهود في إسرائيل باستمرار خلال أربعة آلاف عام، وكانت إسرائيل مكاناً لم يغادره اليهود قط طوعاً، ومكاناً أدى اليهود صلواتهم خلال ألفي سنة من أجل العودة إليه. إن إعادة السيادة اليهودية إلى هذه القطعة الصغيرة من الأرض لم تكن أمراً غير عادل وإنما تنطوي على رفع ظلم تاريخي. ورغم ذلك إن الفلسطينيين يَعتبِرون إقامة دولة إسرائيل النكبة، المأساة. وفي الوقت الذي يُمكِن فيه التضامن مع شعور الفلسطينيين بأن مأساة رهيبة قد حلّت بهم، يجب ألا نَعرض صورة أحادية الجانب للأوضاع. وما هو الأهم أن العديد من الادعاءات لم تَعترِف بأن هذه المأساة هي مأساة من صنع ذاتي أولاً، وهي مأساة كان بالإمكان تجنّبها بسهولة.  وعلى سبيل المثال، كثيراً ما تمّ تحميل إسرائيل المسؤولية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين. ويتجاهل هذا الموقف الحقائق التاريخية والمناورات السياسية للقضية عقِب تأسيس دولة إسرائيل”. ويرى البيان أن “قضية اللاجئين تعود إلى عام 1947حيث رفضت القيادة العربية قرار الأمم المتحدة رقم 181 الذي دعا إلى إقامة دولتين إحداهما عربية والثانية يهودية في مناطق الانتداب البريطاني. ولو كان العرب يهتمّون بشكل أكبر في إقامة دولة لهم، بدلاً من توجيه الاهتمام في القضاء على الدولة اليهودية الناشئة، لكانت للفلسطينيين دولة ولم يكن هناك ولو لاجئ واحد. فضلاً عن ذلك، لو لم يبدأ الفلسطينيون بالتصدي لقرار الأمم المتحدة عام 1947، وعقب ذلك غزو جيوش عربية عام 1948، لما أصبح الفلسطينيون قطّ لاجئين. إذ أن الكثير من الفلسطينيين اختاروا مغادرة البلاد خلال الحرب. وكان ذلك خياراً بالنسبة للفلسطينيين. فمعظمهم غادروا بعد أن دعتهم القيادة العربية إلى إخلاء الطريق أمام الجيوش الغازية. وغادر آخرون خشية على حياتهم وتجنباً لإلقاء الإسرائيليين القبض عليهم خلال القتال، رغم أن هذا الأمر كان مألوفاً خلال حروب ذلك العصر”. ويزعم البيان “أن هناك نقطة واحدة واضحة تماماً هي أنه لم يكن هناك قطّ تطهير عرقي للفلسطينيين،  بل لم تحصل في هذه الفترة إلا عملية تطهير عرقي واحدة، وهي عملية طرد اليهود من جميع مدن آبائهم القديمة والتجمعات السكنية الحديثة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وأولئك الذين لم يُطرَدوا ذُبحوا”(…) (15).

  • تعامُل الصحافة الإسرائيلية مع النكبة يتماهى مع الموقف الرسمي

في كل السرديات الصهيونية حول إنشاء إسرائيل، ظلت الدعاوى والأراجيف ذاتها تتكرر بصورة مستنسخة عن الموقف الرسمي، ولم تخرج وسائل الدعاية الإسرائيلية عن هذا الإطار على الدوام. ومن العيّنات الهامة في هذا الصدد؛ نتائج بحث بعنوان “نكبة فلسطين في أوساط الجمهور الإسرائيلي: أنماط الإنكار والمسؤولية” للبروفيسور أمل جمّال والباحثة سماح بصّول، أجراه مركز “إعلام”(2014)، ومقره مدينة الناصرة في فلسطين المحتلة. فقد أظهرت هذه النتائج أن تعامل الإعلام الإسرائيلي مع النكبة يتراوح بين إنكارها وإنكار المسؤولية عن حدوثها والنظر إليها كتهديد مستمر يهدف لنزع الشرعية عن إسرائيل. كما بينت أن ازدياد الحراك الفلسطيني لإحياء النكبة يفرضها على الأجندة الإسرائيلية. ويذكر ملخص البحث أنه تم رصد وتحليل المقالات والأخبار التي تطرقت للنكبة ونشرت في الإعلام العبري خلال سنوات 2008 حتى 2012، ووصل عددها إلى 318 مقالاً وخبراً نشرت في خمس صحف، هي؛ هآرتس، يديعوت أحرونوت، معريف، يسرائيل هيوم، هموديع.

وأظهرت النتائج التحليلية لمضامين الأخبار والمقالات المنشورة، أن هناك خمسة أشكال لكيفية تعامل الجمهور الإسرائيلي مع موضوع النكبة، هي:

– إنكار النكبة والتعامل معها كاختراع لدعم الدعاية الفلسطينية وتزوير التاريخ.

– إنكار المسؤولية لحدوث النكبة وليس إنكار حدوثها.

– النكبة هي حدث تراجيدي مستمر حتى يومنا هذا.

– النكبة هي تهديد مستمر يهدف لنزع الشرعية عن إسرائيل.

– النكبة هي ذاكرة جمعية يجب احترامها.

وبرز من النتائج أن هناك تبايناً واضحاً ما بين إنكار النكبة وإنكار المسؤولية لحدوثها، لكن الكمّ الأكبر من الأخبار يرى في النكبة تهديداً مستمراً يهدف لنزع الشرعية عن إسرائيل، وهذا ليس بالأمر المفاجئ في ظل تعاظم التعامل السلبي من قبل المؤسسة الإسرائيلية مع موضوع النكبة المتمثل بسلسلة من القوانين، وعلى رأسها “قانون أساس– الميزانيات”، الذي ينص على معاقبة المؤسسات والجمعيات التي تعتبر “يوم استقلال إسرائيل” كيوم حداد أو حزن. أما إسقاطات إنكار النكبة أو إنكار المسؤولية لحدوثها فتتمثل بمحاولات محاربة الذاكرة الجماعية والرواية الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من حملات إعلامية تبرزها كأكذوبة، إلى جانب محاولات طمس ما تبقى من معالم القرى الفلسطينية المهدمّة.

ويتضح من البحث أن هناك ستة دوافع أساسية لإنكار النكبة تتلخص بما يلي:

– أيديولوجية، تعكس التخوف من زعزعة الفكر الصهيوني.

– قيمية، تتعلق بإنكار إسرائيل المسؤولية الأخلاقية لحدوث النكبة.

– نفسية، تتعلق بالحفاظ على كون اليهود ضحية.

– إستراتيجية، تتعلق بتملص إسرائيل من المسؤولية في قضية اللاجئين الفلسطينيين وكونهم مركب أساسي لحل النزاع.

– قانونية، تكمن في الخوف من محاسبة ومقاضاة الإسرائيليين المسؤولين عن حدوث النكبة وفتح النقاش في الحق على الأرض وأملاك اللاجئين.

– دبلوماسية، تتعلق بوضع إسرائيل في موقف دفاعي يعزز الموقف الفلسطيني.

إلى جانب تعاظم إنكار النكبة البارز جلياً في الإعلام الإسرائيلي، يجد الباحثان جمّال وبصّول أن هناك كمّاً كبيراً من المقالات والأخبار التي تتطرق للنكبة كحدث تراجيدي ومأساة شعب، لكن هذه التعددية في الآراء ما هي إلا محاولة لتصوير الخطاب الإعلامي والجماهيري الإسرائيلي بأنه موضوعي، بينما هي في حقيقة الأمر محاولة لتبييض صفحة الإنكار الممنهج والممؤسس(16).

  • حقائق وعناوين تؤكد المخطط الصهيوني المسبق لتهجير العرب:

مقابل التنصل الصهيوني من المسؤولية عن النكبة الفلسطينية، ظهرت حقائق دامغة، وضمناً وثائق نشرت لاحقاً وأكدت هذه المسؤولية. ويمكن تتبع المسألة عبر ما ورد في المصادر الصهيونية، وسواها، من سلسلة طويلة للخطط والتصورات والأفكار الخاصة بترحيل العرب من فلسطين، منذ ما قبل قيام إسرائيل(1948).

فقد كانت فكرة طرد العرب من فلسطين تسيطر على أذهان زعماء الصهيونية الأوائل، فمثلاً؛  لدى قيام مؤسس الصهيونية السياسية تيودور هرتزل(1860-1904) بوضع خطته لإقامة دولة لليهود في فلسطين، تحدث عن “اليودنستات Der Judenstaat (بالترجمة العبرية؛ مديناه هيهوديم= دولة اليهود)(17)، أي دولة يتألف جميع سكانها من اليهود، وليس عن الدولة اليهودية، التي تعني أنها ستكون دولة تتصف وتتميز بالقانون اليهودي وتحكمها المعايير اليهودية في شتى الميادين. وعليه، إن فكرة “دولة اليهود” هي بحد ذاتها فكرة استيطان إحلالي، يقوم على تحريك ديمغرافي باتجاهين؛ مستوطنون طاردون، ومواطنون مطرودون، أي تفريغ وإعادة ملء. هذا هو محور الدولة التي كرس هرتزل السنوات العشر الأخيرة من حياته لإنشائها. أما كيف؟ فنجد لدى هرتزل تصوراً واضحاً، إذ كتب في يومياته(12/6/1895) : “عندما نحتل البلاد، سنعمل سريعاً على إفادة الدولة التي تستقبلنا، ويجب أن نستخلص ملكية الأرض التي ستعطى لنا، وسنحاول تشجيع السكان على النزوح إلى البلاد المجاورة(18).

وكان هدف الصهيونية – كما صرح بذلك الزعيم الصهيوني حاييم وايزمن – يقضي بما أسماه “جعل فلسطين يهودية مثلما أن إنكلترا إنكليزية”.. وهذا يعني أنه لا بد من إجلاء كل العرب الذين كانوا يشكلون نحو تسعين بالمائة من سكان فلسطين، أو إجلاء معظمهم، ليتسنى تحقيق هدف الصهيونية(19). وقد تحدث وايزمن عن ترحيل الفلسطينيين إلى شرقي الأردن والعراق.

وطيلة سنوات حياته السياسية ظل دافيد بن غوريون(1886-1973) يعمل لإنجاز هدف طرد العرب من فلسطين، وكان عمله هذا ظاهراً منذ إسهامه في تأسيس الهستدروت(اتحاد العمال) حيث أصبح أول سكرتير له(1920)، وإسهامه في تأسيس عصابات “الهاغاناه”(1930)، وتسلمه منصب رئيس اللجنة التنفيذية في الوكالة اليهودية (منذ 1935 حتى قيام إسرائيل عام 1948)، وصار أول رئيس حكومة لها. وفي مواقفه وتصريحاته نلمس لدى بن غوريون حضوراً كبيراً لفكرة طرد العرب من فلسطين بالقوة. فبعد أشهر من صدور تقرير “لجنة بيل” التي اقترحت تقسيم البلاد إلى دولتين – عربية ويهودية – كتب بن غوريون إلى ابنه عاموس(5/10/1937): “إن دولة يهودية محدودة لن تكون هي النهاية.. سنستعين بملايين اليهود في المهجر.. علينا أن نطرد العرب وأن نحتل مكانهم، وحين نضطر إلى استخدام القوة فإن هذه القوة هي بحوزتنا.. وبعد إنشاء دولتنا سيكون جيشنا من أقوى الجيوش في العالم، وسوف نستخدمه لإرغام الفلسطينيين على الرحيل”(20).

ومن الحالات العديدة التي ظهرت في هذا الصدد، تباعاً، منذ أواسط القرن التاسع عشر، ما يلي: (21)

ـ الحاخامان البارزان الكلعي وكاليشر: دعوات إقامة الدولة اليهودية الخالصة.

ـ روتشيلد(الممول الكبير) : ترحيل السكان الفلسطينيين إلى العراق.

ـ نورداو(كاتب وطبيب) : عدم الاكتراث بوجود العرب والإصرار على ارتكاب الظلم.

ـ زنجويل(زعيم تيار الصهيونية العملية): طرد العرب بحد السيف.

ـ بوكميل (خبير قانوني) : النقل إلى سورية والعراق.

ـ موتسكين(عضو الإدارة الصهيونية): توطين العرب في الدول المجاورة.

ـ سيركين(من زعماء التيار الاشتراكي الصهيوني): إخلاء العرب وترك البلاد لليهود.

ـ روبين(رئيس شركة تطوير فلسطين): ترحيل الفلاحين إلى شمالي سورية.

ـ أهرونسون(مهندس زراعي ورئيس شبكة تجسس لاحقاً) : المزج بين الإكراه والإقناع.

ـ أوسيشكين(زعيم أحباء صهيون في روسيا): الهدف الصهيوني ( أنبل ) من وجود العرب في البلاد إلى الخارج واليهود إلى فلسطين.

ـ جابوتنسكي(زعيم الجناح الصهيوني التعديلي): جدار حديدي لفرض الأكثرية اليهودية.

ـ سوسكين(خبير زراعي هاجر  من روسيا): الترحيل ضرورة لقيام الدولة اليهودية.

ـ أتينجر(مهندس زراعي هاجر من روسيا): يجب شراء الأراضي في شمالي سورية والعراق ونقل العرب إليها.

ـ يوسف فايتس(رئيس دائرة النباتات في الصندوق القومي اليهودي): تهجير العرب جميعهم هو الحل.

ـ إدوارد نورمان (مليونير يهودي أميركي): العراق هي المكان الأفضل للمهجرين من فلسطين.

ـ المطالب الصهيونية بترحيل العرب المقدمة إلى “لجنة بيل”(1937).

ـ مؤتمر عمال صهيون ( زوريخ 1937): الترحيل هو الموضوع الرئيس للمؤتمر، وإجماع على تنفيذ الفكرة.

ـ المؤتمر الصهيوني العشرون (زوريخ 1937): طرحت فيه عملية الترحيل بقوة، والإصرار على تحويل فلسطين بكاملها دولة يهودية خالصة.

ـ اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية (1938) تناقش سبل تنفيذ الترحيل. وتم تشكيل “لجنة ترحيل السكان” برئاسة موشي شرتوك(لاحقاً شاريت) (رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية) وبدأت تخطط وتنشط لتنفيذ عملية الترحيل.

ـ مؤتمر الصهيونيين الأمريكيين (بلتيمور 1942) رفض فكرة الدولة ثنائية القومية، وتحويل البلاد إلى دولة يهودية.

.. تضاف إلى هذه القائمة، عشرات الوثائق الصهيونية والغربية التي تحدثت عن تهجير العرب من فلسطين(22)، والتي وتؤكد قِِدَم مخطط هذا التهجير، وتعدُّ تعبيراً عن التوجهات الأيديولوجية والسياسية العامة للحركة الصهيونية، وعن الكذب المتعّمد بشأن “خروج” العرب من البلاد.

.. يشار هنا إلى أنه نشرت دراسات لباحثين مُنصفين كبار بيّنت تفاصيل هذا الكذب في الرواية الصهيونية، ومنها الأدلة القاطعة التي أوردها الباحث البريطاني أرسكين تشيلدرز، الذي أكد أنه لا أساس للزعم الصهيوني حول دور العرب وإذاعاتهم في خروج الفلسطينيين، وذلك بعد سماعه جميع برامج الإذاعات العربية في تلك الفترة(حيث قامت محطة BBC ووكالة الأنباء المركزية الأمريكية الخاصة بتسجيل ما أذيع باللغات العربية والعبرية والانكليزية من فلسطين والبلاد المجاورة في عامي 1947 و 1948، وقد سُجلت هذه الإذاعات يومياً في قبرص). وخلافاً للادعاءات الصهيونية، ثبت لتشيلدرز من تلك التسجيلات أنه لم توجه أي إذاعة عربية دعوات لخروج الفلسطينيين من البلاد، بل بالعكس، “كانت محطات الإذاعة العربية في بث النداءات إلى عرب فلسطين لمناشدتهم البقاء في منازلهم وألا يتملكهم الرعب ويصغوا إلى مروجي الإشاعات”(23).

  • تيار “المؤرخين الجدد” .. اعترافات جزئية

مقابل الرواية الصهيونية الرسمية عن حرب 1948، بدأت في النطاق الإسرائيلي عملية مراجعة لهذه الرواية بعد حرب حزيران 1967. وكان للثقة الزائدة بالنفس شأن في تشجيع بعض المؤرخين على نقد المقولات الصهيونية المتداولة. وكانت البداية مع غرشون شافير الذي كشف عن الإجراءات العنصرية التي اتخذها دافيد بن غوريون لطرد الفلسطينيين من ديارهم(24).

وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي، أخذ ينشط في فلسطين المحتلة وخارجها تيار بحثي يراجع أحداث عام 1948 وسياقها ونتائجها، هو تيار “المؤرخين الجدد” الذين يعيدون النظر في النصوص والوثائق التي وردت في كتب “الهاغاناه” والبالماخ وقسم التاريخ في الأركان العامة للجيش الإسرائيلي. حيث رفعت إسرائيل السرية عن مجموعة من الوثائق المصنفة المتعلقة بحرب 1948، بموجب “قانون الأرشيف”، بعد مرور 40 عاماً عليها، مما أتاح للباحثين إمكانية الاطلاع عليها ومقاطعة معلوماتها مع ما كان متداولاً، وتمحيص الرواية الإسرائيلية التي سادت حتى ذلك الحين. وذلك بالتساير مع نشوء تيار “ما بعد الصهيونية”، الذي دعا لإعادة فحص المصطلحات الأساسية للمجتمع الإسرائيلي.

اشتهر في هذا الميدان البروفيسور بيني موريس(المولود في عام 1948 لأبوين هاجرا إلى فلسطين قبل ذلك بسنة)، الذي اطلع على وثائق لم تكن معروفة تتعلق بطرد الفلسطينيين من فلسطين.. وظهرت في هذا السياق مساهمات بحثية لعدد كبير من الأكاديميين والباحثين والكتاب، أبرزهم؛  سيمحا فلابان – إسرائيل شاحاك – أوري ميلشتاين – أمنون راز – إيال نافية – توم سيجف – آفي شلايم – إيلان بابيه – أنيتا شابيرو – باروخ كيمرلنغ – شبتاي طيفت – يوسي أميتاي – زئيف شطرنهيل، وآخرون.

 كان هؤلاء يهدفون إلى مراجعة قراءة تاريخ إسرائيل، تفكيكياً، وبنائه مجدداً على قواعد أكثر صلابة. وقد استفادت حركة المراجعة هذه من النتائج التي توصل إليها علم الآثار الإسرائيلي والآثاريون الإسرائيليون في الجامعات، والتي تهدم التاريخ التوراتي كله، مما أسهم في ارتداد بعضهم على الصهيونية، أمثال؛ إيلان بابيه، وباروخ كيمرلنغ، وإسرائيل شاحاك. فيما “عاد” بيني موريس إلى صهيونيته إثر انتفاضة الأقصى عام 2000، فبعد أن حمّل إسرائيل المسؤولية عن طرد الفلسطينيين، تراجع إلى القول إن طرد الفلسطينيين كان عملاً أخلاقياً خاطئاً، وكان من الضروري القيام به، وإلا لما قامت دولة إسرائيل.

لقد قام “المؤرخون الحدد” بالتدقيق في ادعاءات الصهيونية وبيان الأسباب التي أدت إلى هجرة الفلسطينيين. ومع أن هذه الإسهامات ظلت دون الحد الأدنى للموضوعية، إلا أنها قدمت مؤشرات على التخرصات الصهيونية بشأن ماجرى. ولأسباب مفهومة، تعرض هؤلاء المؤرخون إلى حملات صهيونية مناهضة لهم ولطروحاتهم.

وحسب البروفيسور أمل جمّال(مدرس العلوم السياسة في جامعة تل أبيب رئيس مركز “إعلام – المركز العربي للحريات الإعلامية والتنمية والبحوث”- الناصرة- فلسطين المحتلة)، لم تكن المؤسسة الإسرائيلية الرسمية راضية عن عمل هؤلاء المؤرخين، بل عملت ضدهم ودخلت في مواجهة معهم بدعم من قبل بعض المؤرخين المحافظين المؤسساتيين الذين أكدوا على مقولاتهم السابقة في مواجهة “المؤرخين الجدد”، وشاركهم في ذلك الإعلام الإسرائيلي الذي عتمّ على هؤلاء المؤرخين وروايتهم للنكبة، كما رفضت المؤسسة التربوية إدراج المعلومات الجديدة ضمن مناهج التدريس رغم محاولة بعض الشخصيات إدخال هذه المعلومات التي تعترف بالنكبة وأحداثها لكنهم منعوا من قبل وزارة التعليم، وبالتالي بقيت عملية التنشئة والتثقيف محافظة وتستعمل المعلومات المألوفة التي توفرها المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، وبالتالي كانت هناك عملية صد للمعلومات التي وفرها المؤرخون الجدد ومواجهتها بمعلومات بديلة تقلل من شأنها وتمنع تأثيرها، والادعاء أنها غير صحيحة وليست دقيقة ومعلومات روائية وقصصية أكثر منها معلومات بحثية، كما كانت هناك مهاجمة للمنهج الدراسي الذي استعمله “المؤرخون الجدد”(25).

نرجئ في هذا المقام مناقشة الدوافع الحقيقية الكامنة خلف أعمال “المؤرخين الجدد”، لنتوقف عند بعض المضامين التي حملتها هذه الأعمال، والتي تتعلق بموضوع سقوط الإنكار الصهيوني للمسؤولية عن النكبة الفلسطينية.

ـ بني موريس(Benny Morris): أسباب الخروج الفلسطيني

من أبرز العينات التي نشرها “المؤرخون الجدد” حول مشكلة اللاجئين، دراسة للأكاديمي الإسرائيلي بني موريس(في مجلة دراسات شرق أوسطية، مطلع عام 1986)، اعتمد فيها وثيقة أعدها فرع الاستخبارات في وزارة الدفاع بتكليف من بن غوريون(رئيس الحكومة وزير الدفاع) أو إيغال يادين(رئيس الأركان)، عن الفترة من 1/12/1947 إلى 1/6/1948 كانت العوامل التي أوردتها الوثيقة لـ “رحيل العرب”، هي: (26)

ـ العمليات العسكرية للهاغاناه على القرى والمدن العربية (مباشرة أو على مواقع مجاورة) أسهمت بنحو 55 % من النزوح.

ـ العمليات العسكرية للقوات اليهودية المنشقة (أرغون وليحي)،  يقدر تأثيرها بنحو 15%.

ـ اعتبارات محلية وخوف من المستقبل : (20% )

ـ الأوامر من المؤسسات العربية وغير الرسمية : 2%

ـ حملات الهمس اليهودية ( الحرب النفسية ) :    2%

ـ أوامر مباشرة بالرحيل من قبل القوات الإسرائيلية : 2%

ـ الخوف من انتقام اليهود بعد هجوم العرب على مواقع يهودية : 1% 

ـ ظهور قوات عربية غير نظامية من خارج القرى العربية : 1%

ـ الخوف من هجوم الجيوش العربية النظامية :    1%

ـ القرى العربية المعزولة وسط منطقة يهودية : 1%

  .. فضلاً عن الإشكالية المتعلقة بهذه النسب، وبالطرق المُغرضة لاحتسابها، يوحي التطويل الصهيوني لقائمة “أسباب الخروج الفلسطيني” بوجود رغبة مضمَرة للتقليل من أثر الأعمال الإرهابية الصهيونية التي كانت تتم بموجب خطط وتصورات مسبقة وبأوامر رسمية من المسؤولين للصهاينة في النطاقين الحكومي والعسكري، وهي رغبة مرتبطة بالتنصل من المسؤولية الصهيونية عن تهجير العرب من فلسطين، واعتبار الأمر مجرد نتيجة لحربٍ بين طرفين لا علاقة مباشرة لإسرائيل بها(27).

وفي عام 1988 نشر بني موريس كتابه “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين”(28)، الذي ذاع صيته في الأوساط البحثية والإعلامية والسياسية، والذي تحدث فيه بالتفصيل عن مجريات حرب 1948 والمواقف السياسية والميدانية المجازر وعمليات تهجير الفلسطينيين. وظل يتطرق إلى هذه الموضوعات في أبحاثه، بالمنهجية ذاتها.

وعشية صدور طبعة إنجليزية جديدة (منقحة) من كتابه المذكور(29)، أجرى الصحفي الإسرائيلي الشهير آري شافيت مقابلة مطولة مع بني موريس(أوائل 2004) أكد فيها أنه حصل على وثائق إضافية تثبت وقوع مجازر إسرائيلية عام 1948 أكثر مما ظن في الماضي، وأنه لم تجر معاقبة أي شخص على أعمال القتل هذه، وأن بن غوريون أسكت الموضوع، وغطى على الضباط الذين ارتكبوا المجازر. ومما جاء في هذه المقابلة(مع الاعتذار عن طول الاقتباس – الكاتب): (30)

س ـ ما تقوله لي هنا أنه كانت هناك أوامر بالطرد عموماً وصراحة في “عملية حيرام”؟

ج ـ نعم. أحد الاكتشافات هو أنه في 31 تشرين الأول 1948 أصدر قائد الجبهة الشمالية موشيه كرميل أمراً مكتوباً لوحداته بتسريع طرد السكان العرب. وقام كرميل بذلك فوراً بعد زيارة بن غوريون لقيادة الجبهة الشمالية في الناصرة. ولا ريب عندي في أن الأمر صدر عن بن غوريون. بالضبط مثلما أن أمر طرد السكان من مدينة اللد، والذي يحمل توقيع يتسحاق رابين، صدر فوراً بعد زيارة بن غوريون لهيئة أركان “عملية داني”.

س ـ هل ما تقوله هو أن بن غوريون كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سياسة مقصودة ومنهجية للطرد الجماعي؟

ج ـ من نيسان 1948 وبن غوريون يحثّ على الترانسفير.. وتحت قيادة بن غوريون نشأ إجماع حول الترانسفير.

س ـ هل كان بن غوريون من دعاة الترانسفير؟

ج ـ بالتأكيد.. كان بن غوريون من دعاة الترانسفير. لقد فهم أنه لن تقوم دولة يهودية إذا كانت بداخلها أقلية عربية كبيرة ومعادية. ليست هناك دولة كهذه. لا يمكنها أن تبقى.

.. بعد هذه الإجابات، سنلمس تحولاً واضحاً عن بني موريس، حيث لم يكتف بتبرير طرد العرب، بل راح يلوم الصهيونية بأنها لم تدفع بالترانسفير الجماعي ليطال كل فلسطيني على أرض الدولة الإسرائيلية، وأكثر من هذا اعتبر العرب والمسلمين برابرة القرن الحادي والعشرين، وأن طردهم الفلسطينيين من البلاد في المستقبل هو ضرورة.. وبقدر ما يتعلق الأمر بموضوع هذه الدراسة، نتابع الحوار:

س ـ أنا لا أسمعك تدين ذلك.

ج ـ لقد كان بن غوريون على حق، ولو لم يفعل ما فعله لما قامت الدولة. ينبغي أن تكون هذه المسألة واضحة. ويستحيل التهرب منها. فمن دون اقتلاع الفلسطينيين لم تكن لتقوم هنا دولة يهودية.

س ـ كنت، يا بني موريس، طوال عشرين سنة تبحث في الجانب المظلم من الصهيونية. وأنت خبير في فظائع عام 1948. فهل تبرر في نهاية المطاف كل ذلك؟ هل تؤيد الترانسفير عام 1948؟

ج ـ في ظروف معينة إن الطرد لا يشكل جريمة حرب. وأنا لا أعتقد أن عمليات الطرد عام 48 كانت جرائم حرب. إذ ليس بوسعك أن تقلي عجة دون أن تكسر البيض. يجب عليك أن توسخ يديك.

س ـ ولكن الأمر يتعلق بقتل الآلاف من الناس. وتدمير مجتمع كامل؟

ج ـ مجتمع ينهض لقتلك يجبرك على تدميره. عندما يكون الخيار هو بين أن تدمر عدوك أو يدمرك فمن الأفضل أن تدمره.

س ـ إذن، عندما يقف هناك قادة عملية داني وينظرون إلى الرتل الطويل والفظيع لخمسين ألف مطرود من اللد يسيرون إلى الشرق، أنت تقف معهم؟ أنت تبرر أفعالهم؟

ج ـ إنني بالتأكيد أفهمهم، أفهم دوافعهم. ولا أعتقد أنهم أحسوا بوخز الضمير، ولو كنت مكانهم لما شعرت بوخز الضمير. فمن دون هذا العمل لم يكونوا لينتصروا في الحرب ولم تكن الدولة لتقوم.

س ـ أنت لا تستنكر فعلهم من الناحية الأخلاقية؟

ج ـ لا.

س ـ لقد قاموا بعملية تطهير عرقي.

ج ـ هناك ظروف في التاريخ تنطوي على تبرير للتطهير العرقي. وأنا أعلم أن هذا المفهوم مطلق السلبية في الحوار في القرن الحادي والعشرين، ولكن حيث الخيار بين التطهير العرقي وبين إبادة شعب، إبادة شعبك، فأنا أفضل التطهير العرقي.

س ـ وهذا كان الوضع في عام 1948؟

ـ كان هذا هو الوضع. هذا ما واجه الصهيونية. لم تكن الدولة اليهودية لتقوم من دون اقتلاع السبعمائة ألف فلسطيني هؤلاء. لذلك كانت هناك ضرورة لاقتلاعهم. لم يكن هناك مناص من طرد هؤلاء السكان. كانت هناك ضرورة لتطهير الجبهة الخلفية، وتنظيف مناطق الحدود وتنظيف المحاور الرئيسية. كانت هناك ضرورة لتنظيف القرى التي كانت النيران تطلق منها على قوافلنا ومستوطناتنا.

س ـ ومن ناحية أخلاقية هل تسلّم بهذا العمل؟

ج ـ نعم.. حتى الديمقراطية الأمريكية الكبرى لم يكن بوسعها أن تتحقق دون إبادة الهنود الحمر. هناك حالات يبرر فيها الخير الشامل، النهائي أعمالاً صعبة ووحشية تجري في المسار التاريخي.

س ـ أنت تقول أن بن غوريون أخطأ عندما طرد عرباً أقل من اللازم؟

ج ـ .. كان من المفروض أن يكمل العمل. وأنا أعلم أن هذه أقوال تصدم العرب والليبراليين ورجال الاستقامة السياسية. ولكن إحساسي هو أن هذا المكان كان سيكون أهدأ وأقل معاناة لو حسمت هذه القضية. ولو أن بن غوريون عمد إلى إجراء عملية طرد كبيرة ونظف الأرض كلها، كل أرض إسرائيل، حتى نهر الأردن. ومن الجائز أنه لاحقاً تبين أن هذا كان خطأه القاتل. لو أنه قام بعملية طرد كاملة لا جزئية لكان جلب الاستقرار لدولة إسرائيل لأجيال عديدة.

.. المهم في هذا الجزء من الحوار أنه يتضمن تأكيد ارتباط قيام الكيان الصهيوني في فلسطين بعمليات متعمدة لترحيل العرب من البلاد، خلافاً للمزاعم الصهيونية حول خروجهم الطوعي. ونلاحظ في السلسلة الطويلة من المؤلفات والدراسات اللاحقة التي نشرها بني موريس أنه صار يسلك طرقاً متعرجة للتغطية على هذه الحقيقة(31).

 

ـ إيلان بابيه Ilan Pappé) ): التطهير العرقي في فلسطين

دأب الأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابيه المنتمي إلى تيار “المؤرخين الجدد” على تفنيد الرواية الصهيونية المتعلقة بالموقف من الفلسطينيين، وخاصة تهجيرهم من البلاد عام 1948. وارتباطاً بعمله هذا راح يشعر بفقدان المشترك بينه وبين أغلبية ساحقة في المجتمع الصهيوني. وفي سنة 2007 غادر بابيه فلسطين المحتلة احتجاجاً على هذه الخلفية، متحرراً من الضغوط والمضايقات التي تعرض لها على المستويين الرسمي والعام، وخاصة بعد أن دعاه رئيس جامعة حيفا للاستقالة، حتى لا يتم طرده منها، بسبب توجهاته المتعارضة مع الأسس التي تقوم عليها الدولة، والتي كان يطرحها كأستاذ في التاريخ والعلوم السياسية بالجامعة، وانضم بابيه إلى قسم التاريخ في جامعة اكستير (بريطانيا)(32).

أصدر بابيه سلسلة أبحاث حول تاريخ البلاد والصراع، أكد فيها بالوثائق وبمنهجية البحث العلمي مسؤولية الصهيونية وكيانها العنصري في فلسطين عن نكبة الفلسطينيين، ومما أورده في هذا الصدد؛

ـ في كتابه “صناعة الصراع العربي– الإسرائيلي” (نيويورك1992)(33)، أكد بابيه أن العرب طُردوا من فلسطين، ولم يخرجوا بمحض إرادتهم. ولخّص حرب 1948 بثلاث كلمات عبرية استعملتها القوات الصهيونية ككلمات رمزية للطرد هي؛ “طمب”(اختصار: طيهور= تطهير، مطاطي= مكانس، بيعور= التخلص من الخبز المختمر قبل حلول عيد الفصح الذي يستخدم فيه الخبز الفطير).

ـ في كتابه “تاريخ فلسطين الحديثة.. أرض واحدة وشعبان”(دار نشر كامبريدج الجامعية عام 2004)(34)

يتحدث بابيه عن قرى فلسطينية أبيد سكانها بمجازر وحشية، ومُسحت معالمها على الأرض (ص 131). وعن قرى أخرى حاصرتها قوات “الهاغاناه” من ثلاث جهات، ثم روّعتها من أجل أن تدفع سكانها إلى الهروب من الجهة الرابعة المفتوحة (ص 137).

ـ في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين”(أوكسفورد 2007)(35)، يدحض بابيه الرواية الصهيونية حول المغادرة الطوعية للعرب من البلاد أو الدعوات العربية لهذه المغادرة، ويثبت عبر سرد الوقائع الحقيقية للأعمال الإجرامية للعصابات الصهيونية، واستخدام الوثائق والمراسلات الداخلية المحفوظة في الأراشيف الصهيونية المتعددة، قيام الزعامة الصهيونية باعتماد خطة مفصلة بالتواريخ والوسائل لكيفية طرد السكان العرب من البلاد.. وتقدم العناوين الفرعية البارزة في الكتاب فكرة عن ذلك؛ استحضار واقع التطهير العرقي- نحو دولة يهودية حصراً- التحضيرات العسكرية- دافيد بن غوريون: المهندس- التقسيم والتدمير- رد الفعل اليهودي – بلورة الخطة الرئيسية – الخطة د – مخطط التطهير العرقي – عملية نحشون – أول عملية في الخطة د – دير ياسين  – تدمير المدن الفلسطينية- إنكار النكبة وعملية السلام..

ـ في مقال بعنوان “التطهير العرقي بوسائل أخرى”، (2014)(36)، يفضّل إيلان بابيه أن يطلق على “النكبة” مصطلح “التطهير العرقي”، ويرى أن مصطلح “النكبة”، أصبح لأسباب مفهومة، ثابتاً معجمياً مقدساً في القاموس الوطني الفلسطيني. ومع ذلك، من الناحية المفاهيمية، يبقى هذا المصطلح إشكالياً، فالنكبة تعني الكارثة، وعادة ما يكون للكوارث ضحايا، لكنها لا يكون فيها جناة، وهو ما يفضي إلى استبعاد عناصر المساءلة والمسؤولية. وبضيف بابيه: لهذا السبب اقترحت في عام 2007 استخدام مصطلح “التطهير العرقي” لوصف كل من الأحداث التي وقعت في عام 1948، وكذلك السياسات الإسرائيلية التي تلتها منذ ذلك الحين على حد سواء. وتناسب التعريفات القانونية والأكاديمية والشعبية للتطهير العرقي مجمل التطورات التي جرت في فلسطين في عام 1948 بشكل جيد للغاية. ولا يمكن وصف التشريد المخطط والمنهجي للفلسطينيين، الذي انتهى بتدمير نصف البلدات والقرى الفلسطينية وطرد 750 ألف فلسطيني من وطنهم، سوى بأنه تطهير عرقي. ويتابع بابيه: منذ المواجهة الأولى بين قادة وأعضاء المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني من جهة، والفلسطينيين من أهل البلد الأصليين من جهة أخرى، تم اعتبار الأخيرين، في أحسن الأحوال، عقبة، وفي أسوأ الأحوال، أجانب اغتصبوا بالقوة ما يخص الشعب اليهودي. ويبين بابيه أن الرؤية كانت هي تحقيق دولة بفلسطينيين أقل، لكن التكتيكات المتعلقة بكيفية تنفيذ هذه الرؤية تغيرت مع مرور الوقت. ففي حين كانت الحركة الأيديولوجية، الصهيونية، قادرة في ظل الظروف الخاصة التي أنتجها القرار البريطاني المفاجئ بمغادرة فلسطين، على تنفيذ عملية وحشية من التطهير العرقي واسع النطاق ضد السكان الفلسطينيين المحليين، كان ينبغي أن تكون المراحل التالية أكثر تطوراً وتعقيداً. ويؤكد بابيه أن التطهير العرقي لعام 1948 لم يكتمل. ففي داخل المنطقة التي أصبحت إسرائيل، بقيت أقلية صغيرة من الفلسطينيين. وقد بقي هؤلاء إما لأنهم كانوا يعيشون في الشمال والجنوب، في المناطق التي وصلت إليها القوات اليهودية منهكة وغير قادرة على طرد السكان المحليين، أو لأنهم أصبحوا مدركين أكثر من مواطنيهم الذي طردوا في مرحلة مبكرة من العمليات، للنية الحقيقية للمحتلين؛ أو لأنهم نجوا بفضل قرار اتخذه قائد محلي بالسماح لهم بالبقاء أو تركهم لقرار لاحق بعد الحرب. وهكذا، ترك الصمود الفلسطيني والتعب الذي نال من الجيش أقلية فلسطينية داخل إسرائيل. وقد سمحت الاتفاقات السياسية للأردن بالسيطرة على الضفة الغربية، فيما مكنت الاعتبارات العسكرية مصر من الاحتفاظ بقطاع غزة.

ـ توم سيجف(Tom Segev ) : جرائم الإسرائيليين الأوائل

بين مؤلفات الكاتب الصحفي والمؤرخ الإسرائيلي توم سيجف، الألماني الأصل(37)، خصص كتاباً – نشر بالعبرية عام 1984- بعنوان “الإسرائيليون الأوائل – 1949”، قدّم فيه عرضاً تحليلاً موثقاً عن إنشاء دولة إسرائيل، يختلف في كثير من مكوناته عن الرواية الصهيونية الرسمية. فيتحدث عن حملات اقتلاع العرب وتهجيرهم عام 1948، وعن الجرائم التي اركبتها العصابات الصهيونية، وسرقة الأملاك وتقاسم الغنائم. وأكد سيجف أن بن غوريون كان يعتقد أنه سيتم رسم حدود الدولة عن طريق الحرب، وستكون هذه الحدود أوسع من تلك التي خصصتها الأمم المتحدة في قرار التقسيم. ويضيف سيجف: “لقد كان الإسرائيليون الأوائل يتحركون طوال الوقت بين قطبين؛ الأول، يتمسك بالشرعيّة ويعترف بوجود المستحيل، والآخر، عملي يقول إن كل شيء ممكن”(38).

ـ آفي شلايم(Avi Shlaim) : مسؤولية إسرائيل

بالإضافة إلى ما ورد في فقرة سابقة من هذه الدراسة، حول تناول حرب 1948 من قبل الأكاديمي المؤرخ آفي شلايم(العراقي المولد وحامل الجنسية الجنسيتين الإسرائيلية والبريطانية)(39)، ثمة اعتراف يسوقه شلايم بشأن مسؤولية إسرائيل عن تهجير العرب من فلسطين، في كتابه “”الجدار الحديدي – إسرائيل والعالم العربي”، حيث يؤكد أن إسرائيل تروّج رواية تبسيطية انتقائية وتخدم مصالحها الذاتية، وهي في جوهرها دعاية المنتصرين، فتصور المنتصرين كضحايا، وتلوم الضحايا الحقيقيين الفلسطينيين لسوء حظهم. ويؤكد شلايم أنه يشعر بذنب مضاعف تجاه الفلسطينيين، قائلاً “كبريطاني؛ أشعر بالخجل من سجل بلدي المذهل في النفاق والخيانة، وذلك عند النظر في كل مسافة الزمن للوراء وصولاً لوعد بلفور عام 1917، وكإسرائيلي؛ فأنا مثقل بالشعور العميق بالذنب الثقيل بالنظر إلى الظلم والمعاناة التي سبّبها شعبي للفلسطينيين على مدى الستين سنة الماضية”(40).

ـ دورون بار(Doron Bar) : محاور التهويد

يورد الباحث الإسرائيلي دورون بار، البروفيسور في معهد سريتشر(Schechter) للدراسات اليهودية في القدس، في كتاباته الغزيرة، معلومات مستندة إلى الأراشيف الإسرائيلية حول مسؤولية الصهيونية وإسرائيل عن الظلم الذي ألحقته بالفلسطينيين(41).

وفي واحد من أبرز مؤلفاته(بعنوان: تقديس أرض) يقدم دورون بار عرضاً موثقاً لعملية تهويد فلسطين واستملاكها وتدميرها حضارياً وبيئياً، مؤكداً مسؤولية إسرائيل هدم العديد من الأماكن المقدسة الشاهدة على عروبة هذه البلاد وعراقتها، وإتلاف العديد من الغابات والمواقع التاريخية كي تقيم متنزهات ومواقف للسيارات وغير ذلك. وأوضح بار أن المؤسسة الصهيونية بأذرعها المختلفة اعتمدت خمسة محاور رئيسية حكمت عملية تهويد المكان الفلسطيني واستملاكه؛ هي: تهويد خط سير تل أبيب- القدس ومحو المعالم العربية على جانبيه – تهويد العديد من الأماكن المقدسة الإسلامية – اختلاق العديد من النقاط المقدسة في الجنوب- تهويد مدينتي القدس والخليل- تهويد المزارات الإسلامية في الضفة الغربية وسيناء والجولان(42).

ـ ميرون بنفنيستي(Meron Benvenisti) : طمس تاريخ الأرض المقدسة

في ضوء الخبرة التي عززها الباحث ميرون بنفنيستي لدى خدمته سنوات طويلة في جهاز الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، وعمله نائباً لرئيس بلدية القدس المحتلة تيدي كوليك، قام بأول جرد علمي يسجل مظاهر الحياة فيها من سكان واقتصاد وتعليم، ثم ألف كتاباً بعنوان “المشهد المقدس: طمس تاريخ الأرض المقدسة منذ 1948″، يشكل وثيقة هامة على مسؤولية الصهيونية وإسرائيل عن معاناة الفلسطينيين وقيامهما بعملية تطهير عرقي وتدمير مبرمج للمشهد الفلسطيني، عبر العمليات العسكرية عام 1948، وانتهاكهما المتعمد لقدسية المواقع الإسلامية والمسيحية في البلاد، مبيناً أنه تم تدمير “المكان المقدس” الفلسطيني ليقام على حطامه مكان إسرائيلي. لكن في الوقت ذاته، يلجأ بنفنيستي كغيره من الباحثين الصهاينة إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية ما حل بهم(43).

ـ نوغا كادمان(Noga Kadman ): تهويد المكان الفلسطيني

في شهادة نالت عليها درجة الماجستير من جامعة سويدية، نشرت عام 2008، في كتاب بعنوان “على جوانب الطريق وهوامش الوعي”، قامت الباحثة الإسرائيلية نوغا كادمان(المولودة في فلسطين لأبوين ينحدران من أوروبا الشرقية)(44)، بجمع معلومات عما ارتكبته الصهيونية وإسرائيل بحق الفلسطينيين من جرائم قتل وتهجير قسري. وخلال عملها البحثي زارت عشرات القرى الفلسطينية المهجرة منذ عام 1948، والتقطت مجموعة كبيرة من الصور، تعكس بعض جوانب تلك الجرائم والتعديات على المكان في فلسطين، نشرت بععضها في موقع palestineremembered، مع دعوة إسرائيل للاعتراف بالاقتلاع والتشريد والقمع وانتهاكات حقوق الإنسان للفلسطينيين، وتحمّل المسؤولية في ذلك، والعمل من أجل تعويضهم عما لحق بهم. ولتعميم دعوتها هذه – لاعتبارات غير محددة – استغلت عملها السابق في منظمة “بتسيلم مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة”، وعملها الحالي في منظمة “غيشا = مسار” المركز القانوني لحرية الحركة، وغيرها.

ضمن كتابها المذكور، تتحدث كادمان عن المنهجية الإسرائيلية العدوانية المُعتَمدة منذ النكبة في تهويد المكان الفلسطيني. وتقدم شروحاً عن ملابسات احتلال وهدم القرى الفلسطينية ودواعي هدمها، كالانتقام من سكانها، لقطع الطريق أمام عودة اللاجئين الذين ترى فيهم التهديد الأكبر بالنسبة لإسرائيل، خاصة وأن “القرى المهجرة تشكل تذكيراً دائماً بهذا التهديد”. وتبين كادمان أن عملية إقصاء القرى المهجرة من هوامش الخطاب الإسرائيلي العام ترمي إلى نفي العلاقة القائمة حتى اليوم بين الفلسطينيين وقراهم الأصلية وإسكات كل محاولة لبحث قضية اللاجئين وعودتهم(45).

ـ نوعا ليفي(Noa Levy) : “التابو” والإنكار

تشير الباحثة في شؤون حقوق الإنسان وعضو اللجنة العليا لمناهضة التعذيب، حاملة الماجستير من قسم العلوم السياسية بجامعة بن غوريون في النقب، نوعا ليفي، في شرحها “معنى الحديث عن النكبة بالعبرية”، إلى أن النكبة في المجتمع الإسرائيلي تعتبر بمثابة “تابو”(يُمنع ذكرها والحديث عنها)، وتم إنكارها من قبل الحركة الصهيونية منذ وقوعها عام 1948، وذلك لكونها التهمة الكبرى ضد هذه الحركة، حيث تلغي الرواية الصهيونية أحداث التهجير والترحيل، وبهذا تمنع الحداد عليهما، لأن النكبة بالنسبة للصهيونية موازية لإقامة دولة إسرائيل، وبالتالي يجب أن يكون قيامها هو يوم فرح(46).

ـ إيلي أمينوف (Eli Aminov) : دعاية كاذبة

في شهادة حول الممارسة الصهيونية عام 1948، يؤكد الباحث في “مركز المعلومات البديلة” والناشط السياسي من قادة “حركة ماتسبين”(اليسارية)، إيلي أمينوف، أن غالبية المدن العربية احتُلت وطُهرت قبل الخامس عشر من أيار 1948، وهو اليوم الذي اندلعت فيه رسمياً “حرب الاستقلال”(اغتصاب فلسطين – الكاتب)، عقب اجتياح الجيوش العربية لفلسطين، وكان طرد معظم السكان العرب الحضريين من مدن حيفا وطبرية وصفد والأحياء العربية في جنوبي القدس وغربيها، قد تم في شهر نيسان على مرأى من سلطة الانتداب البريطاني. وبغية حث هروب السكان العرب الباقين في بيوتهم في القدس، عملت الوكالة اليهودية على بث شائعات تقول إن ممتلكات العرب الذين غادروا بيوتهم بسبب الحرب ستعاد إليهم فور انتهاء القتال(يديعوت أحرونوت 4/5/1948)، وبطبيعة الحال فقد كانت هذه دعاية كاذبة. وعقب انتهاء المعارك، تبقى في جميع المدن العربية أقل من 5% من السكان، كما أن هؤلاء كانوا في جزء منهم نازحين من قرى المنطقة. ويلاحظ أمينوف أن المدينتين الوحيدتين اللتين بقي فيهما آنذاك سكان عرب بحجم ملموس كانتا الناصرة والمجدل، في الناصرة تخوف الصهيونيون من تنفيذ تطهير عرقي بسبب أهمية المدينة للعالم المسيحي، لذلك دفعوا إليها بأعداد كبيرة من النازحين الفارين من قرى المنطقة. أما بالنسبة للمجدل فقد تسلم سكانها في 17 آب 1950 أوامر طرد، وطلب منهم بحضور جنود الجيش الإسرائيلي التوقيع على وثائق يعلنون بموجبها أنهم يغادرون بيوتهم بإراداتهم الحرة، وبحلول شهر تشرين الأول من العام ذاته تم ترحيل جميع سكان المجدل إلى قطاع غزة، لتقام على أنقاض بيوتهم مدينة أشكلون(عسقلان). ويخلص أمينوف إلى أنه ينبغي أن يكون واضحاً للجميع أنه لا يوجد في المشروع الصهيوني أي مكان في فلسطين التاريخية للشعب الفلسطيني، ولا حتى لجزء منه، وها هي عناصر الحلم الصهيوني في إزالة وإخفاء الشعب الفلسطيني عن وجه الأرض تتجسد أمام أعيننا(47).

  • مداولات صحفية :

بين عدد لا يحصى من النقاشات الإسرائيلية بشأن مسؤولية إسرائيل عن النكبة الفلسطينية، وفي صرخة غضب على السياسة الإسرائيلية، يرى جدعون ليفي الصحفي الإسرائيلي المحسوب على اليسار الإسرائيلي(48)، في مقال له بعنوان “درس وطنيات في يوم النكبة”(هآرتس 15/5/2011)، أنه لو كانت إسرائيل أكثر ثقة بعدالتها؛ ولو كانت إسرائيل ذات نظام أكثر انفتاحاً؛ لأحيوا في كل المدارس في إسرائيل، اليهودية والعربية، ذكرى يوم النكبة. ويمكن أن نقول لطلاب إسرائيل إنه قد جرى في حرب 1948، كما في كل حرب، غير قليل من المظالم وجرائم الحرب. ويمكن التحدث عن أعمال الطرد والمذابح – أجل وقعت مذابح واسألوا شيوخ 1948 – والتحدث عن المدن التي “طُهرت” والقرى التي أُخربت، وعن آلاف السكان الذين وُعدوا بالعودة خلال أيام وهو وعد لم يتحقق، وعن “المتسللين” البؤساء الذين حاولوا العودة إلى بيوتهم وأملاكهم كي يُخلصوا من هناك بقايا حياتهم وقتلهم الجيش الإسرائيلي أو طردهم. ويجب أن نعرف أنه كانت هنا 418 قرية مُحيت عن وجه الأرض، ويجب أن نذكر أن معظم أبناء البلاد هربوا أو طُردوا بغير عودة عن بيوتهم، ويجب أن نعلم أنه تحت كل حرجة (حرش) تقريباً للكيرن كييمت ليسرائيل(الصندوق القومي) تكمن خرائب حرصت إسرائيل على محوها لئلا تصبح أدلة عليها ومواقع تراث أخرى.

وتحدثت افتتاحية صحيفة “هآرتس”(19/5/2013) تحت عنوان “كفى لتزوير التاريخ”، عن أنه منذ عشرات السنين وحكومة إسرائيل تدير صراعاً عنيداً على صياغة الوعي التاريخي، وفي بؤرة المعركة على الوعي الوطني، توجد النكبة ممثلة باقتلاع مئات آلاف الفلسطينيين في حرب الاستقلال(اغتصاب فلسطين – الكاتب)، ورفض السماح بعودتهم، وإسرائيل غير مستعدة لأخذ المسؤولية عن هذه الأحداث، بل إنها توظف جهوداً هائلة، تعليمية أساساً، كي تنفي وتطمس قصصاً أو شهادات كفيلة بتأييد وجود النكبة. وبالمقابل، تبينت تفاصيل عديدة تدل على أنه توجد للطرف الإسرائيلي مسؤولية كبيرة في نشوء مشكلة اللاجئين، وبالتالي إن النكبة الفلسطينية بحاجة إلى اعتراف إسرائيلي. بدونه لا سبيل إلى فهم أصل النزاع مع العرب والوصول إلى مصالحة تاريخية.

ومما يذكر أن صحيفة “هآرتس” دأبت خلال السنوات الأخيرة بتناول هذه المسألة بالمنوالية ذاتها مركّزة على ضرورة اعتراف إسرائيل بالنكبة.. وفي المنحى ذاته تبنى كتاب وصحفيون موقفاً مماثلاً. بيد أن هذا الأمر ظل يستجر آراء متباينة، في إطارها يرى بعض المهتمين أن إسرائيل غير معنية بهذا الاعتراف، لأن النكبة “أكذوبة وقحة” حسب وصف موشي أرنس(الذي تسلم منصب وزير الدفاع ووزير العلوم في الثمانينات) (هآرتس21/5/2014)، أو لأنها حدثت بسبب رفض القيادة الفلسطينية والدول العربية قرار الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 بتقسيم البلاد إسرائيل إلى دولة يهودية ودولة عربية، ولكنها تكبدت هزيمة في الحرب التي شنتها ضد الصهيونية ودولة إسرائيل، حسبما يرى شلومو أفنيري البروفيسور في العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، ومدير عام وزارة الخارجية سابقاً(هآرتس 6/5/2014).

  • جمعية “زوخروت”.. حالة نوعية فريدة

في هذه الأجواء، لم تستطع أوساط إسرائيلية معينة، تصنف في ساحة اليسار والديمقراطية، تجاهل التداعيات التي ترتبت على قيام إسرائيل عام 1948، وتحديداً النكبة التي لحقت بفلسطين وشعبها العربي. وعلى هذه الخلفية، تم تشكيل هيئات تُعنى بتقديم رواية معدّلة للصراع ومجرياته ونتائجه، ونشر اعترافات لأشخاص شاركوا بالهجمات على التجمعات الفلسطينية وبارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين.

ضمن هذا السياق، ، تشكلت في عام 2002 النواة الأولى لجمعية جمعية “زوخروت= ذاكرات”، في حالة نوعية فريدة، على يد مجموعة من الناشطين اليهود “اليساريين”، من أبرزهم إيتان برونشتاين. وأخذت هذه الجمعية تشارك بنشاطات متعددة وتعيد ذكرى النكبة وما حل بالشعب الفلسطيني إلى ذاكرة اليهود الذين بغالبيتهم لا يعرفون شيئاً عن النكبة(49).

وأنجزت الجمعية عام 2013 “خارطة النكبة” باللغة العبرية، وأخذت توزع نسخاً منها، كما نشرت صورة عنها على موقعها الإلكتروني، لتكون أول وثيقة إسرائيلية تفضح جغرافية التطهير العرقي الذي مارسته الصهيونية وإسرائيل، حيث تحوي هذه الخارطة أسماء البلدات العربية التي دمّرت منذ ولادة الصهيونية وحتى حرب عام 1948، ثم حرب عام 1967، وذلك كما يلي(50) :

–  678 بلدة فلسطينية قامت دولة إسرائيل بتهجيرها أو تدميرها؛ 220 بلدة عاش في كل منها أقل من 100 نسمة + 428 بلدة عاش في كل منها 100-3000 نسمة + 30 مدينة عاش في كل منها أكثر من 3000 نسمة.

14  بلدة فلسطينية تم تهجير أهلها بشكل جزئي أو مؤقت عام 1948.

62 بلدة تم هدمها قبل عام النكبة.

127  بلدة سورية دمرتها إسرائيل في الجولان السوري المحتل عام 1967.

وعلى مدى السنوات التالية، التزمت منظمة “زوخروت” بمجابهة الفراغ في ذاكرة العديد من اليهود الإسرائيليين وتعمدهم تجاهل ما جرى عام 1948. فعقدت المنظمة مؤتمراً لها( في يومي 29 و30 /9/2013) تحت عنوان “من الحقيقة إلى التصحيح: تطبيق عودة اللاجئين الفلسطينيين”، في “متحف أرض إسرائيل” بقلب تل أبيب، المقام على أراضي قرية الشيخ مونّس المهجّرة في نكبة عام 1948، وتحديداً في قاعة تحمل اسم البارون روتشيلد، أحد آباء وممولي الاستعمار الصهيوني. ولم يكن اختيار المكان اعتباطيّاً، بل كان إشارة واضحة يكشفها حجم المفارقات الكبير كصدمة في مسار السعي لانتزاع اعتراف رسمي إسرائيلي بالمأساة الفلسطينية. وقد جاء في البيان الخاص بهذا المؤتمر ما يشير إلى الدور الصهيوني بالنكبة: “إن مئات آلاف الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم أو اضطروا للنزوح عنه منذ 1947 أصبحوا لاجئين نتيجة لأعمال عنف قامت بها دولة إسرائيل أو المنظمات الصهيونية قبلها، بشكل مباشر أو غير مباشر، ضد المجتمع المدني الفلسطيني. وقد اتخذت دولة إسرائيل، في 1948، قرارها الرسمي والواضح بمنع عودة اللاجئين.  وإن مؤتمر زوخروت يدل على القلق والأرق الذي يعيشه بعض الإسرائيليين نتيجة إدراكهم حقيقة اغتصاب أرض ليست لهم، كما يدل على أن جزءاً من الإسرائيليين توصلوا لقناعة بأنه لا سلام ولا هدوء ولا استقرار إلا بحل قضية اللاجئين، ويدركون أن هؤلاء اللاجئين لن يتخلوا عن حق العودة وسيورثونه للأجيال القادمة جيلاً بعد جيل”(51).

وفي خطوة مماثلة، قررت الجمعية تنظيم مؤتمر دولي في شهر آذار(2016) بعنوان “كيف نقول عودة بالعبرية؟.. وقالت المديرة العامة لجمعية “زوخروت”، ليئات روزنبرغ: “تصر الجمعية على طرح حوار النكبة وحق العودة على جدول الأعمال. كما سيقام مهرجان الأفلام 48 مليمتر، الذي سيعرض أفلام النكبة، في نادي سينماتيك حيفا، الذي رفض التعاون فقمنا باستئجاره بالمال”(يسرائيل هيوم3/2/2016).

وانسجاماً مع منهجيتها في تعرية الأضاليل الصهيونية، افتتحت جمعية “زوخروت” في تل أبيب( في 2/11/2012) معرضاً تحت عنوان: “نحو أرشيف مشترك”(استمر حتى 13/12/2012)، وضم نحو 30 شهادة مصورة لـ “”محاربين صهيونيين” في عام 1948، حول الجرائم التي ساهمت في وقوع النكبة الفلسطينية. وعمدت الجمعية إلى تخصيص جلسات في مؤتمراتها لسماع شهادات مقاتلين سابقين في العصابات الصهيونية، ومن هؤلاء أمنون نويمان، العضو السابق في “البلماخ”، الذي ينادي بتطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، مؤكداً على أن المعتقد الصهيوني الذي يدعو “إلى وراثة الأرض” يهودياً، وبالتالي تهجير كل من ليس يهودياً فيها، هو السبب في النكبة، ومشيراً إلى أن فلسطين، التي يسميها “البلاد”، لم تكن خالية يوماً أبداً مثلما علّموا ويعلمون أطفال اليهود، وأن الفلسطينيين لم يكونوا مسلحين ولا مجهزين لأي قتال عام 1948، باستثناء بعض الخلايا الصغيرة ومتواضعة القوة في حينه؛ قائلاً: إن الفلاحين الفقراء والبسطاء دمرت قراهم وهجروا دون أي ذنب(52).

كما بدأت الجمعية بتجربة نوعية، تتضمن تأليف كتيبات تعريفية باللغتين العربية والعبرية لعشرات القرى المهجرة أو المدمرة، وتوزيعها ورقياً بالإضافة إلى نشرها إلكترونياً على موقع الجمعية، وذلك بالتوازي مع تنظيم زيارة للموقع الفلسطيني المهجـّر، ويحوي كل كتيـّب معلومات تاريخية عن قرية أو مدينة محددة، وشهادات من لاجئي البلد، وخرائط، وصوراً، وفي بعضها أضيفت مقالات ذات صلة(53).

وقامت جمعية “زوخروت” بتسجيل عشرات الشهادات لأشخاص عرب ويهود عاشوا تفاصيل نكبة فلسطين، وكان بعضهم قد شارك في العمليات العسكرية الصهيونية. كما تقصى باحثون ومهتمون إسرائيليون العديد من الروايات والوقائع حول النكبة. وكعينات تعدّ بمثابة وثائق تتعلق بما جرى، وتؤكد على الجريمة التي اقترفتها الصهيونية بحق فلسطين وشعبها، تم نشر شهادات لكل من: (54)

ـ دوف يرميا، الذي شارك في احتلال قريتي كويكات وعمقا(قضاء عكا).

ـ ليلي طراوبمان، عضو كيبوتس مجيدّو، القائم على أراضي قرية اللجّون(قرب مدينة أم الفحم) حول احتلال هذه القرية.

ـ بنيامين عيشِت، الجندي في البلماخ، الذي اشترك في احتلال مدينة اللد وقرية جمزو(بين اللد والرملة).

ـ يرحميئل كهنوفيتش، الجندي في البلماخ، الذي يعترف بقيامة بمجزرة جامع دهمش في اللد عام 1948، وطرد الفلسطينيين من قرة عدة بناء على أوامر من رئيس الأركان.

ـ أوري ميلشتاين، وهو باحت ومفكر ومؤرخ في التاريخ العسكري لدولة إسرائيل ومحلل لأحداث وقضايا التي حدثت في عام 1948، ويتحدث عن طرد سكان عين الزيتون واحتلال صفد. 

  • عيّنات أخرى فاضحة :

بالإضافة إلى ما تقوم به جمعية “زوخروت”، يتم الكشف بين حين وآخر عن شهادات تفضح مسؤولية الصهيونية وإسرائيل عن النكبة الفلسطينية، وعن جوانب هامة وخطيرة في المحاولات الصهيونية لتفريغ البلاد من العرب والسعي لتسويق روايات ملفقة للأحداث التي شهدتها البلاد.. ومن العينات التي نشرت خلال السنوات الأخيرة:

أ ـ في عيد ميلاده المائة، اعترف جنرال إسرائيلي سابق يدعى يتسحاك بونداك بتدمير قرى عربية عام النكبة، مؤكداً أن ضميره مرتاح بسبب النتيجة التي أفضت إلى إقامة دولة إسرائيل. ويُذكر أن بونداك كان قائد الكتيبة 53 التابعة للواء “جفعاتي” خلال حرب 1948، وقد اعترف بونداك، في مقابلة مع إذاعة الجيش (غالي تساهال)، أن القوات التي كانت تحت إمرته عملت على تدمير قرى عربية عام النكبة. وقال: “لو لم نفعل ذلك لما كانت لدينا دولة الآن. سيكون هناك مليون عربي أكثر في الدولة”(55).

ب ـ في عام 2013 ظهر تحقيق (وثيقة) بعنوان؛ “الدراسة التي كانت من المقرر أن تبرهن أن العرب هربوا في عام 1948″، من إعداد شاي حزكائي، وهو دكتور في التاريخ في “مركز طاوب لدراسات لإسرائيل” بجامعة نيويورك  (NYU) (56)، وتبين من التحقيق أنه بناء على أوامر من رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، طُلب من المستشرقين الذين عملوا في خدمة الدولة تقديم شهادات وبراهين على أن الفلسطينيين هربوا في عام 1948 ولم يُطردوا. وكمثال، أمر المستشار الخاص للشؤون العربية في ديوان رئيس الحكومة، أوري لوبراني، بإعداد وثيقة حول ذلك. وكلف لوبراني موشيه ماعوز، الذي كان طالباً في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية ويعمل في مكتبه، بهذه المهمة، والذي أصبح بروفيسوراً في التاريخ. ويقول ماعوز:  كُلّفتُ بأن أجمع المادة التي تبرهن هروب عرب أرض إسرائيل في عام 1948، وهذه المادة يجب أن تبرهن التالي:

– شجّع قادة ومؤسسات عربية في إسرائيل وخارجها عرب فلسطين على الهروب. والجماهير المحليون الذين هربوا أولاً جرّوا خلفهم الشعب للهروب.

– ساعدت الجيوش العربية والأجنبية (وجماعات المتطوعين) العرب على الهروب، سواء عن طريق إخلاء القرى أم عن طريق معاملتهم القاسية للسكان المحليين.

– ساعد الجيش البريطاني في عدة أماكن العرب على الهروب.

– قامت مؤسسات ومنظمات يهودية ببذل جهود من أجل منع الهروب.

ج ـ في العام ذاته 2013 نشر تحقيق آخر، هو أيضاً بمثابة وثيقة، بعنوان “التاريخ السري للترحيل”، من إعداد أريك أريئيل، المحاضر في الاستخبارات والسياسة والقانون في كلية يزراعيل، وذلك استناداً إلى أطروحة الدكتوراه التي قدمها في جامعة حيفا. وفي هذه الشهادة يؤكد أريئيل أن تفريغ البلاد من سكانها العرب والقدرة على إقامة دولة مع غالبية يهودية ساحقة، كان أكبر إنجاز تحققه الحركة الصهيونية. وحتى أهم من مكسب إقامة الدولة، حسب رأي جزء من زعمائها. لذلك فقد أسرعت إسرائيل وبلورت في منتصف عام 1948، سيادتها التي لن تسمح بحسبها، بأي شكل من الأشكال، بعودة اللاجئين إلى مجالها. وأرادت إسرائيل تكريس الوضع الديمغرافي الراهن مع الوضع الجغرافي الذي نشأ مع انتهاء المعارك وتوقيع اتفاقيات الهدنة(57).

  • مقاربة لاعتبارات الاعترافات الإسرائيلية :

ثمة صعوبة كبيرة تواجه أي محاولة بحثية لتحري الدوافع والغابات الحقيقية الكامنة وراء إقدام صهاينة على اتخاذ مواقف انتقادية، وفي كثير من الأحيان مناهضة، للسياسة وللرواية الرسمية الإسرائيلية حول ما جرى عام 1948.. ولعل أبعد ما يمكن الذهاب إليه هو “مقاربة الحالة”، على نحو يساعد في فهمها، بدلاً من إصدار أحكام قيمية قاطعة، ذاتية أو موضوعية، بشأنها.. ودون أي مجازفة، تستوقف المتابع والمحلل في هذا الصدد جملة من الأطروحات، منها:

ـ من السذاجة الانسياق وراء دعاوى مشاعر “تأنيب الضمير” و”التكفير عن الذنب” و”طلب الصفح” في الاعترافات الإسرائيلية المتعلقة بالمسؤولية عن النكبة الفلسطينية.. فهذا الأمر بحاجة إلى دراسات معمقة في تناولها، وخاصة في ضوء اللامبالاة وبلادة الأحاسيس الصهيونية إزاء المعاناة الفلسطينية.

ـ لنلاحظ أن الكيان الصهيوني بات يمتلك من القدرات الذاتية والتحالفية ما يجعله يواجه الانتقادات الداخلية والخارجية لتوجهاته وممارساته، بوجوده ضمن بيئة استراتيجية عربية ضعيفة ومفككة، غير قادرة على استثمار تلك الانتقادات، واختلال ميزان القوى الاستراتيجي لصالح الصهيونية وإسرائيل.     

ـ من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل تحاول توظيف تيار “المؤرخين الجدد” في خدمة تسويق صورة جديدة لها في المنطقة، خاصة في هذه الظروف التي يجري فيها البحث عن السلام والتطبيع مع الدول العربية، عبر إظهارها بصورة الدولة التي  تعترف بأخطاء ارتكبتها، لكن الواقع الجديد لا يسمح لها بتصحيح هذه الأخطاء، بشكل مترافق مع دعوة إلى نسيان الماضي، وفتح صفحة جديدة. وبهذا إنهم يحلمون باستجابات عربية، ويسعون إلى اجتثاث الحقائق الراسخة في الذاكرة العربية.

ـ من المتفق عليه بين الإسرائيليين أنه لا يمكن إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، ومن ثم إن الاعترافات الشخصية والأعمال البحثية حول أسباب نشوء مشكلة اللاجئين ليست في مركز الاهتمام، المحلي والإقليمي والدولي، بفعل الانشغالات بمشكلات جديدة.

ـ يلمس المتابعون للحراك الداخلي في الكيان الصهيوني وجود جموح يميني سافر، ومجاهرة بلا أي رادع لضرورة انتهاج سياسة متشددة ضد الفلسطينيين والعرب عموماً، بذرائع مختلفة(وجودية، أمنية، براغماتية..). وبالتالي إن المجاهرة، بلا تحفظ، بما لحق بالفلسطينيين عام 1948 لا يتعارض مع الجو العام السائد في البلاد، لأنه لولا ذلك لما نشأت الدولة اليهودية.

  • خاتمــة..

توضح المعطيات والتقديرات الواردة في هذه الدراسة أنه على الرغم من المحاولات الصهيونية المستميتة لطمس الحقائق ولتسويق الافتراءات حول نكبة فلسطين وتهجير الفلسطينيين، فقد نشرت معلومات وشهادات تكشف بعض جوانب ما جرى، ومنها؛ أعمال بحثية متعددة المصادر، ومعلومات قدمها بعض المشاركين في العمليات الصهيونية، ومساهمات للمؤرخين الإسرائيليين الجدد، وسواهم. وفي مواجهة ذلك، قوبلت الدعوات لاعتراف الصهيونية وإسرائيل بالنكبة الفلسطينية، بردود عنيفة، ضمن سجال داخلي يفصح عن تعددية الآراء في إطار وحدة الهدف الصهيوني.

على الجانب الآخر من المتراس، من المهم الإشارة إلى أن الاعترافات الصهيونية تضيف إلى ملف نكبة فلسطين مادة توثيقية لا يستهان بأهميتها، يمكن تسخيرها في تعزيز الرواية الحقيقية عن النكبة واغتصاب فلسطين، ضمن مسيرة تجنيد كل طاقات الأمة، لتصحيح الخطأ التاريخي الذي حدث.

*********************

  • مصادر البحث والإحالات المرجعية :

(1) إبراهيم عبد الكريم، قصة تأسيس إسرائيل كما تروى للناشئة اليهود، مجلة شؤون عربية، ع 76 (القاهرة: جامعة الدول العربية) كانون الأول 1993،  ص151 .

(2) ميخائيل بالومبو، كيف طرد الفلسطينيون من ديارهم عام 1948(بيروت: دار الحمراء) 1990، ص48.

(3) بني موريس، طرد الفلسطينيين وولادة مشكلة اللاجئين (عمّان: دار الجليل للدراسات والأبحاث الفلسطينية) 1993، ص 152 – 163.

(4) للتفاصيل؛ مركز المعلومات الوطني الفلسطيني في وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).. الرابط:

http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=5037

(5) للتفاصيل حول “الخطة د”، أنظر مثلاً:

– إبراهيم أبو لغد(إعداد وتحرير)، تهويد فلسطين، مجموعة من الباحثين، سلسلة كتب فلسطينية 21(بيروت: مركز الأبحاث م ت ف) 1972، ص212.

– نور الدين مصالحة، طرد الفلسطينيين – مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين 1882-1948(بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية) 1992، ص 166.

(6).. حرب فلسطين 1947-1948/ الرواية الرسمية الإسرائيلية، ترجمة أحمد خليفة (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية) 1984، ص 347.

(7) للتوسع، انظر؛ فصل “نشوء إسرائيل 1947-1949″، من كتاب آفي شلايم( والاقتباس هو من ص29):

Avi Shlaim, The IRON WALL, Israel and Arab World (London, New York ; W.W.Norton & Company ltd. 2000),P.29.

(8) ميخائيل بالومبو، كيف طرد الفلسطينيون .. م س ذ ، ص48.

(9) جدعون سوليماني وراز كالتر، علم الآثار الإسرائيلي والقرى الفلسطينية المهجرة، ترجمة سعيد عيّاش عن العبرية، مجلة “قضايا إسرائيلية”، العدد57(مركز مدار- فلسطين)، 6/5/2015، ص59.. الرابط:

http://madarcenter.org/files/528/_57/752/_-_.pdf

(10) عبد الجواد صالح ووليد مصطفى، التدمير الجماعي للقرى الفلسطينية والاستعمار الاستيطاني الصهيوني خلال مائة عام/ 1882-1982م (لندن: مركز القدس للدراسات الإنمائية) 1987، ص31.

 (11) للتوسع، انظر؛ فصل “نشوء إسرائيل 1947-1949″، من كتاب آفي شلايم(The IRON WALL).. م س ذ( والاقتباس هو من ص30).

 (12) مؤرخون يهود يسقطون الرواية الإسرائيلية للنكبة، وكالة قدس نت للأنباء، 30/5/2015.. الرابط:

http://www.qudsnet.com/news/View/308800//#.VWo8QtJVjog

 (13) عباس نمر، عرض كتاب شريف كناعنة “الشتات الفلسطيني ..هجرة أم تهجير” صحيفة “القدس” المقدسية 27/2/1997، ص15.

 (14) تقرير ، صحيفة “السفير” اللبنانية 9/2/1995 ، ص3 ( عن :1ف ب ) .

(15) النكبة مأساة من صنع ذاتي، موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية 11/5/2008.. الرابط:

http://mfa.gov.il/MFAAR/Opinions/OpinionsOfIsraeliWritersAndOthers/Pages/Al-Naqba%20-%20A%20self-inflicted%20tragedy%2011052008.aspx

 (16) تقرير، الإعلام الإسرائيلي يعكس مقولات رسمية تنكر النكبة، مركز إعلام 15/5/2014- الناصرة/فلسطين المحتلة .. الرابط:

http://www.ilam-center.org/news.aspx?id=504.

(17) تيودور هرتسل، مديناه هيهوديم = دولة اليهود(تل أبيب: قسم الشباب في الهستدروت الصهيوني) 1946م (بالعبرية).

(18) أنيس صايغ(إعداد)، يوميات هرتزل، سلسلة كتب فلسطينية -10(بيروت مركز الأبحاث م ت ف) 1968، ص76، 81.

 (19) فايز صايغ، فلسطين وإسرائيل والسلام، أبحاث فلسطينية17(بيروت مركز الأبحاث م ت ف) 1970، ص27.

(20) دافيد بن غوريون، مختفيم أل بولا وأل هيلديم= رسائل إلى بولا والأولاد(تل أبيب: عام عوفيد = الشعب العامل)1968، ص212-214(بالعبرية).

(21) استعراض موسع للحالات المذكورة، في:

 ـ أحمد طربين، فلسطين في خطط الصهيونية والاستعمار، ثلاثة أجزاء/ 1897 – 1947(القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية) 1970، 1971، 1972.

ـ نور الدين مصالحة، طرد الفلسطينيين .. مفهوم “الترانسفير” في الفكر والتخطيط الصهيونيين، 1882-1948(بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية) 1992.

ـ إبراهيم عبد الكريم، تهجير العرب من فلسطين في التفكير الصهيوني قبل عام 1948، مجلة الأرض، السنة 19، ع7 (دمشق: مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية) تموز1992، ص 3-33.

(22) أنظر مثلاً:

ـ الوثائق التي جمعها وقدمها البروفيسور وليد الخالدي، في:

– Walid Khalidi .(Editor).From Haven to Conquest: Readings in Zionism and the Palestine Problem Until 1948 (BEIRUT; The Institute for Palestine Studies)1971

ـ أنيس صايغ(إشراف)، الفكرة الصهيونية – النصوص الأساسية، مركز الأبحاث الفلسطيني، ترجمة : لطفي العابد وموسى عنز، سلسلة كتب فلسطينية 21(بيروت: مركز الأبحاث م ت ف) 1970.

ـ إسرائيل شاحاك، من الأرشيف الصهيوني – وثائق ونصوص، سلسلة كتب فلسطينية 66(بيروت: مركز الأبحاث م ت ف) 1975.

ـ ريجينا الشريف، الصهيونية غير اليهودية .. جذورها في التاريخ الغربي، ترجمة أحمد عبدالله عبد العزيز، سلسلة عالم المعرفة96(الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب) 1985.

 (23) للتفاصيل؛ أرسكين تشيلدرز، الرغبة الخرساء، من مواطنين إلى لاجئين، بحث في: إبراهيم أبو لغد(إعداد وتحرير)، تهويد فلسطين، مجموعة من الباحثين، سلسلة كتب فلسطينية 21(بيروت: مركز الأبحاث م ت ف) 1972، ص183- 222(والاقتباس هو من ص205).

 (24) دحض الرواية التوراتية والتاريخ الإسرائيلي، ملحق فلسطين، السفير، تشرين الثاني 2013.. الرابط: 

http://palestine.assafir.com/Article.aspx?ChannelID=120&ArticleID=2696

(25) مؤرخون يهود يسقطون الرواية الإسرائيلية للنكبة، وكالة قدس نت للأنباء، 30/5/2015.. الرابط:

http://www.qudsnet.com/news/View/308800//#.VWo8QtJVjog

(26) عباس نمر، عرض كتاب شريف كناعنة “الشتات الفلسطيني .. هجرة أم تهجير”، صحيفة القدس المقدسية 4/3/1997، ص15 عن :

 Biny Moris,Middle Eastern Studies,January,1986. 

(27) إبراهيم عبد الكريم، تهويد الأرض وأسماء المعالم الفلسطينية(دمشق: اتحاد الكتّاب العرب) 2001 – ص38.

 (28) النص الأصلي؛

The Birth of the Palestinian Refugee Problem 1947-1949 (Cambridge University Press, Cambridge, 1988)

وصدرت ترجمة لهذا الكتاب بالعربية عن دار الجليل للدراسات والأبحاث الفلسطينية(عمّان1993).

(29) ترجمت الطبعة المنقحة للكتاب وصدرت في قسمين عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت(سلسلة عالم المعرفة 406، 407- 2013)

(30) بني موريس، العرب برابرة القرن الحادي والعشرين، وعدم طردهم كان خطأ، وطردهم في المستقبل ضرورة،  “هآرتس”، ملحق الجمعة في 9/1/2004، أجرى المقابلة: أري شافيت.

(31) من أبرز كتب بني موريس التي تناول فيها التهجير وقضية اللاجئين والجوانب المختلفة للصراع العربي- الإسرائيلي بمنهجية “المؤرخين الجدد”:

– 1948 and After: Israel and the Palestinians (Oxford University Press, Oxford, 1990).

– Israel’s Border Wars 1949-1956 (Oxford University Press, Oxford, 1993)

– Righteous Victims: A History of the Arab-Zionist Conflict, 1882-1999 (Knopf, New York, 1999) .

– The Birth of the Palestinian Refugee Problem Revisited (Cambridge University Press, Cambridge, 2004).

– 1948, A History of the First Arab-Israeli War (Yale University Press, New Haven, 2008).

– One State, Two States: Resolving the Israel/ Palestine Conflict, (Yale University Press, 2010)

 (32) معلومات عن بابيه في:

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D9%8A%D9%84%D8%A7%D9%86_%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%8A

(33)

 The Making of the Arab-Israeli Conflict, 1948-1951 (New York: I.B. Tauris, 1992).

 (34)

 A History of Modern Palestine- One Land, Two Peoples, Cambridge University Press, 2004.

(35) صدرت في العام ذاته 2007 ترجمة للكتاب عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت:

 The Ethnic Cleansing of Palestine (Oxford: One World Publications, 2007).

(36)

– Ilan Pappe, Ethnic Cleansing by other means, Middle east eye, Jun 1,2014..

http://www.dialoguereview.com/en/affiche_page.php?page=article_35_p_25.html&titre=Ethnic%20Cleansing%20by%20Other%20Means%20By%20Ilan%20Pappe

http://www.palestinechronicle.com/ethnic-cleansing-by-other-means, (This article was originally published in Middle East Eye – www.middleeasteye.net)

(37) للمعلومات عن سيجف؛ انظر مثلاً :

https://en.wikipedia.org/wiki/Tom_Segev

(38) للتفاصيل، أنظر: توم سيجف، 1949 – الإسرائيليون الأوائل،(1949: The First Israelis) ترجمة خالد عايد، رضا سلمان، رندة حيدر شرارة، كمال إبراهيم(بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1986).

(39) للمعلومات عن شلايم، انظر مثلاً:

https://en.wikipedia.org/wiki/Avi_Shlaim

(40) مؤرخون يهود يسقطون الرواية الإسرائيلية للنكبة، وكالة قدس نت للأنباء، 30/5/2015.. الرابط:

http://www.qudsnet.com/news/View/308800//#.VWo8QtJVjog

 (41) للاطلاع، انظر مثلاً:

http://www.schechter.edu/StaffMember.aspx?ID=38&SM=1a&Dept=SIJS

 (42) “لكديش أرتس= تقديس أرض: الأماكن المقدسة اليهودية في دولة إسرائيل”، (إصدار: معهدا بن تسفي وبن غوريون لدراسة إسرائيل والصهيونية بجامعة بن غوريون في النقب، 2007)، 274 صفحة (بالعبرية). وصدرت طبعة للكتاب ذاته بالإنكليزية:

  1. Bar, Sanctifying a Land: The Jewish Holy Places in the State of Israel: 1948-1968, Jerusalem: Ben–Gurion Institute in the Negev and Yad Ben Zvi, 2007

(43) لمزيد من المعلومات، انظر: ميرون بنفنيستي، المشهد المقدس- طمس تاريخ الأرض المقدسة منذ 1948، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية/ مدار(رام الله- فلسطين، 2001)،  434 ص.. أو:

Meron Benvenisti Sacred Landscape: The Buried History of the Holy Land Since 1948(Translated from Hebrew- Berkley: University of California Press, 2000). 365pp

(44) للمعلومات عن كادمان، كما تعرّف نفسها، انظر:

http://www.palestineremembered.com/Articles/General/Story10999.html

 (45) د. نوغا كادمان، بتسادي هديرخ وبشولي هتودعاه = على جوانب الطريق وهوامش الوعي، إصدار” سفري نوفمبر”، القدس 2008 )بالعبرية(.

 (46) نوعا ليفي، “معنى الحديث عن النكبة بالعبرية”، صحيفة الاتحاد – حيفا 19/5/2012.. موقع الجبهة.. الرابط:

http://www.aljabha.org/index.asp?i=68063  

 (47) إيلي أمينوف، النكبة ليست تدمير قرى فقط، المشهد الإسرائيلي 28/8/2012(المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية/ مدار – فلسطين) السنة 10 – العدد288 ، ص 7).

(48) معلومات عن الكاتب في:

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%AF%D8%B9%D9%88%D9%86_%D9%84%D9%8A%D9%81%D9%8A

(49) موقع زوخروت/ ذاكرات .. الرابط

http://www.zochrot.org/ar/menu/%D7%96%D7%95%D7%9B%D7%A8%D7%95%D7%AA/%D7%9E%D7%99-%D7%90%D7%A0%D7%97%D7%A0%D7%95

(50) موقع زوخروت.. الخارطة :

http://zochrot.org/sites/default/files/nakbah_map-all_final.jpg

 (51) موقع زوخروت.. تفاصيل على الرابط:

 http://zochrot.org/ar/event/

(52) علي مواسي،  مؤتمر زوخرت الدولي: تطبيق حق العودة ممكن، وبه فقط تنتهي الحالة الاستعمارية، موقع عرب48- 6/11/2013..

http://www.arabs48.com/?mod=articles&ID=102901

 (53) موقع زوخروت.. يمكن تحميل الكتيبات حسب الرابط:

http://zochrot.org/ar/booklet/all

 (54) موقع زوخروت .. الرابط:

 zochrot.org/ar/testimony/all

(55) تقرير، جنرال إسرائيلي سابق: دمرنا القرى العربية لإقامة إسرائيل، موقع عرب48- 17/6/2013 .. الرابط:

http://www.arabs48.com/?mod=articles&ID=100453

(56) شاي حزكائي، الدراسة التي كانت من المقرر أن تبرهن أن العرب هربوا في عام 1948، هآرتس 18/5/2013(بالعبرية).. الرابط.

http://www.haaretz.co.il/magazine/.premium-1.2021786

(57) أريك أريئيل، التاريخ السري للترحيل، هآرتس 27/11/2013.. الرابط:

http://www.haaretz.co.il/magazine/the-edge/.premium-1.2176555

(*) هامش؛ استخدام تسمية إسرائيل والنسبة إليها لا يعني اعتراف كاتب الدراسة بسيادة الكيان الصهيوني الغاصب على الجغرافية الفلسطينية المحتلة.   

**********************

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى