رأى

بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة.. أي دور للإذاعة في التربية على الحوار والتصدي للتطرف؟!

استمع

بقلم: د. محجوب بن سعيد

باحث في علوم الاتصال والحوار الثقافي.. المغرب

يقوم العمل الإذاعي على استعمال جهاز الراديو أو المذياع الذي يعتبر وسيلة مهمة من وسائل الاتصال الحديثة . فهو وسيلة سمعية تعتمد على الأذن، لذلك يتطلب التعامل معه وعبره الإلمام التام بقواعد استخدام الكلمة المذاعة وخصائصها ومميزاتها ومدى توافقها مع فهم المستمع . من هنا يعد الراديو من أهم وسائل الاتصال الجماهيري، وأكثرها ذيوعا وانتشارا ، كما أنه يمتاز بالفورية وتخطي حدود الزمان والمكان ، وينمي ويثري الخيال. ويعتبر الراديو جامعة شعبية كبيرة على الهواء تخاطب المتعلم والأمي ، وينقل الثقافة والعلم والأخبار ، والفن والترفيه

وإذا كان هدف الراديو هو الاستحواذ على المستمع ، فإن النجاح في هذه المهمة يتطلب البحث عن أصول ثابتة ومدروسة للأشخاص المكلفين بتقديم البرامج الإذاعية وتوصيلها إلى المستمعين. لذلك فإن كل متعامل مع الميكرفون في دائرة الإنتاج والتقديم يجب أن يتصف بصفات ومميزات محددة ، وفي مقدمتها الإلمام التام بالوسيلة وطبيعتها ومتطلباتها ، والإلمام بالجمهور المتلقي واحتياجاته ورغباته ومتطلباته ، والتمكن من مهارات الإلقاء في جوانبها الصوتية و اللغوية والنفسية، واستيعاب تقنيات التحاور مع الضيوف في الأستوديو ومع المستمعين عبر الهاتف ،وفوق هذا وذاك المعرفة التامة بكل ما يتعلق بالمادة المذاعة .

وتمثل البرامج الحوارية في الإذاعة بأنواعها وأقسامها العمود الفقري لكثير من البرامج الإذاعية المسموعة ، وتكتسي البرامج الحوارية أهمية بالغة لكونها تمد جمهور الميتمعين بالمعلومات الهامة المتعلقة بالأحداث الجارية وتطرح الآراء ووجهات النظر المتفقة والمتباينة

والبرنامج الحواري في الإذاعة ليس هو المقابلة أو اللقاء الإذاعي فحسب . ولذلك فإن كثيرا ما يحدث اللبس عند استخدام كلمة حوار حيث ينصرف الرأي إلى أن المقصود هو لقاء إذاعي ، أو مقابلة إذاعية يكون الهدف منها حوار بين شخص يسأل وآخر يجيب عن أسئلته.

ويعتقد خبراء الإعلام الإذاعي أن البرامج الحوارية الإذاعية من أصعب أشكال الإنتاج الإذاعي لاعتماده على المذيع مقدم ومدير الحوار والذي لا بد أن تتوافر فيه جملة من الخصائص في مقدمتها الثقافة الواسعة، ومعرفة طبيعة الوسيلة والجمهور ، والمعرفة بالأساليب العلمية للحوار الإذاعي

لقد أصبحت وسائل الإعلام الجماهيري مصدرا رئيسا للحصول على الأخبار والمعلومات المتعلقة بالأحداث المحلية والإقليمية والدولية. وتعد الأحداث المرتبطة بالتطرف والعنف والإرهاب، من المواضيع الأكثر حساسية من حيث التناول الإعلامي، فقد اتُهمت في كثير من الأحيان وسائل الإعلام الجماهيري بالتحريض والتضليل ونشر الأفكار المتطرّفة باسم مساحات الحرّية المتاحة، كما اتهم الإعلام الإسلامي الرسمي على وجه الخصوص بعدم القدرة على مواجهة الخطاب الدعائي للجماعات المتطرفة والحد من تأثيراته على الجمهور المتلقي خاصة الشباب والأطفال.

ومما لاشك فيه أن دور وسائل الإعلام الجماهيري في مجال معالجة التطرف والغلو ، ومن بينها الإعلام السمعي أو الإعلام الإذاعي ، يستمد أهميته من تنامي اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام في الظروف التي تتسم بعدم الاستقرار، وهي الأوضاع التي تترتب على وقوع الأحداث الإرهابية حيث تسارع الجماهير لاستخدام وسائل الاتصال باعتبارها النظام الاتصالي الذي ينشأ حول الأحداث المثيرة في المجتمع، سعياً إلى التعرف على هذه الأحداث واستيعابها والأخذ بمقتضيات التفاعل الإيجابي مع تداعياتها.

ولا تقتصر أهمية عمل وسائل الإعلام في تغطية ومعالجة قضايا التطرف والغلو على إمداد الجمهور بالمعلومات حول الأحداث الإرهابية، بل يمتد دورها إلى معالجة هذه الأحداث بمهنية تسهم بدور فاعل في لفت النظر إلى الطبيعة الخطرة والمتجددة لهذه الأحداث، ونشر ثقافة السلم والحوار والتعريف بالقيم الإسلامية السمحة القائمة على الوسطية والاعتدال. وتعد إذاعات القرآن الكريم من أهم المنصات الإعلامية القادرة على القيام بهذا الدور في المجتمعات المسلمة ، لكن يتعين ألا يقتصر دورها على بث المصاحف المسموعة لكبار القراء، وإعداد وتقديم البرامج الدينية التي تهدف لنشر الثقافة الإسلامية، وتعزيز الوازع الديني في نفوس أفراد المجتمع المسلم، وبث الموشحات والأناشيد في المناسبات الدينية. إن هذه الإذاعات مدعوة اليوم إلى بذل المزيد من الجهود المنهجية والفكرية القادرة على توعية المستمع وإقناعه بخطورة التطرف والغلو في القول والفعل، وإرشاده إلى أن الإسلام دين وسطية واعتدال ومحبة ورحمة وإخاء، والمساهمة في دعم الإحساس بالأمن النفسي لدى الجمهور، والتعبئة لمواجهة كافة أشكال التطرف والغلو.

إن إذاعات القرآن الكريم من الوسائل الإعلامية التي يمكن لها أن تقوم بدور مهم وفعال في مواجهة التطرف والغلو، لأنها أصبحت اليوم من أهم وسائل الاتصال الجماهيري، وأكثرها ذيوعا وانتشارا، رغم قوة تأثير التلفزيون والأنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي. وتعد البرامج الحوارية في إذاعات القرآن الكريم بأنواعها وأقسامها من أهم البرامج التي يمكن بواسطتها التوعية بمخاطر التطرف والغلو وسبل مواجهته والاحتياط من الوقوع ضحية للجماعات المتطرفة.

وبإمكان إذاعات القرآن الكريم المساهمة في تعزيز نشر ثقافة الحوار والوسطية والاعتدال بين شباب الأمة الإسلامية وتحصينه من الوقوع في براثن التطرف والتعصب. لذا ينبغي استثمار المعطيات الإعلامية الإذاعية العصرية استثماراً جيداً من أجل توفير أسباب النجاح وعوامل الانتشار والتأثير، ولن يتأتى هذا الأمر بصورة عملية ومجدية إلا عن طريق الإعلام الإذاعي الهادف ومنه الإذاعات القرآنية.

 ولهذه الاعتبارات، أصبح من الضروري ترسيخ الوعي بأهمية دور الإذاعات القرآنية في العالم الإسلامي في التعريف بالقيم السمحة للإسلام وتبصيرالشباب عليها،ومحاربة أوجه الغلو والتطرف بالأسلوب القرآني الداعي إلى التسامح والمحبة والأخوة ، وبضرورة تبادل الخبرات والتجارب بين المسؤولين عن الإذاعات القرآنية في العالم الإسلامي من أجل تنسيق الجهود للتعريف بقيم الإسلام السمحة والمساهمة في تصحيح المعلومات الخاطئة عنه داخل العالم الإسلامي وخارجه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى