رأى

  ردًّا على د.سعد الدين الهلالى ودفاعاً عن سيدنا الحسين

استمع
 محمد عبد الرحمن الشاغولimg-20161003-wa0005
 الباحث والكاتب الإسلامى
إن مما أفجع قلوب المسلمين وأهل مصر خصوصاً.أن سمعنا من د. سعد الهلالى- وهو أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر!- وهو يتكلم مع المذيع.أحمد موسى، ويسىء بعبارات تصريحية وتلميحية إلى سيدنا الحسين وإلى آل البيت ويبخسهم قدرهم، وينقصهم حقهم؛ ليرد على مسألة زيارة إخواننا الشيعة لمشهد كربلاء كتعويضٍ نفسىٍ عن عدم حجهم هذا العام أو طبقاً لما جاء عندهم من روايات فى مذهبهم الذى استوعبه الأزهر ودرَّسه كما عليه قرار وفتوى الشيخ شلتوت رحمه الله -بغض النظر عن اختلافنا مع هذا أو عدمه عند البعض. متجاهلاً قول الله عز وجل:(ولا يجرمنَّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).(المائدة:8). وإليكم ما قال والرد عليه وبيان الحق فيه من الباطل مما خاض فيه:
أولاً: قال:(قالوا لسيدنا الحسين: تعالَ خذ الحكم)، وقال فى الحلقة الثانية:(وترك الحسين الدنيا كلها منذ صلح سيدنا الحسن مع معاوية إلى عام 61هـ لما تولى يزيد)!!عنى بذلك: خروجه طالباً للحكم طامعاً فيه!!.
الرد مختصراً: شهد النبى صلى الله عليه وآله وصحبه لسيدنا الحسين بقوله:(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)؛ فهو شهيد فى أعلى مراتب الشهادة، واستحق السيادة على سائر شباب أهل الجنة بذلك، والجنة كل من فيها سيكون شابًّا فى الثلاث والثلاثين.فافهم. وكذلك سيدنا الحسن شهد له فقال:(إن ابنى هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين). مع العلم أن فئة معاوية هى الفئة الباغية التى قتلت سيدنا عمار عندما كان معاوية يقاتل سيدنا الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى عنه؛ لقول النبى:(عمار تقتله الفئة الباغية). وروى الترمذى عن أنس:أىُّ أهل بيتك أحب إليك؟فقال:(الحسن والحسين). وقال:(حسينٌ منى وأنا من حسينٍ، اللهم أحبَّ من أحبَّ حسيناً. حسينٌ سِبْطٌ من الأسباط) رواه الحاكم عن يعلى العامرى، وصححه، وقال سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما-وهو جالس فى الكعبة إذ رأى سيدنا الحسين مقبلاً: (هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم)، وروى ابن سعد عن سيدنا علىٍّ قال: (دخلت على المصطفى صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ وعيناه تفيضان، فسألته فقال: أخبرنى جبريل عليه السلام أن حسيناً يُقتَل بشاطئ الفرات).فهل بعد ذلك يشى ويشير سعد الهلالى تصريحاً وتلميحاً بلغة بدنه وبإشاراته بكونه كان طالباً للحكم!!سبحانك هذا بهتانٌ عظيم. أما سيدنا الحسن فقتل شهيداً أيضاً سمَّته زوجته جعدة بنت الأشعث-لعنها الله- دسَّ عليها يزيد بن معاوية أن تسمَّه ويتزوجها، فلما قتلته بعثت إليه ينجز الوعد،فقال: (إنَّا لم نرضاكِ للحسن، فنرضاك لأنفسنا)- يريد الحط والتحقير من شأنه الشريف العظيم. انظر(الكواكب الدرية فى تراجم السادة الصوفية) للإمام الحافظ عبد الرؤوف المناوى الشافعى-ج1-ص97-طبعة المكتبة الأزهرية للتراث. فهل هذه الذرية الطاهرة يتشوَّفون للحكم أم أنه كان يريد رفع الظلم والجور والتبديل للدين عن أمة النبى صلى الله عليه وسلم؟ بدليل قول الإمام ابن بطال المالكى عن الصلح الذى حقن به سيدنا الحسن دماء المسلمين، ولم يحارب معاوية –مع أنه كان معه أربعون ألفاً كأمثال الجبال، ولكنه حقن دماءهم- قال الإمام ابن بطال المالكى: (ولم يوفِّ له معاوية بشىءٍ مما التزمه).المصدر السابق-ص96.
ثانياً: ادعى زوراً د.سعد الهلالى أن جنود يزيد وهم جماعة عمرو بن سعد بن العاص(اضطروا إلى قتل سيدنا الحسين ومن معه؛ لأنهم هم الذين أصروا على أن يُقتَلوا ويستشهدوا)!.
الرد مختصراً: كان زياد هذا من زنا أبى سفيان بجاريةٍ فى الجاهلية، وكان يدعى(زياد ابن أبيه)، وكان أول بدعة حدثت فى الإسلام أن ألحقه معاوية به، كما أخبر به الإمام النووى فى شرحه لصحيح الإمام مسلم عند حديث:(من ادعى لغير أبيه، فقد برئت منه ذمة الله ورسوله)، فجعله أخاً له، وأثبت له النسب والتوارث، وغير ذلك. وقد قال سيدنا الحسين لعمرو بن سعد أمير زياد هذا بعد القتال:(اختر منى إحدى ثلاث: إما أن ألحق بثغرٍ من الثغور، وإما أن أرجع إلى المدينة، وإما أن أضع يدى فى يد ابن معاوية-يعنى: الفاجر الفاسق يزيد).المصدر السابق-102:101. فامتنع زياد ابن أبيه إلا أن يضع يده فى يده هو، فأبى سيدنا الحسين؛ لأنه إنما جاء لإنكار المنكر، حاملاً الأمانة عن جميع المسلمين، مقدّماً روحه الشريف فداء أمة النبى، فلا يعرف الخنوع والذلة والهوان، ولا المداهنة والممايعة والمتاجرة بالدين كبعض من نعرفهم اليوم… .
ثالثاً: قال د.سعد الهلالى:(فكان هناك خليفتان)؛ عنى سيدنا عليًّا ومعاوية. وهذا كلام باطلٌ؛ لأن الخليفة والإمام آنذاك هو سيدنا علىٌّ رضى الله عنه، ومعاوية هو قائد الفئة الباغية بنص كلام سيدنا رسول الله. فهل يعى سعد الهلالى هذا؟! أم نصدقه ونكذب سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؟!.
رابعاً: لم ينطق سعد الهلالى ببنت شفةٍ عن يزيد بن معاوية الآمر بقتال وقتل سيدنا الحسين، والمسرور بقتله.
فأقول اختصاراً: قال الإمام الحافظ المناوى السنى الشافعى إمامنا نحن السنة: أخرج أبو يعلى عن أبى عبيدة رضى الله عنهما:(لا يزال أمر أمتى قائماً بالقِسْط-يعنى: العدل- حتى يكون أول من يثلُمُه رجلٌ من بنى أميَّة يقال له يزيد). وأخرج الرُّويانى  عن سيدنا أبى الدرداء مرفوعاً للنبى أنه قال: (أول من يبدل سنتى رجلٌ من بنى أميَّة يقال له يزيد). المصدر السابق-103:102. وقال الحافظ المناوى: (وقد قال أحمد بن حنبل بكفره، وناهيك به ورعاً يقضيان بأنه لم يقل ذلك إلا لما ثبت عنده من أمورٍ صريحةٍ وقعت منه توجب ذلك).ص103- وإن كان جماهير علمائنا من السنة لم يقولوا بكفره. فيزيد هذا عرف عنه واشتهر بشربه للخمر، وصيده للقرود حتى مات بعد مقتل سيدنا الحسين وهويصطاد قرداً، فوقع على رقبته، ويزيد هذا استباح مدينة سيدنا رسول الله ثلاثة أيامٍ، وهتك جيشه أعراض ألفٍ من العذارى، وضرب جنوده الكعبة بالمنجنيق، وقال الإمام المناوى قبلها ص102 أيضاً:(ولما قتلوه-يعنى: سيدنا الحسين- جزوا رأسه الشريف، ثم أتوا به إلى ابن زياد-يعنى: زياد ابن أبيه- فأرسله ومن بقى من أهل بيته إلى يزيد، ومنهم سيدنا على بن الحسين زين العابدين- يعنى: المدفون قريباً من السيدة زينب بمصر- كان مريضاً، وعمته السيدة زينب رضى الله عنهما رئيسة الديوان، فلما قدموا على يزيد سُرَّ سروراً كبيراً، وأوقفهم موقف السَّبْي بباب المسجد، وأهانهم وبالغ، ولما وضعوا الرأس الشريف بين يديد، صار يضرب على ثناياه بقضيبٍ كان معه، ويقول: لقيت بغَيْبِك يا حسين، وبالغ فى الفرح)!!. فهل يجهل سعد الهلالى هذا أم أنه ستره وحجبه لحساباته الدنيوية الخاصة، وتمشِّيًا مع الموجة، وتلبيةً لمتطلبات الظرف الراهن، ورغبةً فى التمادى فى الشهرة والظهور. فالله حسيبه وحسيب الناس أجمعين.
وادعاؤه أن الرحمة كانت فى قلب يزيد، وأنه دفن الرأس الشريف بالبقيع، تبعاً لروايةٍ مكذوبة وواهية تاريخيًّا لا دليل عليها تبناها سعد الهلالى لأمرٍ فى نفسه.انظر الكلام على هذه الرواية فى(العدل الشاهد فى تحقيق المشاهد)للعلامة المحقق والمؤرخ السيد عثمان مدُّوخ أبى التيسير الحسينى الشافعى السنى.ص18-طبعة الأزهرية للتراث.
خامساً: أما عن الرأس الشريف، وتمويع سعد الهلالى للقضية، وقوله: إن من بالشام ينكرون على أهل مصر، ومن بكربلاء ينكرون على أهل مصر!. فكلامٌ غير حاصل بل كل محبى أهل البيت من كل مكان يزورونه هنا إذا قدموا مصر. وهناك فارق بين المشاهد والأضرحة لعله لا يعلمه.
فأقول اختصاراً: ذكر العلامة السيوطى فى (تاريخ الخلفاء) أن الرأس الشريف كانت مدفونة بمسجد صغير بالشام فى دمشق قريب باب القراديس. ثم إن المؤرخ الكبير المقريزى ذكر أنه وجد بعد دمشق بعسقلان، وأن مشهد عسقلان، كان قد بناه أمير الجيوش بدر الجمَّالى، وكمَّله ابنه الأفضل، وحُمِل الرأس من عسقلان إلى القاهرة، ووصل إليها الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة(549)هـ.. ويذكر أن الرأس لما أخرج من مشهد عسقلان وُجِد دمُه لم يجف، وله ريحٌ كريح المسك.كتاب(العدل الشاهد)_ص24:23.
أما كلامه عن الوزير الصالح طلائع بن رزيك، ووصفه بأنه كان ينبغى له أن يفر من الفرنج، لا أن يفكر فى الرأس الشريف وحمله لمصر- أراد سعد الهلالى تكذيب الرواية-. فهذا من سعد الهلالى جائز فى الوزير لو كان لا يعرف قدر آل البيت عليهم السلام أو كان من الذين ناصبوهم العداء وقاتلوهم أو الجبناء المتمسكين بالدنيا وزخارفها وشهرتها وأموالها. أما الوزير طلائع بن رزيك- طيب الله ذكراه- فهذه أسطر عنه:
قال ابن عبد الظاهر: (مشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه قد ذكرنا أن طلائع بن رزيك المنعوت بالصالح قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنجة، وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفن به ويفوز بهذا الفخار). ولا عجب فى الصلاة والسلام على آل البيت فى هذا الكلام لقولنا فى التشهد:(اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وآل سيدنا محمدٍ..إلخ).انظر(العدل الشاهد)-ص24.
هذا والإمام البخارى يقول فى صحيحه:(فاطمة عليها السلام..وعلىٌّ عليه السلام).فتنبه، ولا يفتننك الذين لا يعلمون. ولا يقال على من أحب آل البيت رافضيًّا كعادة الجاهلين، فقد قال إمامنا الإمام الشافعى رضى الله عنه:
إن كان رفضاً حبُّ آل محمدٍ                                               فليشهد الثقلان أنى رافضـى
مع أنه لم يكن رافضيًّا، ولسنا بحمد الله رافضيين، ولكن كما نقول:
                                                   وما علىَّ إذا لم يفهم البشر!!
وقول الشافعى:
يكفيكمُ من عظيم الفضل أنكمُ                                          من لم يصلِّ عليكمْ لا صلاة له
هذا وذكر الإمام السيوطى فى (تاريخ الخلفاء)، والشيخ السخاوى المؤرخ فى (مزاراته) قصة نقل الرأس الشريف من عسقلان إلى القاهر بالمشهد الحسينى المعروف.
قال فى (العدل الشاهد):(إنه جرت به العمارة-أى: بالمشهد الحسينى- زمن المرحوم عبد الرحمن كتُخْذا القرذغلى، لما أراد توسيع المسجد المجاور للمشهد الشريف، فقيل له: إن هذا المشهد لم يثبت فيه دفنٌ!!. فأراد تحقيق ذلك؛ فكُشف المشهد الشريف بمحضرٍ من الناس، ونزل فيه الأستاذ العلامة الشيخ الجوهرى الشافعى، والأستاذ العلامة الشيخ الملَّوى المالكى، وكانا من كبار العلماء العاملين، وشاهدا ما بداخل القبر، ثم ظهرا، وأخبرا ما شاهداه، وهو كرسىٌّ من الخشب الساج، عليه طستٌ من الذهب، فوقثه ستارةٌ من الحرير الأخضر الرقيق، تحتها كيسٌ داخله الرأس الشريف، فانبنى على اجتهادهم تحقيق هذا المشهد فعلاً).ص20.
وأخيراً: فإنه اجتمع إلى ما سبق من رؤية المعاينة للرأس الشريف من كبار علماء المسلمين المؤتمنين على الدين حقًّا لا ظاهراً كما هو حال بعضهم اليوم. فإن كتب السادة الأولياء من الصوفية كالإمام الشعرانى وأسيادنا الشيخ صالح الجعفرى وتلميذه العلامة المفتى السابق الشيخ الدكتورعلى جمعة وشيخه الشيخ إسماعيل صادق العدوى، وألوفٌ مؤلفة، كلهم أقروا بوجودها فى هذا الموضع الشريف، وحصلت مكاشفات ورؤى صالحة تؤيد هذا. وللأسف بدا من كلام د.سعد الهلالى إنكاره للمكاشفات والرؤى للنبى التى تخبر بمثل ذلك..متجاهلاً الكشف الحاصل مثلاً لسيدنا عمر لما كان على منبر المدينة، وقال لقائده الذى كان أميراً على سريةٍ تبعد عنه شهراً: (يا سارية الجبلَ الجبلَ)؛ أى: الزم الجبل لتحتموا من الأعداء. وسمعها سارية، وتحصنوا وانتصروا، وعادوا بعد شهرٍ أو يزيد وأخبر بما سمع. وكتب الأولياء والصالحين القدامى والمعاصرين تعجُّ بمثل هذا المكاشفات والرؤى.
ولا أشك بعد ما قاله أنه  لا يزور سيدنا الحسين، وأنه ليس صوفيًّا، مخالفاً الروح الصافية المعتدلة لطلبة وعلماء الأزهر عبر العصور إلا ما استحدث فيه اليوم من بعضهم، فهو منهج أشبه بالمتمسلفة والجماعات المعروفة فى مناهجهم، ولا ينبغى أن نلوم طلاب الأزهر بعد ذلك على تطرفهم الفكرى، إذا كان هذا أستاذاً بالأزهر!.
ويكفيه- إن كان يكفيه شىءٌ- أن يقرأ كتاب(الروح وانتقالاتها وتصرفاتها بعد موتها)للعلامة الشيخ مفتى الديار الأسبق محمد حسنين مخلوف؛ لعله يذَّكر أو يخشى.
أما عن اعتراضه على بعض المتصلين بالبرنامج كالشيخ سعيد نعمان أمين الفتوى السابق وسؤاله عن تخصصه، فإن تخصص د.سعد نفسه لا يتيح له الكلام فى أصول الدين من جهة، وفى حقائق تاريخية من جهة أخرى، فهو أستاذ فقه مقارن فقط، فليس أستاذ تاريخ، ولا أستاذ عقيدة وفلسفة. وقد اشتهر عنه الشطط فى بعض فتواه، سمعت العلامة المفتى السابق يذكر عنه هذا بشأن كتاب له فى التلفاز. ومجمع البحوث يختلف معه فيما أعلم فى أقوالٍ وفتاوى سابقة.. .
وأخيراً أنصحه بقول الإمام الشافعى الفقيه الصوفى المعتبر:
فقيهاً وصوفيًّا فكن ليس واحداً        فإنى وحق الله إيــاك أنصــحُ
                                                                

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى