رأى

السياسة الإنسانية.. زلزال تركيا وسوريا نموذجاً

استمع

بقلم: أحمد سلام

ظهر غضب الطبيعة واضحاً جلياً خلال الثلاثين عاماً الماضية. ولعل أبرز نماذجه في الفترة الأخيرة الزلزال الذى ضرب كل من سوريا وتركيا. والحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط تواجه مخاطر جمة شأنها شأن العديد من دول العالم، نتيجة ما تشهده من كوارث طبيعية سريعة ومفاجئة، مثل الزلازل والفيضانات والأعاصير، بالإضافة إلى الأمراض والأوبئة الفتاكة، مثل كورونا والكوليرا وغيرها. وكلها أزمات تجعل الاستجابة لحل الكوارث والمشكلات صعبة بل تكاد مستحيلة، نظراً لما تعانيه المنطقة من مشاكل وأزمات، وأمامنا هذا النموذج، والذي رأيناه ولمسناه بوضوح نتيجة الزلزال الذي ضرب كل من سوريا وتركيا وما نجم عنه من خسائر بشرية مفزعة، وكذا الخسائر المادية التى لم يتم حصرها حتى الآن.

ومن هنا، يأتي دور الدول الكبرى والدول التى تمتلك المبادئ الإنسانية في التعامل والسعي للمساعدة بشكل جاد بعيد عن ازدواجية المعايير والتشدق بشعارات حقوق الإنسان.

ما دفعني للكتابة اليوم الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى سوريا وتركيا، والذي أكد على أن الدافع إلى زيارته لكل من الدولتين إنساني بالدرجة الأولى، مما يؤكد أن «الدبلوماسية الإنسانية» لابد أن تلعب دوراً في كوارث هذا العصر، والتأكيد دوماً على “استعداد مصر الدائم لتقديم يد العون والمساعدة للمتضررين في المناطق المنكوبة بالبلدين، وأن مصر حكومة وشعباً، لا يمكن أن تتأخر يوماً عن مؤازرة أشقائها”. وكانت مصر قد سارعت إلى تقديم المساعدات الإنسانية والوقوف إلى جانب الشعبين التركي والسوري بشكل عاجل.

وتعرّف منظمة الصليب الأحمر للدبلوماسية الإنسانية بأنها “تلك الدبلوماسية التي تقنع صانعي القرار وقادة الرأي، بالعمل في جميع الأوقات لصالح الأشخاص المستضعفين، مع الاحترام الكامل للمبادئ الإنسانية الأساسية”. وبما أن كل دول العالم تتعرض للكوارث والأزمات والأوبئة يلوح في الأفق مصطلح “دبلوماسية الكوارث”، والذي يبرز كيف تتصرف الدول عندما تتعرض دولة أخرى لكارثة مثل الزلازل والحرائق والأوبئة، فتقوم بتقديم المساعدة والإغاثة الإنسانية، وتقديم الخبرة، والتكنولوجيا المتقدمة التي يمكن أن تقلل من تأثير الكارثة، أو تشير إلى توقع حدوثها.

إذن، الدبلوماسية الإنسانية هدفها الأساسي هو تقديم المساعدة لأي إنسان بحاجة إليها وتقديم يد العون له بصفته بشراً، بغض النظر عن جنسيته أو ديانته أو مواقفه أو معتقداته أو آرائه السياسية أو مكان تواجده. ومع ذلك، لاحظت كما لاحظ العالم أجمع في بداية هذه الكارثة شيئاً مهماً، وهو ازدواجية معايير الغرب أثناء تعامله مع الشعبين السوري والتركي، بعد الزلزال المدمر الذي تعرض له البلدان.

فشتان الفارق بين ما تنفقه وما تقدمه الدول الغربية من دعم للحروب والمناطق العسكرية بين الدول، وبين ما تقدمه من مساعدات للدول أثناء الكوارث، والتي تتمثل في أرقام تكاد لا تذكر.. ولنا في حرب روسيا / أوكرانيا مثال واضح، وتناست الدول الغربية أن العالم يعيش في كوكب واحد ويجمعه مصير واحد مشترك.

الحقيقة التى لابد أن تعيها كل الدول هي أن الجميع في قارب واحد، وأنه لابد من تنحية الصراعات والخلافات جانباً وقت الكوارث والأزمات المفاجئة.

وفي النهاية، هناك سؤال هام: هل يمكن لدبلوماسية الكوارث أن تُحدث تغييراً جوهرياً في فرضيات الصراع والسلام على المستوى الدولي؟. نتمنى أن تكون الإجابة نعم.

ملاحظة على الهامش!

أدهشني أن الرئيس بايدن في خطاب حالة الاتحاد حول أحوال الأمة الأمريكية في السابع من فبراير الماضي، وبعد مرور أكثر من 24 ساعة على وقوع الزلزال، لم تَصْدُرْ عنه كلمةُ واحدةُ عن الزلزال في سوريا وتركيا، ولم يُشر من قريب أو بعيد إلى هذه الكارثة الإنسانية، وماذا ستقدم الولايات المتحدة الأمريكية للمتضررين منها، مما يعد صمتاً غير متناسب بشكل صارخ مع حجم الكارثة، وتختبئ داخله رسالة اللاتعاطف مع الكوارث في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى