رأى

مصادر الاستجابة السلطوية في الصين

استمع

أحمد مصطفى يكتب

بناءا على بحث نُشر في المجلة الأمريكية للعلوم السياسية في 25 أبريل 2015، تشير مجموعة متزايدة من الأبحاث الغربية إلى أن الأنظمة الاستبدادية (من وجهة نظر الغرب) تستجيب للجهات الفاعلة في المجتمع، لكن فهمنا لمصادر الاستجابة الاستبدادية يظل محدودًا بسبب تحديات القياس وتحديد السببية. فمن خلال إجراء تجربة ميدانية عبر الإنترنت بين 2103 مقاطعات صينية، حيث قامت الدراسة بفحص العوامل التي تؤثر على حوافز المسؤولين للاستجابة للمواطنين في سياق سلطوي.

في الأساس، وجدنا أن ما يقرب من ثلث حكومات المقاطعات الصينية تستجيب لمطالب المواطنين التي يتم التعبير عنها عبر الإنترنت. حيث تتسبب تهديدات الفعل الجماعي في جعل حكومات المقاطعات أكثر استجابة إلى حد كبير. بينما لا يؤدي التعريف بأعضاء الحزب الشيوعي الصيني المخلصين منذ فترة طويلة إلى زيادة الاستجابة. علاوة على ذلك ، نجد أن تهديدات العمل الجماعي تجعل المسؤولين المحليين أكثر استجابة علنية. وعليه تُظهر هذه النتائج معًا أن آليات الرقابة من أعلى إلى أسفل وكذلك الضغوط المجتمعية من أسفل إلى أعلى هي مصادر محتملة للاستجابة.

وتقر الدراسة أن الحكومة المحلية الصينية بالإشتراك مع الحزب الشيوعي الصيني قاما سويا بعمل تطبيقات للشكاوى على الهاتف للمواطنين الصينيين في المقطعات محل الدراسة، وفي حال امتنع أو تكاسل المسؤول المحلي عن القيام بالمطلوب أو قدمت شكاوى من المواطنين ضده، يحق للحزب الشيوعي أن يصدر قرار بفصل المسؤول المحلي أو حبسه كنوع من العقاب وتفاديا لأي ردة فعل جماعية.

وهنا وفي دراسة وبمقارنة سريعة مع دول الغرب المتقدمة أو ما يسمى بالدول الديمقراطية، فلا يمكن للمواطن عقاب المسؤول في الغرب بنفس الكيفية، ولأن النظام ديموقراطي فتنصح الحكومات الغربية مواطنيها بعدم انتخاب نفس المسئول المحلي في الانتخابات المحلية والبرلمانية المقبلة، فلا الاحتجاجات ولا العمل الجماعي بات ينفع.

فمنذ أكثر من حقبة زمنية يتضح لنا ان مسؤولي الغرب في جانب والشعوب في جانب آخر، فمنذ السقوط المالي المروع في 2008 والتلاعب في أسعار الفائدة (الليبور) من خلال بنوك أمريكية وبريطانية، وهذا وفقا لعدة تقارير أوروبية وامريكية، والذي كان الغرض الخفي منه إفقار روسيا ودول الآسيان بعد ما حققته من فوائض نفطية وتجارية. وكذلك ارتباط عملاتها بالدولار، إلا أن هذه الحيلة الماكرة طالت أيضا الغرب، حيث زادت مديونية وإفقار المواطنين الغربيين وازدادت عبوديتهم للبنوك.

وكانت الصين الدولة الأذكى والتي بالرغم أنها كانت في وقتها الدولة الثانية اقتصاديا، إلا أنها لم تربط عملتها بالفيدرالي الأمريكي، حتى لا يصبح اقتصادها خاضع للعملة الأمريكية وبالتالي كانت هذه الفترة التي تفوقت فيها الصين على الغرب بسبب سياساتها النقدية الحكيمة.

فلم نسمع، على سبيل المثال، وفقا لهذه الفضيحة المالية أن أحد أعضاء مجالس إدارة أي من هذه البنوك المتورطة او مديريها قد تم التحقيق معهم أو محاسبتهم قانونيا أمام الشعوب الغربية. فشهادة بن برنانكي رئيس البنك الفيدرالي وقتها كانت مثيرة للسخرية أمام الكونجرس، وغير مقنعة يمكن أن يقولها أي طفل صغير يجيد الكلام، وهذا بموجب شهادة البروفيسور الاقتصادي الروسي فالنتين كتاسونوف.

وعليه فأين هي الرقابة على المؤسسات المالية الغربية؟ وأين منظمة الشفافية الدولية من هذه الكارثة؟ والتي إلى الآن يتجنب الإعلام في العالم، عدا الدول المستقلة، إعادة نقاشها، وذلك تفاديا لمشاكل مع أمريكا وبريطانيا على وجه التحديد. وتجنبا للتزرع بفرض عقوبات اقتصادية أحادية الجانب من الفيدرالي الأمريكي على من يجرؤ مناقشة ذلك كما يحدث حاليا.

أما في أزمة وباء كورونا فحدث ولا حرج، فبينما كانت العدوى تنتشر في العالم، حاول الغرب كالعادة تعليق كل مشكلته المتمثلة في مصارحة شعوبهم بعدم جاهزيته للوباء، بإلقاء اللوم على الصين، وتحديدا على معمل ووهان الذي اشتهر مع الأزمة.

وفي نفس الوقت استورد الغرب كل مستلزماته الطبية من “الصين” نفسها، والتي كان يتوافر لديها كل شيء لإستعدادها السابق لمثل هذا النوع من الأوبئة، بل ونشرت الجيش في جميع أنحاء البلاد لفرض حظر عام لمكافحة الوباء، بل وقامت ببناء عدد كبير من المستشفيات لاستيعاب المرضى، وصنعت المصل الواقي وروسيا قبل الغرب. حيث حاول الغرب ايضا استغلال الموضوع تجاريا والذي ربما كان يحاول تعويض خسائره الاقتصادية من خلال اختراع وباء غامض، ثم اختراع مصل لعلاجه بثمن باهظ.

بل وكانت الصين أكثر الدول نموا اقتصاديا في تلك الفترة ولدينا شهادتين في هذا الصدد، شهادة البروفيسور الياباني نفسه د/ إيفاو أوهاشي – والذي يعمل على تطوير المناطق الصناعية في الفيدرالية الروسية، وكذلك شهادة د/ أحمد المنظري – المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالقاهرة في شهادته لدى مشروعنا عين على الشرق والذي فند هذه الفرضية والتي فشل إثباتها.

أما إذا دخلنا وبحثنا في قلب الديمقراطيات الغربية سنجد أن الأوليغارشية والدوجما الاقتصادية والسياسية هي التي تأتي بالمرشحين وليس معناه أن نذهب للانتخاب في صناديق ولجان أن هذه هي فقط العملية الديمقراطية، لأنه في غالبية دول الغرب يرتبط النافذين في الأحزاب بكبريات الشركات أو البنوك أو كليهما، النافذين في الدولة، لدعم حملات المرشحين ماليا ولتنفيذ اجندتهم في الحكم.

ووفقا للكاتب/ كارل ايفرس هيلستروم على موقع (اوبن سيكرتس) في مقال نشره في فبراير 2021، أن ما أنفق فقط في الانتخابات الرئاسية والحملات التي يتحملها سواء ناخبين أو مليارديرات، مبلغ قدر الأغلى في تاريخ كافة الانتخابات بقيمة 14.5 مليار دولار.

حيث كانت المنافسة بين اثنين من كبار السن ولم يحس المواطن الأمريكي بفرق في سياستهما، وذلك لخدمة اللوبيات المتدخلة في الحزبين الأكبر الجمهوري والديمقراطي، وعدم وجود حزب مستقل يمثل فئة الشباب، الذي كان يرشح أحدا من أجداده ليتولى قيادة البلاد فصارت المنافسة بين “السيء والأسوأ”.

نفس المشهد يتكرر في كل من بريطانيا والتي استأثر فيها حزب المحافظين الموالي للقصر الملكي والشركات الكبرى، خصوصا شركات الطاقة والبنوك على الحكم لفترة طويلة تزيد عن عشر سنوات. حيث بدأت منذ زمن (ديفيد براون) والذي كان مهندس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكزت) بعد التصويت الأولي في عام 2016، الأمر الذي تحقق في 2020 وندم عليه البريطانيون أنفسهم. ثم تتوالى حكومات من المحافظين فاشلة لا يمكنها حاليا حل أزمة التضخم والغلاء والبطالة والغذاء حاليا.

مع إفساد متعمد لـ (حزب العمال) حتى لا يأتي فيه رئيس كـ “جيرمي كوربن” يساري النزعة ضد الأوليغارشية. وأيضا يسعى لمصالح العمال، ويتعاطف مع القضايا العربية ومنها قضية القرن (القضية الفلسطينية) ولا يكون له رأي مخالف للقصر فيما يخص (الأزمة الأوكرانية)، بالرغم من ملاحقة العار لزعيم العمال السابق (توني بلير) الذي شارك أمريكا في ضرب العراق زورا وبهتانا دعما لولاة أمره (أمريكا) في عام 2003. وخصوصا نحن على مقربة من الذكرى العشرين لضرب العراق الغير قانوني، وقتل مليون ونصف مواطن بريء ضاربا بعرض الحائط الرأي العام البريطاني.

وبناءا على ماتقدم لماذا لا يزالون ينعتون الغرب بالبلاد الديمقراطية رغم كل هذه السقطات القمعية المقنعة، والضغط الإعلامي الرهيب على المواطنين في الغرب لإقناعهم زورا بالتصويت لمرشح ما ثم لا نجد هذا الإعلام يقوم بدفع المواطن للتفكير النقدي والموضوعي حول هذا المرشح أو ذاك.

وإذا كانوا يتهمون الصين بـ (القمع) فالصين بموجب التطبيق أعلاه يعتبر في منزلة أكبر منهم في الديمقراطية، ومن خلال مؤتمر الدورتين الذي يعقد سنويا في الصين مع بداية مارس آذار يتم دعوة كافة الأطراف في المجتمع بهدف رفعة الصين اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وكما نتابع فحتى المثقفين وممثلي الاديان في الصين وكذلك الأحزاب غير الشيوعية والصحفيين من داخل وخارج الصين (كما ورد من وكالة شينخوا الصينية) توجه إليهم الدعوات للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر السنوى العام للاستفادة من الأفكار المختلفة.

فعندما تعد الصين، وهي الدولة الأكبر في النمو الاقتصادي بمعدل 3% حاليا، أن تصل بالنمو الى معدلات حول 5% العام القادم وخصوصا بعد انهاء عملية الإغلاق القسري. وكذلك الاهتمام بخفض حقيقي وبمعدلات غير مسبوقة للبطالة والفقر في دولة سكانها يساوي 1.5 مليار نسمة وبشهادة البنك الدولي نفسه مؤخرا. حيث تم نقل حوالي 800 مليون صيني من مرحلة الفقر المدقع إلى مستوى حياة مقبول من خلال العشر سنوات الماضية، وهي تجربة نموذجية للعالم كله والذي يزداد فيه يوميا معدل الفقر في كافة دول العالم.

وهذا ينفي كافة انواع الشيطنة الغربية للصين على أساس أنها دولة قمعية استبدادية لأن ما توفره الصين لشعبها لا يتوافر في الدول الأخرى.

وفي النهاية نقول إن لم تأت الديمقراطية من الداخل ووفقا للثقافة – لا يمكن أن تفلح أبدا لأنه قد ثبت فشل كل الديمقراطيات المستوردة فأي ديمقراطية تفرض بالدبابات لا تفلح أبدا والعراق وسوريا وليبيا أكبر أمثلة في واقعنا العربي على ذلك.

وهذا للعلم،،،

أحمد مصطفى

رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة –

ومشروع عين على الشرق بالإشتراك مع بوابة الأهرام

ماجستير في الاقتصاد السياسي والدراسات الروسية من المدرسة العليا للاقتصاد – موسكو

عضو المجلس الافريقي لتنمية دراسات وأبحاث العلوم الاجتماعية (كودسريا) داكار السنغال

ومجموعة رؤية استراتيجية – روسيا والعالم الإسلامي

جوال: 201009229411+

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى