رأى

‘برامج التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030’ بين الأزمات والإصلاحات الهيكلية لدول شمال إفريقيا

استمع

بقلم: فؤاد الصباغ

تعتبر أحداث العشرية الفارطة في مجملها ذات تأثيرات سلبية عميقة علي الإقتصاديات الوطنية لتلك البلدان التي مازالت تعاني من الأمرين منها تراكم للأزمات الإقتصادية و الإجتماعية و أيضا هشاشة هيكلية و مؤسساتية. إذ تسببت الإضطرابات الإجتماعية في تعطيل دواليب تلك الدول بالكامل و أضرت مباشرة بميزانيتها العمومية و التي مازالت إلي يومنا هذا تتخبط في تفاقم عجزها و تراكم أزماتها. كما إرتفعت نسبة المديونية و تعطلت الإنتاجية العامة مما تسببت بالنتيجة في كبح عجلة التنمية الإقتصادية التي أضحت مؤخرا مثل البطة العرجاء. أما الجدير بالذكر يتمثل في تعطل البرامج الإصلاحية و المخططات التنموية الإستراتيجية خاصة في ظل إستمرار إنتشار فيروس القرن المسمي بكورونا من حين إلي حين و أيضا إلي تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية علي الأمن الغذائي.

التنمية الإقتصادية و الأزمات المتراكمة

 في خضم تلك الأحداث التي تعتبر في مجملها عوائق لتحقيق التنمية و لها تأثيرات مباشرة علي الأوضاع الإجتماعية أضحت أغلب تلك الدول تعاني من ضعف مؤسساتي و من عدم القدرة علي التحكم في مديونيتها و إلتجائها المستمر للإقتراض من صندوق النقد الدولي و ذلك بشروط مجحفة. بالتالي أضحت تلك الأزمات المتراكمة تشكل تعطيل شامل للنشاط الأممي من أجل تحفيز إقتصاديات تلك البلدان علي تنفيذ 17 هدف للتنمية المستدامة مع موفي سنة 2030. فبالعودة إلي بداية العشرية الفارطة و بالتحديد إنطلاقا من سنة 2011 من منبع الثورات دولة تونس التي ساهمت في تصديرها إلي معظم الدول المجاورة عبر تلك العدوي التي تسببت بدروها في بروز أزمات إقتصادية متتالية. عموما تسببت كل تلك الأحداث في تخفيض نسب النمو الإقتصادي إلي 1% أو أدناه أحيانا في بعض الدول و لم تتجاوز نسبة 3% في بعض الدول الأخري و هذه النسب تعتبر ضعيفة جدا مقارنة مع فترة ما حققته تلك الإقتصاديات الوطنية من مؤشرات قبل تلك الثورات الإجتماعية. فمصطلح النمو الإقتصادي يعني تراكم الثروة الوطنية السنوية أو بالأحرى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي يتحقق خلال طيلة فترة سنة كاملة من الإنتاج. بالنتيجة تعتبر تلك النسب المنخفضة جدا علي مستوي النمو الإقتصادي بتلك الدول ضعيفة و لم تحقق الطموحات المستقبلية المرجوة و أيضا لها تأثيرات مباشرة علي التشغيل بحيث من المنظور الإقتصادي كل إرتفاع في نسب النمو تخلق فرص شغل جديدة. أيضا يعتبر إرتفاع نسب التضخم المالي المرافق لذلك الإنخفاض في النمو عامل سلبي إضافي بحيث تساهم في إرتفاع الأسعار للمواد الغذائية و تزيد من نسبة الإحتقان الشعبي للطبقات الفقيرة. أما الأضرار الإضافية التي لحقها الإقتصاد الكلي كانت علي مستوي المبادلات التجارية بحيث إختل الفارق بين الصادرات و الواردات لتتضاعف بالنتيجة نسب العجز في الميزان التجاري, مما إنعكست سلبا علي الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلي ذلك إنهيار العملات المحلية لبعض الدول مقابل سلة العملات الأجنبية منها بالأساس الدولار و اليورو. بالنتيجة كانت مجمل تلك الإضطرابات علي غرار الإحتجاجات الشعبية, التوترات الدولية خاصة الحرب الأوكرانية الروسية مؤخرا, فيروس كورونا و تراكم العجز في الميزان التجاري و المالي لها نتائج سلبية علي مستوي برامج التنمية المستدامة الإقتصادية بدول شمال إفريقيا. إذ كبحت في هذا السياق الإستثمارات الأجنبية المباشرة و ذلك بسبب تدهور التصنيف الإئتماني من قبل أكبر وكالات التصنيف الدولية منها وكالة موديز و فيتش الأمريكيتين وذلك عبر وضع نظرة مستقبلية إستشرافية سلبية في بعض الدول خاصة منها تونس بحيث ساهمت بدورها في خلق مناخ من عدم الإستقرار لدي رجال المال و الأعمال المحليين أو الأجانب. كما أنه بإعتبار أن رأس المال جبان وفقا لمنظور السوق الإقتصادية الرأسمالية الحرة شهدت أغلب تلك الدول خروج مفاجئ لبعض رؤوس الأموال مما تسبب في ركودا إقتصاديا و إنكماشا ماليا علي مستوي الإدخار و الإستثمار. بالتالي كانت التنمية الإقتصادية المستدامة عرجاء طيلة عشرية كاملة بحيث لم تحقق تلك الدول التوازن بين الإنتاج و خلق بيئة نظيفة و سليمة تتماشي مع برنامج الأمم المتحدة لسنة 2030. كما أن الإقتصاد الأخضر لم يحظى بالتطبيق الفعلي في صلب بعض تلك الإقتصاديات نظرا لتراكم الإضطرابات الإجتماعية و أيضا بسبب إستمرار أزمة الحرب الأوكرانية-الروسية والتي تسببت بدورها في بروز أزمة غذاء عالمي نظرا لأن تلك الدولتان تعتبر سلة الحبوب العالمية بإعتبارهما مصدر إنتاج ضخم و تصدير إلي أغلب دول شمال إفريقيا. كذلك إستمرار بروز فيروس كورونا بشكل متقطع بحيث أضحي يسبب نوعا ما من فقدان الثقة وإنخفاض للإنتاجية خاصة خلال فترات الإغلاق أو في فترات تقطع سلاسل الإمداد العالمية. فالأهداف 17 للتنمية المستدامة الخاصة بالأمم المتحدة تتطلب تضافر جهود القطاع العام الحكومات و مؤسساتها و القطاع الخاص الشركات, الجمعيات و مكونات المجتمع المدني لتسريع المشاركة في التنفيذ و خلق الإبتكار خلال السبع سنوات القادمة و المتبقية علي الموعد لتك الرؤية الإستشرافية لإقتصاد عالمي جديد يوازي بين الإنتاج و البيئة و نظام مالي دولي جديد مستدام.

تعتبر التنمية المستدامة اليوم رهان أممي و من أبرز الملفات الدولية التي تحرص كل دولة من تلك الدول علي تحقيق أهدافها منها دعم القطاع الخاص خاصة تلك المشاريع ذات المردودية العالية و الصديقة للبيئة أو عن طريق تحويل التكنولوجيا النظيفة الحديثة من الدول المتقدمة إليها و ذلك من أجل الإسراع لتقليص الفجوة الرقمية بين دول الشمال و الجنوب.

تباطؤ الإصلاحات الهيكلية للإقتصاديات الوطنية

فتلك الأحداث الدولية من حروب و توترات إجتماعية و فيروسات صحية زادت من الأمور تعقيدا عبر آلية وضع السبب علي المسبب أو الدخول في مستنقع وحل تعجز تلك الدول علي الخروج منها و ذلك بدون إيجاد حلول جذرية دائمة لها و التي تسببت اليوم في أضرار جسيمة لتلك الإقتصاديات الوطنية و خاصة من جانب إرتهانها إلي المؤسسات المالية الدولية. ففي المقابل أصبحت بعض تلك الدول تتحمل الجزء الكبير من ذلك العبء في العجز نظرا للدور الذي يلعبه البنك المركزي بإعتباره بنك البنوك و المزود الرئيسي للسيولة المالية اللازمة في الأسواق المالية. إذ تعتبر القروض الخارجية من قبل صندوق النقد الدولي من أجل إجراء إصلاحات هيكلية عميقة في مجملها ذات طابع ترقيعي لعجز ميزانيات بعض تلك الدول و ليس لتخصيصها للإستثمار و دعم القطاع الخاص.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى