رأىسلايدر

مصر ‘الحزام والطريق’.. فوائد متبادلة ومكاسب مشتركة

استمع

بقلم: احمد سلام

المستشار الاعلامي المصري السابق بالصين.. خبير الشئون الاسيوية

تُعد مصر من أوائل الدول التي استجابت لمبادرة “الحزام والطريق”، كما كانت أيضاً أول دولة عربية وأفريقية تعترف بالصين الجديدة، وقد توطدت وتجذرت العلاقات بين مصر والصين، عبر طريق الحرير القديم، ومبادرة الحزام والطريق، بالإضافة إلى إيمان مصر وقيادتها بأهمية التكامل بين مبادرات التنمية المختلفة، لاسيما مبادرة الحزام والطريق، والتي تتسق مع أولويات التنمية الوطنية وأهداف “رؤية مصر 2030” وأجندة تنمية وتحديث أفريقيا 2063.

قبل عشر سنوات، وتحديداً في شهري سبتمبر وأكتوبر عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة “الحزام والطريق”، خلال زيارتين قام بهما إلى إندونيسيا وكازاخستان. وتُعد مبادرة “الحزام والطريق”، والتى يُقصد بها (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين)، من أهم المبادرات التنموية العالمية في القرن الحادي والعشرين، وهي إستراتيجية تنموية في إطار “دبلوماسية التنمية” التي تنتهجها الصين، ويرتكز محور هذه المبادرة على مبدأ “المنفعة المتبادلة”، والترابط والتعاون والمصالح المشتركة بين كافة دول العالم، وتهدف إلى بناء شبكة من التجارة والبنية التحتية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا على طول مسارات طريق الحرير التجاري القديم.

وفي هذا الإطار، كانت مصر سباقة بتفاعلها مع المبادرة، فنجد مصر قد قدمت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس للعالم كمركز لوجيستي واقتصادي يساهم بقوة وفاعلية في تطوير حركة الملاحة الدولية، ويعزز من حرية التجارة العالمية، ويفتح آفاقاً استثمارية رحبة في مجالات النقل والطاقة والبنية التحتية والخدمات التجارية، ليكون محور قناة السويس رابطاً تجارياً واقتصادياً وإنسانياً، يتكامل مع مبادرة “الحزام والطريق”، ويربطها بأفريقيا. وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن أولويات مصر التنموية تتفق ومبادرة “الحزام والطريق”، التي تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين دول المبادرة ومنها مصر، وتدعيم التنسيق فيما بين الدول الاعضاء في المبادرة والعمل على زيادة الاهتمام بمشروعات ربط المرافق بين هذه الدول، وتطبيق سياسات تساهم في زيادة حركة التجارة والتكامل المالي، بالإضافة إلى زيادة التواصل بين الشعوب من خلال تعزيز برامج التبادل الثقافي بين دول المنطقة. ولا شك أن المستوى المتقدم الذي وصلت إليه العلاقات الاقتصادية المصرية- الصينية يُعد ترجمة حقيقية لرؤية الرئيس السيسي التي تقوم على أساس تحويل كل المساعي والعلاقات الدولية لتصب في مصلحة الشعب المصري.

وقد شهدت العلاقات المصرية – الصينية طفرة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث ظهرت في الأفق العديد من النتائج والطاقة الإيجابية التي جلبتها المبادرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر، خاصة في إطار ارتباطها بـ “رؤية مصر 2030”. فمثلاً على المستوى الاقتصادي والاستثماري بين مصر والصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، نجد أن هناك العديد من الأرقام والحقائق. حيث تركزت الاستثمارات الصينية في مصر على المشروعات الصناعية بنسبة وصلت إلى (55%)، وفي مجال البناء وصلت (20%)، وفي قطاع الخدمات وصلت (19%).

وتحرص كل من مصر والصين على العمل في إطار بناء رابطة المصير المشترك بينهما، وكذلك العمل أيضاً على تعزيز التنسيق لتنفيذ العديد من المشروعات في إطار منتدى التعاون الصيني- الأفريقي، وكذا الأعمال المشتركة للتعاون الصيني- العربي، وتعمل كل من القاهرة وبكين على تعميق التعاون في بناء “الحزام والطريق”، وكذلك الدفع بإنجاز مشروع السكة الحديدية للقطار المكهرب “السلام- العاصمة الإدارية- العاشر من رمضان”، وتقوم به شركة “أفيك” الصينية بتكلفة تصل إلى 1.2 مليار دولار أمريكي تمول عبر قرض من بنك الاستيراد والتصدير الصيني يُسدد خلال 20 عاماً، ويشمل سنوات فترة سماح. وتتولى “أفيك” تنفيذ أعمال الاتصالات والإشارات والتحكم بجانب تصنيع وتوريد القطارات لهذا المشروع، في حين تتولى خمس شركات مصرية تنفيذ الأعمال المدنية والإنشائية وتركيب السكة والقضبان، كما أن هناك لمسات صينية بارزة في منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة، ومنطقة العلمين التى اشتهرت بأبراجها التى ساهمت في إنشائها الشركة الصينية للهندسة المعمارية (CSCEC)، ومشروعات التعاون الكبرى بين الجانبين في منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري (تيدا) بمنطقة خليج السويس، والتى تُعد مشروعاً نموذجياً للتعاون في بناء “الحزام والطريق”. ومن أبرز المشروعات للتعاون، نذكر قطاعات التصنيع والبناء وتكنولوجيا المعلومات، واستخراج النفط والغاز، وتشارك العديد من الشركات مثل “سينوبك للبتروكيماويات” و”جوشي” للألياف الزجاجية ومجموعة “نيو هوب” و”تشنخوا” للبترول، وشركة ((إكس دي-إيجيماك)) (XD-EGEMAC) ومجموعة شركة ((ميديا)) المحدودة، وكذلك شركات دولية من مصر والإمارات وكندا ودول أخرى.

وتسعى كل من القاهرة وبكين إلى توسيع التعاون في مجالات الاستثمار والتمويل والتحول نحو الطاقة الخضراء والصناعات الخضراء والتكنولوجيا المنخفضة الكربون والفضاء، والبحث عن مجالات جديدة للتعاون. ومن حُسن الطالع ونظراً لما تتميز به مصر من طقس معتدل وآثار وحضارة، فقد أدرجت الصين مصر في قائمة الدول الأولى للمقاصد السياحية الأجنبية للمواطنين الصينيين، بما يعني أن أعداد السائحين الصينيين سوف تزداد في المستقبل. وكان حجم الاستثمار الصيني في مصر 560 مليون دولار أمريكي في العام المالي 2021- 2022، بزيادة بلغت نسبتها 16% على أساس سنوي، وهو ما يمثل 6.3% من صافي تدفقات رأس المال الأجنبي إلى مصر.

وقد وصل عدد الشركات الصينية المسجلة والعاملة في مصر إلى أكثر من 1500 شركة، باستثمارات تقترب من مليار دولار أمريكي، وتوفر الاستثمارات الصينية في مصر قرابة 30 ألف فرصة عمل مباشرة لأبناء مصر. وتتوزع الاستثمارات الصينية على عدد من القطاعات منها 702 شركة في القطاع الصناعي، و432 شركة في القطاع الخدمي، و70 شركة في القطاع الإنشائي، و79 شركة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، و47 شركة في القطاع الزراعي، و6 شركات بقطاع السياحة. كما أبرم البنك المركزي المصري مع بنك الشعب (المركزي) الصيني اتفاقية لمبادلة العملات في ديسمبر 2017، بمبلغ إجمالي 18 مليار يوان صيني مقابل ما يعادله بالجنيه المصري.

وقد رصدت دراسة هامة قام بها فريق من المعهد القومي للتخطيط في مصر، أن الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر آخذة في التزايد بشكل واضح منذ عام 2013، وهو العام الذي شهد إعلان الرئيس شي عن مبادرة “الحزام والطريق” التي انضمت إليها مصر في عام 2014. ووجدت الدراسة أن نحو 70.6% من الاستثمارات الصينية بمصر تتركز جغرافياً في محافظة السويس، لوقوعها ضمن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس التى يتمتع المستثمر الأجنبى فيها بالعديد من حوافز الاستثمار. وعلى مستوى القطاعات، استحوذت الأنشطة الاستخراجية وتحديداً قطاع البترول والغاز الطبيعي على نسبة 33.7% من هذه الاستثمارات، يليها قطاع الصناعة بنسبة 26.2%، والتى تتوزع في مجالات فرعية، مثل: الهندسة، الغزل والنسيج، الكيماويات، مواد البناء، المجال الغذائي، المعادن، الأدوية، والأخشاب.

ختاماً، يحدوني الأمل في ظل التحولات والوضع العالمي والذى تتبوأ فيه الصين موقعاً هاماً في العالم الجديد متعدد الأقطاب، والذى تمثل الصين فيه دولة قوية في العصر الجديد، أن تكمل الصين مسيرتها التى بدأت بالمصالحة السعودية الإيرانية، وتسعى أيضاً إلى القيام بمبادرات وساطة لإصلاح الصدع بين بعض الدول والتى بينها قضايا هامة ومصيرية مثل سد أثيوبيا، والذى يؤثر على مصر وشعبها بشكل كبير، وذلك في ضوء مشاركة مصر في مبادرة الحزام والطريق، وكذا في إطار انضمامها وأثيوبيا مؤخراً إلى مجموعة البريكس، إضافة إلى مساهمتها في العمل على حل قضايا النزاع في أفريقيا والوطن العربي وقضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ..

وانتهز هذه الفرصة لتهنئة الصين حكومةً وشعباً بالاحتفال بعشر سنوات على المشروع الدولي الهام الحزام والطريق.

Sallamahmed2@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى