رأى

سقوط مروع للغرب وصعود ملحوظ للشرق

استمع

أحمد مصطفى يكتب 

عندما كنا نتحدث عن نظام عالمي جديد منذ عدة سنوات كان اصحاب الاجندة الغربية و الخانعون في المنطقة يسخرون منا، وكأن الهزيمة والانبطاح لصالح العدو الذي يمثل الأجندة الأمريكية كان إدمان مزمن لديهم.

ربما لاستفادة البعض من الوضع الراهن أو ربما عدم تصورهم، وبناءهم لنظريات وكتب تكرس للعيش لفترة غير محدودة مع العدو الصهيوني وهيمنة النيوليبرالية الاستعمارية الغربية.

ولكن بعض الدول الكبرى، من القوة الواعدة، كانت تتحضر للتغيير وخصوصا (روسيا والصين) – وهذا طبقا لاثنين من المقابلات لخبراء التي أجريتها مع اثنين من الدبلوماسيين أحدهما عربي والآخر مسلم خلال منحتى للماستر في موسكو في الاقتصاد السياسي والدراسات الروسية.

وبناء على شهادتهما وشهادة عشرين آخرين، فقد شهد العالم الغربي المعاصر تراجعا في جوانب مختلفة، بما في ذلك البراعة الاقتصادية، والنفوذ السياسي، والتماسك المجتمعي. وهنا نستكشف الأسباب الكامنة وراء هذا الانخفاض مع تقديم تحليل متعمق للعوامل المساهمة فيه وهي كالتالي:

ويُعزى انحدار الغرب إلى عدة عوامل، بما في ذلك الركود الاقتصادي، والتحولات الجيوسياسية، والتحديات الاجتماعية، والتقدم التكنولوجي، وأزمة القيم. وقد تعرض النمو الاقتصادي للضعف بسبب الأزمة المالية عام 2008، وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، والتباطؤ اللاحق في التعافي. فالاقتصادات الناشئة، وخاصة في آسيا وأوراسيا، تكتسب المزيد من الأرض بسرعة بسبب التصنيع، والتقدم التكنولوجي، وتكاليف العمالة التنافسية. وقد أدى هذا النمو الاقتصادي الراكد إلى تقليص قدرة الدول الغربية على الحفاظ على هيمنتها ونفوذها العالمي.

كما لعبت التحولات الجيوسياسية دوراً حاسماً في انحدار الغرب. وكان ظهور دول قوية غير غربية مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) سبباً في تغيير توازن القوى العالمية، الأمر الذي جعل من الصعب على الغرب أن يمارس سيطرته الكاملة على المؤسسات الدولية أو إملاء المعايير العالمية. وقد أدى هذا التآكل في المزايا الاستراتيجية إلى تراجع نفوذها وإضعاف تحالفاتها.

وتشمل التحديات الاجتماعية اتساع فجوة التفاوت في الدخل، والتحولات الديموغرافية، وزيادة التجزئة الاجتماعية، مما يؤدي إلى إجهاد النسيج الاجتماعي، وتقويض التماسك المجتمعي، وإعاقة التقدم. ويخلق تآكل التماسك الاجتماعي فرصاً للشعبوية، والاستقطاب، والجمود السياسي، مما يؤدي إلى إدامة عدم الاستقرار وإعاقة الحكم الفعّال.

كما أدى التقدم التكنولوجي إلى تفاقم انحدار الغرب. وكان ظهور الإنترنت والتكنولوجيات التحويلية سبباً في تكافؤ الفرص، مما سمح للمجتمعات غير الغربية بالتفوق في الأداء على الدول الغربية. إن افتقار الغرب إلى الرؤية المشتركة وانحدار مصداقيته من شأنه أن يقوض مكانته ويجعله عُرضة للتحديات التي تفرضها أنظمة وإيديولوجيات بديلة.

صعود المتعصبين ومتوسطي الخبرة في العالم الغربي هو مؤشر على ضعف الغرب

ويُعزى الضعف الذي يعاني منه الغرب إلى الافتقار إلى الزعامة الحقيقية، والقدرة المحدودة على صنع السياسات، وإلغاء القيم والمبادئ الأخلاقية. وقد أدى هذا إلى ظهور ثقافة العنف والتعصب والتطرف، فضلاً عن زيادة مثيرة للقلق في الانقسامات. لقد فشلت القيادة السياسية في معالجة المشاكل المعقدة وتآكل القيم المشتركة، الأمر الذي أدى إلى ظهور ثقافة النرجسية والجشع والأنانية. وقد أدى غياب القيادة الحقيقية إلى انخفاض قيمة الحياة البشرية وزيادة قوة أولئك الذين يستفيدون من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.

وقد سهّل صعود الشعبوية صعود الديماغوجيين، مما أدى إلى زيادة الانقسامات والتعصب. وكان عجز الغرب عن تشكيل تحالفات دولية ذات معنى كقادة عالميين سبباً في انحدار الحوار والتفاهم الدوليين. ويشير هذا الاتجاه إلى ضعف الغرب، وهناك حاجة إلى الزعامة السياسية والأخلاقية لإعادة التأكيد على الأسس الأخلاقية التي قام عليها الغرب في الماضي والتي يمكن أن توفر الأساس للقيم المشتركة والتقدم في المستقبل.

يبدو أن الغرب سيخضع تحت أقدام بوتين وشي

إن الانقسام المتنامي في الغرب بين القيادة اليمينية واليسارية المتطرفة يخلق وضعا خطيرا حيث يمكن لبوتين وشي جين بينج أن يهيمنا ويستفيدا. فقد أبدى بوتين استعداده للتدخل في السياسات الداخلية للدول الأوروبية، في حين من المتوقع أن يكون شي زعيما عالميا أكثر نفوذا.

إن قوتهم ومواردهم الموسعة ستسمح لهم بممارسة السيطرة على الغرب بطريقة فريدة. ومن الممكن أن يستخدم الزعماء المتطرفون الغربيون خطابهم العدواني لنشر الخوف والكراهية وانعدام الثقة بين أتباعهم، مما يجعل الغرب أكثر عرضة لنفوذهم.

وكان الانتصار الأخير على شرق أوكرانيا على يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبباً في توتر العلاقات بين روسيا والغرب، مع عجز الولايات المتحدة عن تقديم المساعدة للحكومة الأوكرانية. وكانت العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب غير فعالة وأثرت سلبا على أوروبا.

وأصبح الوضع متقلباً على نحو متزايد، مع دفاع موسكو عن مصالحها وحلفائها. ومع عدم رغبة الغرب في إرسال الدعم العسكري والعقوبات الاقتصادية التي لم يكن لها تأثير يذكر، فقد تُركت الحكومة الأوكرانية وحدها في مواجهة الهجوم الروسي. وهذا يضع الولايات المتحدة في موقف حرج في ظل الوضع المستمر في فلسطين، مع عدم وجود خيارات قابلة للتطبيق لدعم أوكرانيا وحماية مواطنيها من العملية الخاصة الروسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى