رأى

“زيارة وزير خارجية الصين” تؤكد الدور المحوري لمصر

استمع

بقلم: أحمد سلام

الخبير بالشأن الصيني والمستشار الاعلامي المصري السابق بالصين

قام وزير الخارجية الصيني وانج يي ، يومي 13 و14 يناير الجاري، بزيارة إلى مصر، ضمن جولته الأفريقية، وجاء اختيار مصر ضمن 4 دول أفريقية سيزورها المسئول الصيني رفيع المستوى، وهي مصر وتونس وتوجو وساحل العاج.

ولم يأت اختيار الوزير الصيني لمصر كأولى محطات جولته المهمة من فراغ، وذلك بالنظر إلى عمق العلاقات المصرية الصينية التاريخية والمتميزة، خاصة وأن مصر تُعد نقطة الارتكاز وبوابة العبور إلى أفريقيا والعالم العربي وأوروبا، كما أن مصر تحتل مكانة مهمة في إطار سعي الصين لبناء وتعزيز شراكاتها مع الدول المركزية في أفريقيا، فضلاً عن أنها تأتي لتثبيت وتأكيد ثوابت السياسة الصينية بالنسبة للقارة الأفريقية ومصر.

توقيت بالغ الأهمية

لقد جاءت زيارة وانج يي إلى مصر في توقيت غاية في الأهمية، سواءً بالنسبة لمصر أو بالنسبة لتطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. فقد انضمت مصر رسمياً مع بداية يناير من العام الجاري إلى تجمع البريكس، والذي تلعب فيه الصين دوراً هاماً ومحورياً. كما جاءت بعد نحو شهر من إعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لولاية جديدة، وتتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ20 لإقامة منتدى التعاون الصيني – العربي. كما أنها تأتي تضامناً مع القاهرة في وقت تتعرض فيه مصر لحملات شرسة من جهات ودول عديدة. وقد جاءت الزيارة أيضاً مواكبة لتسلم مصر أول ثلاثة أبراج إدارية بمنطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، والتي تنفذها الصين. واتصالاً، فقد جاءت الزيارة أيضاً في توقيت تلتهب فيه منطقة الشرق الأوسط بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، إضافة إلى التوترات في البحر الأحمر، والذي يُعد شرياناً هاماً للتجارة للعديد من دول العالم، وعلى رأسها الصين، وهي توترات تؤثر بالطبع على كل من مصر والصين.

دلالات عديدة للزيارة

لقد عكست زيارة وانج يي للقاهرة العديد من الدلالات المهمة، في ضوء المحادثات التي أجراها مع كل من الرئيس عبدالفتاح السيسي، ووزير الخارجية سامح شكري. ويأتي على قمة هذه الدلالات، توافق الرؤيتين المصرية والصينية بشأن القضية الفلسطينية. فمن المعلوم أن الصين تدعم الموقف الفلسطيني وتؤيد حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على حدود 1967. وقد اعترفت الصين بالدولة الفلسطينية، كما أيدت انضمامها كعضو مراقب في الأمم المتحدة، وبالتالي فإنها تدعم انضمام فلسطين إلى عضوية مختلف المنظمات الدولية.

وقدمت الصين، في عام 2013، مقترحاً من أربع نقاط لتسوية القضية الفلسطينية، كان أولها يتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، باعتبار ذلك حقاً ثابتاً للشعب الفلسطيني، وأساس تسوية القضية الفلسطينية. وفي المقابل، يقر المقترح بحق إسرائيل في الوجود، ومن هنا يأت التعايش السلمي بين فلسطين وإسرائيل. النقطة الثانية، تتعلق بطريق السلام بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، حيث ترى الصين أن المفاوضات هي الطريق الوحيد للسلام. أما البند الثالث، فيذهب إلى أهمية قرارات الأمم المتحدة المرتبطة بالصراع، ومبادرة السلام العربية، ومبدأ الأرض مقابل السلام. وفي البند الرابع والأخير ارتكزت الصين على الدور الدولي المنوط به توفير الضمانات الضرورية لتحقيق تقدم في المفاوضات، خاصة في ظل الوضع الملح على الأرض، فضلاً عن أهمية زيادة المساعدات للفلسطينيين في إطار عملية التنمية الاقتصادية. ومن دون شك، فإن بنود المقترح الصيني المشار إليها، تتوافق تماماً مع وجهة النظر المصرية، وكذا مجلس الأمن، ولكن للأسف، فإنها لا تجد أذاناً من جانب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية المنحازة دائماً إلى الجانب الإسرائيلي بشكل فج.

واتصالاً بما سبق، جاء أيضاً الموقف الصيني إزاء الحرب في غزة، فقد أعلنت بكين منذ البداية عن أسفها الشديد لسقوط مدنيين من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، كما أنها أعلنت عن معارضتها للأعمال التي تضر بالمدنيين. وهنا أيضاً فإنها استمرت في استخدام مفردتي فلسطين وإسرائيل، ولم تميز في موقفها بين مدنيين من هذا الطرف أو ذاك. كما أنها أعلنت عن موقفها الرافض لكل ما من شأنه “توسيع نطاق الصراع وتقويض الاستقرار الإقليمي”، مع دعوتها لوقف إطلاق النار في أسرع وقت، وتبنت موقفاً محايداً ولم تنحز لطرف على حساب الآخر. كما رفضت مشروع قرار طرحته واشنطن أمام مجلس الأمن في 15 أكتوبر الماضي، لكونه تجاهل الدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، أو إعطاء هدنة إنسانية دائمة لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وقد عكس البيان المشترك الصادر في ختام محادثات وزيري خارجية مصر والصين، وجود توافق في رؤية البلدين بهذا الصدد. إذ اتفق الوزير المصري ونظيره الصيني، على ضرورة الوقف الفوري والكامل لإطلاق النار، ووقف كافة أعمال العُنف والقتل واستهداف المدنيين والمنشآت المدنية، ورفض وإدانة كافة انتهاكات القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك النقل الجبري الفردي والجماعي والتهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم، كما تم التأكيد على الدعوة إلى الإفراج عن الرهائن والمُحتجزين من الجانبين. كما أعرب الوزيران عن القلق الشديد إزاء الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، والمعاناة اليومية التي يشهدها أهل القطاع، وتأكيد أهمية النفاذ السريع والآمن والمستدام ومن دون عوائق للمساعدات الإنسانية بصورة كافية إلى قطاع غزة، وضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2720، وما تضمنه من إنشاء الآليات الإنسانية اللازمة بالقطاع. وقد أشاد البيان المصري الصيني المشترك بالدور المصري والجهود المصرية الحثيثة بالقضية الفلسطينية وبالتطورات الأخيرة في قطاع غزة، لافتاً إلى أن الدور المصري يعمل على استمرار إحياء القضية الفلسطينية.

وكذلك الأمر فيما يتصل برؤية البلدين إزاء الأوضاع الملتهبة في البحر الأحمر، إذ أعرب الجانبان عن متابعتهما الحثيثة لتطورات الأوضاع فى البحر الأحمر وأهمية قراءة تلك التطورات ارتباطاً بالأوضاع في غزة باعتبارها مسبباً رئيسياً لها، كما أعربا عن القلق إزاء اتساع رقعة الصراع بالمنطقة، مع التشديد على أهمية تكاتف الجهود الدولية والإقليمية من أجل الوقف الفوري للاعتداءات على قطاع غزة، والعمل على خفض حدة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، كذلك أكدا على أولوية تأمين سلامة وأمن الملاحة في البحر الأحمر. كما أعربا عن تقديرهما للجهود المبذولة من قبل بعضهم البعض لتهدئة الأوضاع في المنطقة، واحتواء تداعيات الأزمة الإنسانية الراهنة في قطاع غزة، والعمل على إنهاء الحرب في غزة ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعم الجهود المصرية لتحقيق المصالحة. واتفق الجانبان المصري والصيني على استمرار التواصل والتنسيق لإيجاد حل دائم وشامل وعادل للقضية الفلسطينية وفقاً للمُحددات الدولية ذات الصلة.

وختاماً، فإن زيارة وانج يي لمصر في بداية جولته الأفريقية، وما تمخض عنها من تنسيق في رؤى ومواقف البلدين تجاه الحرب في قطاع غزة وتداعياتها على المنطقة، تعكس المكانة المهمة التي توليها الصين لدور مصر على المستويين العربي والأفريقي. كما أنها تشير إلى أن العلاقات الثنائية بين القاهرة وبكين بقيادة الرئيسين عبد الفتاح السيسي وشي جين بينغ، تؤكد وجود ثقة تامة في الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وأن العلاقات مقبلة على عهد أكثر إشراقاً بالمستقبل، حسبما أشار إلى ذلك وزير الخارجية الصيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى