رأى

بص العصفورة!

استمع

بقلم: محمد محسوب مصطفي السنباطي

جميعنا يعلم أن وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد على المعلومات المحفوظة في قاعدة بيانات خاصة بنا جمعت منا مباشرة أو عبر موقعنا الجغرافي وتفاعلاتنا ومشاهداتنا ومشاركاتنا وقوائم الأصدقاء ومصادرنا الإخبارية وتقوم بعرض المواد التي تلبي أذواقنا وهدفها الحصري هو أن نقضي وقتاً أطول على هذه الشبكات. وبهذا تستغلنا هذه الشبكات تسويقياً، إلا أن الكثير منا لا يعلم أنه بهذا يقع في دائرة الأفكار المكررة، لا يقرأ أو يشاهد شيئاً لا يتناسب مع ذوقه أو ذوق الدائرة المحيطة به من الأصدقاء، بل يستطيع المستخدم أن يحذف ما لا يتناسب مع أفكاره من منشورات ويمكنه حجبها أيضاً، وبهذا يدخل المستخدم في دائرة عزلة فكرية وتشرب أفكار من زاوية واحدة فقط.

اللعنة.. كم أكره الاعتراف بأنه يتم التلاعب بنا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة “السوشيال ميديا” ، فهي بارعة في فن التلقين والتلاعب بالمشاعر وذلك عبر النشر المستمر لمحتوى معين من زاوية معينة الأمر الذي يؤدي إلى إعادة تشكيل فكر مستخدمها وفرض سطوة اجتماعية عليه دون أن يشعر ، فلو دخلت في نقاش مع أحدهم حول موضوع ما قد ترى تعصب غريب لكم تكن لتعهده قبل سنوات، والحقيقة أنه لا يوجد لهذا التعصب أي مبرر نفسي سوى تأثر المستخدم بما يشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي ووصوله لمرحلة التخدير النفسي الذي يؤدي إلى التطرف الفكري ورفض الآخر.

هذا التلاعب الخفي في مشاعر الناس فرض هندسة اجتماعية جديدة بدأنا نرى أثرها في حياتنا اليومية، فأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي مرتعاً للأفكار الغريبة والأخبار الملفقة أو المجتزئة التي يقوم بنشرها خلايا سوداوية لها أهداف معينة تستغل الدين والمذهب وغيرها وأصبح الكثيرون حتى المثقفون منهم يتبادلون هذه الأخبار الملفقة والأفكار الغريبة دون كامل إدراك بما يفعلون. الخطر الأكبر يكمن في التأثير على النشء فهم الأكثر عرضة للتأثر بالأفكار الغريبة والمتطرفة بسبب قلة الخبرة خصوصاً في مرحلة النضج.

ولعل هذا ما ظهر جليا في بعض المواقف والأحداث التي مرت بنا خلال الفترة الماضية، فالحرب على غزة شاهد اثبات على هذا التوجيه منذ بدايتها، فالمطالبات بالمقاطعة للنصرة هي واجب وطني للتضامن، في حين أن المطالبة بالامتناع عن شراء سلعة ما للعمل على الحد من ارتفاع الأسعار هي محاولة فاشلة لإخفاء الانهيار الاقتصادي، ليس هذا فحسب فنشر العبارات والفيديوهات الإيجابية الداعمة لأهل غزة هو مطلب عام في حين نشر المقاطع الساخرة من بلدنا والذي يؤدي إلى زيادة حالة من الاحتقان الداخلي هو من باب الدعابة ومن باب “شعب دمه خفيف” … قبل أن تبدأ في مهاجمتي عزيزي القارئ أعلم تماما أنني أدعو الله لأهل غزة وأحب و أدعم صمودهم إلا أن بلدي تأتي أولا .. لو فكرت معي بحيادية سترى أنه يتم توجيهنا لإحداث انفجارا داخليا يزيد من صعوبة الأمور.

لنأخذ هدنة ونتوقف عن الحديث عن غزة وندعو الله لهم بالثبات والنصر، ولتسمح لي بأن اذكرك عزيزي القارئ بموقف الكثير من رواد “السوشيال ميديا” من اللاعب “محمد صلاح” الذي تم تصويره على أنه فتي مدلل هرب من تمثيل بلده وفر خائنا إلى ناديه الإنجليزي، في الوقت نفسه ومع ثبوت كذب تلك الإدعاءات هل هناك عزيزي القارئ من تقدم بالاعتذار إليه مثلما استباح اتهامه؟ اعتقد أنه تم توجيه أنظارنا نحو “محمد صلاح للتستر على فساد إداري كبير يحتمي بقانون الفيفا الذي يمنع من التدخل في شئون إدارة الكرة، فكثير منا تناسي إخفاق المنتخب والراتب الخرافي الذي كان يتقاضاه المدرب وعوضا عن البحث عن أسباب الفشل تم توجيهنا إلى الاحتفال بتولي مدرب وطني لقيادة المنتخب.

ملحوظة جانبية: هل تعلم عزيزي القارئ أن خبراء الحرب النفسية قد استغلوا السرعة المدهشة التي تنقل بها النكتة بين أوساط الشعوب، فتجدهم قاموا بتصميم إشاعة مغرضة على شكل النكتة للاستفادة من عذوبة (النكتة) وسرعة انتشارها ومن براءتها ك(فكاهة) لدس السم وتحقيق أهداف دعاية عدوانية محددة، الأمر نفسه بالنسبة للرسوم الكاريكاتيرية التي تستخدم أيضاً أسلوب ناجح لنشر الإشاعة لما فيها من قوة جاذبية بعيدة الأثر والمدى وإمكانية انتشارها بين المستويات الثقافية المختلفة .

لن أقف كثيرا أمام المسميات، يمكنك أن تسميها (حرب نفسية/ حرب العقول / حروب الجيل الرابع والخامس) فجميع هذه المسميات تعني مضموناً واحداً بأساليب متنوعة، ورغم أن التعريفات التي حاولت الإحاطة بهذا النوع من الحروب عديدة إلا أن جميع التعريفات اتفقت على ما يلي : هي حرب نفسية متميزة بأدواتها وأسلحتها وأهدافها ، ولها تكتيكاتها واستراتيجياتها ، فهي جزء أساسي من الصراع بين الدول وهي حملة شاملة تهدف التغلغل إلى ثوابت القيم والقناعات الراسخة وإلى الروح المعنوية عند الجيوش والشعوب على السواء بهدف آسرها وتفتيتها والاستيلاء عليها ثم إعادة المواقف والقناعات بما يتلائم مع أهداف الجهة التي تشن تلك الحرب .

ختاما: أعلم عزيزي القارئ ما يعنيه الوطن لك وأنك تذوب عشقا فيه، إلا أنني أخشى عليك من أن يتم توجيهك وتوجيه حبك ليصبح خنجرا في ظهر الوطن وتتحول أنت معه إلى جندي في جيش العدو الذي مازال يهمس لك بإلحاح شديد “بص العصفورة”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى