إقتصاد

على ضفاف النيل.. المملكة المغربية تحتفل بعيدها الثامن عشر أمس وحصاد عرش 18 سنة

استمع

تقرير: أشرف أبو عريف

علي ضفاف النيل، احتفلت أمس الأحد  سفارة المملكة المغربية في العاصمة المصرية بعيدها الوطني الثامن عشر لتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم واعتلاءه العرش.

وشارك في الإحتفال العديد من الدبلوماسيين والإعلاميين ورجال الفكر والثقافة. وكان في استقبال الضيوف السفير أحمد ا وأعضاء السلك الدبلوماسي بالسفارة

ومن المعروف أن العيد الوطني في المغرب هو ذكرى تربع ملك المغرب على العرش، وهو مناسبة وطنية يحتفلُ بها ابتداء من 30 يوليو/تموز كل عام.

وبهذه المناسبة نرصد حصاد عرش 18 سنة من الإنجازات للملك محمد السادس، فقد شهد المغرب منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، عرش أسلافه الميامين في يوليوز 1999 تحولات عميقة ومنجزات كبرى في مختلف الميادين “إصلاحات سياسية وحقوقية واقتصادية واجتماعية وثقافية، أسهمت في دعم جهود التنمية المستدامة وإبراز دور المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي”، حيث أخذ على عاتقه الارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول المتقدمة.

وان المغرب قد طوى مرحلة مهمة من تاريخه السياسي المعاصر الأكثر تدافعا وجدلا على كافة الأصعدة، وهي فترة بدأت من الانتقال السلس للحكم في مغرب جديد ذي قاعدة شبابية متطلعة إلى التغيير والديمقراطية والعدالة في توزيع الثروة، وانتهت بتراكم سياسي تمثل في عبور مرحلة ما يسمى “الربيع العربي” بطريقة سلسلة أيضا، من خلال وضع دستور جديد واستيعاب التحولات المستجدة على الساحة الإقليمية والدولية، وهي تحولات لعبت فيها أيضا الملكية في شخص الملك محمد السادس الدور المركزي والأساسي، عبر مبادرة الملك إلى إطلاق ورش التغيير الدستوري وطرح الوثيقة الدستورية الجديدة للاستفتاء الشعبي والتي استحق من خلالها المغرب “لقب” الاستثناء المغربي بكل جدارة واستحقاق وجعله محطة إعجاب وتقدير من الشعوب والدول العربية والمغاربية وكذا من محيطه الإقليمي والدولي الذي أشاد بالتجربة المغربية واعتبرها جديرة بالتنويه.

ورث الملك الحالي إرثا ثقيلا من عهد والده، تمثل في حجم التحديات الكبرى التي بقيت مطروحة من مرحلة الانفتاح الديمقراطي المحدود الذي دشنه الملك الراحل عبر التناوب التوافقي الذي وضع حدا لصراع مديد بين القصر والمعارضة التقليدية السابقة، وهي تحديات ذات طبيعة سياسية، من حيث تكريس المزيد من الانفتاح الديمقراطي والشفافية والمصالحة بين الشعب والدولة، بعد المصالحة بين الدولة والمعارضة القديمة، كما هي تحديات ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية، من حيث تكريس المزيد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، والعدالة في تقسيم الثروة وضمان الحياة الكريمة للمواطن، كما هي تحديات أيضا ذات طبيعة ثقافية، من حيث تكريس التعددية الثقافية والاعتراف بالمكون الأمازيغي، الذي ظل الجدل حوله واحدا من سمات العهد السابق.

وتشكل كلمة المصالحة المفتاح الرئيسي في قراءة العهد الجديد للملكية المغربية منذ العام 1999، فقد مثلت المصالحة المدخل الرئيسي في صوغ مشروعية الملكية لما بعد تلك المرحلة مباشرة، وشكل ذلك نوعا من التقويم للعهد السابق وإطارا جديدا لإعادة تركيب معادلة العرش والشعب التي كانت قائمة في السابق على مشروعية النضال المشترك ضد الاستعمار، وأصبحت قائمة في العهد الجديد على السير المشترك نحو إصلاح الأعطاب السابقة للدولة ومد جسور الثقة بين الدولة والمواطن.

وظهر هذا التوجه بداية في الاهتمام الملكي بالمنطقة الشمالية والشرقية منذ الأشهر الأولى لتولي محمد السادس للحكم، وتمثل في الجولات والزيارات التي قام بها الملك للمناطق والأقاليم التي كان الملك الراحل يضعها ضمن المربع المغضوب عليه في مملكته، بسبب تركة الماضي السياسي اللاحق على مرحلة الانعتاق من الاحتلال الفرنسي وسنوات المواجهة بين القصر والمعارضة. كما تمثلت تلك المصالحة أيضا في مسعى الملك الجديد إلى طي صفحة الماضي والتصالح مع الذاكرة الوطنية، من خلال تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة وتعويض ضحايا ما سمي بسنوات الرصاص على عهد المرحلة السابقة، ثم في خطاب أجدير الشهير عام 2001 الذي أطلق فيه الملك المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكان في اختيار المكان لتوجيه الخطاب دلالة سياسية كبرى تسير في منحى مصالحة المغرب مع ماضيه وذاكرته التاريخية.

وقد أطلقت هذه المصالحة دينامية سياسية وثقافية جديدة في المغرب، إلى درجة أن مرحلة ما بعد تولي الملك محمد السادس الحكم أصبحت تنعت بالعهد الجديد، كناية على الانتقال الشامل والقطيعة مع العهد السابق وأسلوبه في الحكم والتسيير، وهو ما كان وراء ميلاد”المفهوم الجديد للسلطة” أيضا في تلك المرحلة، إذ بدا المغرب وكأنه عاش ربيعه قبل أزيد من عشر سنوات من ظهور” الربيع العربي” عام 2011.

وقد تكثفت الإشارات الملكية القوية اتجاه الإصلاح والتغيير منذ السنوات القليلة الأولى لحكم محمد السادس، فبعد هيئة الإنصاف والمصالحة وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تم وضع مدونة جديدة للأسرة بهدف الانتصار أكثر لفائدة القضية النسائية، في مرحلة كانت تشهد تراشقا واستقطابا حادين داخل المغرب بين توجهين متضاربين، سرعان ما تدخل التحكيم الملكي لفضه بعد المعركة الشهيرة التي قسمت المشهد السياسي والمعروفة بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية ناهيك عن اصلاح الحقل الديني لإخراجه من أي استغلال سياسوي اوطائفي وجعله مجالا محفوظا لإمارة المؤمنين في إطار خصوصية مغربية توازن بين ثوابت المملكة الدينية والانفتاح على قيم الحداثة والديمقراطية.

أظهرت تلك الإصلاحات ـ على الرغم من بعض الانتقادات التي صاحبتها ـ عزم المغرب على وضع آليات الانتقال نحو الديمقراطية، بيد أنها كشفت بالتالي أن المغرب أدرك مبكرا أهمية الانخراط في مسلسل الإصلاح باعتبار الظرفية الإقليمية والدولية التي لم تعد تستدعي المزيد من الصمت اتجاه ضرورة الإصلاح ونبض الشارع. وهكذا لوحظ أن الملك سارع ـ بعد اندلاع أحداث تونس فاتحة ما سمي بالربيع العربي ـ إلى إلقاء خطاب قوي يوم 9 أبريل من سنة 2011 أطلق فيه مسلسل المشاورات حول صياغة دستور جديد، وتم تشكيل لجنة خاصة كلفت بإجراء مشاورات ومفاوضات مع الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمدنية، قاد في نهايته إلى وضع نص دستوري جديد، ثم إجراء انتخابات يوم 25 نونبر من نفس السنة.

ان أهمية ما حصل منذ بداية حراك الشارع المغربي تكمن في أن الملكية كانت الأسرع إلى التقاط إشارات التغيير ورمي الكرة في الساحة السياسية والمبادرة إلى طرح مشروع للإصلاح، من أجل تنفيس الاحتقان الداخلي. ذلك أنه في ظل الجمود الذي يطبع المشهد السياسي بالمغرب وعجز النخب الحزبية عن صياغة أفكار جديدة للإصلاح يبقى الفراغ أخطر ما يهدد استقرار الملكية في البلاد، وقد أظهرت أحداث” الربيع العربي” بطء هذه النخب في التجاوب مع الرياح الجديدة التي هبت على المنطقة والمغرب، مما جعل المؤسسة الملكية تظهر في صورة المبادر إلى هذا التجاوب، من خلال الخطاب الملكي المشار إليه، والذي أصبح بالنسبة للفاعلين اليوم في المغرب يؤرخ لنهاية مرحلة وبداية أخرى، في اعتراف واضح بأن المبادرة جاءت من الملك وليس من النخب الحزبية والسياسية.

وفي الخيارات الإستراتيجية، أبقى محمد السادس قضية الصحراء المغربية – الهمّ الأكبر لأي حاكم مغربي – في الإطار الذي وضعه الحسن الثاني “الصحراء مغربية وأي حل للنِّـزاع حولها، يجب أن يضمن لها السِـيادة المغربية”، لكن محمد السادس، كان أكثر مُـرونة في التّـعاطي مع مـُعارضي هذا الإطار، ليخفِّـف عن كاهل بلاده الكثير من أوراق ملف حقوق الإنسان، التي كان يوظفها اعداء الوحدة الترابية في عهد الملك الراحل ضد المغرب.

وفي هذا الإطار، تحرّك محدِّدا سياسته أو مقاربته للنِّـزاع وتسويته. إن النزاع أساسا مع الجزائر وأن تسويته لا تكون إلا بحلّ سِـلمي يُـرضي جميع الأطراف، ومن هذا المُـنطلق، طرح في عام 2005 مُـبادرة منح الصحراويين حُـكما ذاتيا تتمتّـع سلطاته بصلاحيات واسعة تحت السيادة المغربية، ويتمسّـك المغرب بمبادرته، التي لقِـيت تفهُّـما دوليا، ويرفض البحث في غيرها، وقطعت الطريق على المشاريع الانفصالية المدعومة من الجزائر. ولكي تعطي الملكية مصداقية اكثر لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء طرح مشروع الجهوية المتقدمة كمقاربة ترابية تنموية لاستكمال بناء دولة المؤسسات فى خطابه الشهير بمناسبة المسيرة الخضراء سنة 2010.
وفي المدن الصحراوية، كانت السلطات تتلمس تدبيرا يُـحافظ على أمن المنطقة، دون انتهاكات لحقوق الإنسان، فتوقّـفت منذ الاضطرابات التي عرفتها المنطقة في مايو 2005 عن ملاحقة الانفصاليين المؤيِّـدين لجبهة البوليساريو أو مَـن يُـطلق عليهم “بوليساريو الداخل”، ولم تعُـد تعترض سفرهم وعودتهم للبلاد بجوازات سفر مغربية.

وقد جاء هذا الانفتاح، حقيقة في سياق الانفتاح الذي تعرفه المملكة، وامتدادا للورش الحقوقي الكبير الذي دشنه ورعاه الملك والذي مثل بحق نقلة نوعية في تاريخ المملكة وعلامة فارقة في تاريخ السجل الحقوقي المغربي.

وفي نفس السياق لم تكتفِ مملكة محمد السادس بالانفتاح على منظمات حقوق الإنسان وتوسيع هامش الحريات، بل ذهبت خطوة أبعد من ذلك، بتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة في خريف عام 2003، لتقرأ صفَـحات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وجبْـر ضرر الضحايا وعائلاتهم ومناطقهم، كخطوة نحو المصالحة.
ورغم الانتقادات التي وجِّـهت للهيئة، كون مهمتها اقتصرت على سنوات الرّصاص (1956 إلى 1999) وتحاشت الإقتراب من الجلاّدين، وذهابها نحو منهجية الإفلات من العِـقاب، فإنها سجّـلت صفحة إيجابية في هذا الميدان ولقِـيت صدىً إيجابيا أثناء بثّ جلسات استماع الضحايا مُـباشرة على شاشة التلفزيون الحكومي.

وكان لسياسة الإنفتاح هذه والحريات السياسية والاجتماعية حافزا رئيسيا للإستثمار الأجنبي بالمغرب، والذي استفادت منه البلاد. ولاستقطاب هذه الاستثمارات، التي تركّـزت في الميدان العقاري والسياحي والخدماتي، والحصول على صِـفة شريك متميز مع الاتحاد الأوروبي، ذهب الملك محمد السادس بعيدا في تهئية البنية التحتية للاستثمار، إن كان من خلال فتح المجال الجوي لحركة الطيران الرخيص وتطوير المطارات وزيادة ملموسة في الطّرق السيارة، التي انتقلت مسافاتها من 210 كلم في عام 1999 إلى أكثر من 2000 كلم حاليا، ومئات أخرى في طَـور الإنجاز أو في إطار المخطط المستقبلي، وأنجز في المغرب الميناء المتوسطي، الذي يُـعتبر الأهم على حوض البحر المتوسط، وأعلن عن تجهيز الميناء المتوسطي الشرقي، القريب من مدينة الناضور.

ويذكر مسؤول مغربي أن محمد السادس قال مرّة، إنه لن يرتاح إلا إذا وصل المغرب إلى حال “لا يشعر القادم إليه فيه من الضفة الشمالية للبحر المتوسط، بأي فارق”. المسؤول المغربي كان يتحدّث في أسباب الانكفاء المغربي عن دوره العربي والدولي، الذي كانت تلعبه مملكة الحسن الثاني. فالعاهل المغربي نادِرا ما يحضر قمة عربية أو إسلامية، ونادرا ما يقوم بزيارة عمل لدول عربية وإسلامية.

ويقول المسؤول إن محمد السادس بعد جولاته العربية والإسلامية الأولى وحضوره القِـمم التي عُـقدت خلال عامي 1999 و2000، وجد أن الانشغال بالتنمية الداخلية له مردودية أكبر وفائدة ملموسة، لأن الوضع العربي والإسلامي لا يشجِّـع على البحث عن دور، وحتى بالنسبة لـ “لجنة القُـدس الإسلامية” التي يرأسها، فقد وجد أن الإهتمام المباشر بأوضاع سكان المدينة ومقدّساتها والفلسطينيين عموما، أكثر فائدة من عقد اجتماعات تُـصدر بيانات رنانة جوفاء تبقى حبر على ورق. من هذا المنطلق عرفت لجنة القدس في عهد الملك محمد السادس نشاطا محموما من خلال انجاز مشاريع نوعية لفائدة القدس والمقدسيين وهو ما اشاد به الفلسطيين أصحاب البيت قبل غيرهم.

وعلى صعيد منطقة المغرب الكبير، أدرك جلالته أن أي تفكير لعمل جماعي مغاربي، رهين بتطبيع وتعاون جزائري مغربي، وهو ما جعل الملك محمد السادس يوجه في أكثر من خطاب للعرش نداء الى الجزائر لفح الحدود والتعاون ولكنه تبين –لللاسف الشديد- ان التعاون هو ليس ضمن الأجندة الجزائرية على الاقل في المدى المنظور بل اعتمدت بدلا من ذلك أسلوب التآمر على المغرب ووحدته الترابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى