رأى

بين النقد والعاطفة.. أزمة الإسلاميين

استمع
2014091712143-287476811.123
مدير مركز برق للأبحاث (تركيا -قطر) – ناشط في مجال المجتمع المدني

أشهد أنك كذاب، وأن محمدًا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إليّ من صادق مضر.. بهذه الكلمات أجاب عمير بن طلحة مدعي النبوة في عصره مسيلمة الكذاب حينما جاء ينظر صدق دعواه، وبالرغم من أنه وصل إلى الحقيقة وعرفها إلا أن نزعة النسب والانتصار للأعراق جعلته صاحب أشهر عبارة على مر تاريخ العرب يستدل بها في مواطن معاندة تصديق الحق وإنكاره بعد الوصول إليه.

تكاد تتفق الحركات والأحزاب المعاصرة الإسلامية في مضامينها وخطاباتها المختلفة على ثلاثة أمور:

الأول: دور الشباب في البناء والتغيير والتأسيس لعصر جديد.

الثاني: أهمية النقد الذاتي والمرونة في تقبله والانفتاح عليه والتكامل مع الآخر.

الثالث: التركيز على الجوهر والمضمون والابتعاد عن المظاهر وتقديس العناوين.

في الحقيقة لست بحاجة للتحري والتدقيق كي ترى جليًا ندرة بل ويكاد يكون انعدام تلك الأسس في صفوف تلك الجماعات والأحزاب، وبالرغم من وجود ملامح ثورة شبابية داخل الصف الحركي لتلك الجماعات إلا أن موقفًا عاطفيًا واحدًا من قِبل جلاد أو ديكتاتور يكون كافيًا لهدم كل ما تم إنجازه في طريق النقد وإعادة الشباب المتذمر الطامح لتغيير الواقع إلى المربع الأول الذي كبلهم وآباؤهم لعقود طويلة.

* مظاهر الصراع !

سأسمح لنفسي باقتصاص ثلاثة مشاهد من الذاكرة المتراكمة خلال قرنين من الزمان:

نجم الدين أربيكان: في بداية صعود حزب العدالة والتنمية أي قبل حوالي الـ 13 عامًا، كنا نرى النقاد والكتاب لحزب الرفاة  بزعامة البروفيسور أربيكان – الذي انشق عنه أردغان ورفاقه – يسلطون الضوء على أخطاء نجم الدين أربيكان الذي بدا عجولاً وقليل الخبرة من وجهة نظرهم بالتعامل مع الجو المحيط إبان فوز حزبة برئاسة الوزراء وطرحه السريع لتغيير التراث العلماني الذي أرسى قواعده أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.

الملفت في الأمر أن ذات النقاد بدوا مختلفين كثيرًا أو ربما متناسين كل ما كتبوه حينما تعرضت حركة الإخوان المسلمين للمحاصرة والتضيق الممنهج وبدأت الأقلام تكتب عن فشلها في إدارة مصر وانتهاء مشروع الإخوان كحركة سياسية وإلى الأبد خاصة بعد نجاح مخططات العسكر بانقلاب 30 يونيو.

هنا بدأ أصحابنا بتسليط الضوء على التجربة التركية كعملية متكاملة متراكمة بدأها نجم الدين أربيكان وانتهت بأردغان.

نجاح الانقلاب وإعدام مرسي: عندما أعلن عن فوز مرشح الإخوان د.محمد مرسي في مصر عبر صناديق الاقتراع لم تفتأ قيادات الصف الأول والثاني في جماعة الإخوان المسملين  بل وحتى مناصريها بسرد الشواهد التاريخية على انتصار مشروع الإخوان كجماعة والذي جعلوه امتدادًا لدعوة الإمام الشهيد حسن البنا كما كان المزاج العام في الصف الحركي الإسلامي مزاج المنتصر بعد خوض ألف معركة.

هذه اللحظة كانت كافية لنسف كل ما بناه التيار الإصلاحي في الفكر الإسلامي السياسي والذي تمثل بشكل رئيس في فكر الغنوشي وعصام البشير والريسوني وغيرهم.

وأصبحت ترى بوضوح اللسان الحاد المنتقد لكل رواد الإصلاح والنقاد للحركة الإسلامية باعتبار أنها قد قطفت الثمار ونجحت بالوصول لقيادة الدفة السياسية، لكن الأمر لم يدم طويلاً وجاء انقلاب 30 ينويو مقوضًا أحلام الكادحين.

منذ اللحظة الأولى لنجاح العسكر في مشروع الانقلاب المخطط على حكم د. محمد مرسي وفض كل تجمعات المعتصمين الرافضة له والمؤيدة لشرعية الصندوق الانتخابي، سرت حركة نقد قوية المعالم داخل الصف الحركي الإسلامي وخاصة بين إسلاميي مصر وسوريا، حيث بدأت حالة المقارنة القاسية والصريحة بين تجربة مصر وتركيا وحصر الأخطاء التي ارتكبها الإسلاميون في مصر والتي أدت لنجاح مخططات الآخرين وفشلهم والمشاركة في إضاعة حلم ثوري شعبي جميل.

في الواقع لم تدم هذه الصحوة طويلاً فبعد قيام العسكر في مصر بفض اعتصامي رابعة والنهضة بطريقة دموية بدأت العاطفة بالسيطرة على معظم رواد الصف النقدي داخل الحركة الإسلامية وكان كلما قام العسكر بأفعال تلهب العاطفة عاد النقاد للمربع الأول وبدأوا بقلب الحقائق وتبرير الأخطاء  التي أكدوًا سابقًا وفي أكثر من منبر أنها سبب فشلهم في تحقيق منجزات ملموسة على جميع المستويات.

أردغان (المهدي المنتظر): أثار الرئيس التركي وزعيم العدالة والتنمية (المنشق عن تيار الإخوان المسلمين التقليدي) رجب طيب أردغان جدلاً واسعًا داخل الصف الحركي الإسلامي، بل كان نقطة خلاف وحوار دائم بين المتصارعين في وجهات النظر.

فهو الرمز الوحيد من أبناء الصف الفكري الإسلامي الذي خطا بحزبه للوصول إلى منبر سياسي قيادي كما استطاع الاستمرار فيه، وبحسب مراقبون فإن مشروعًا كالذي بناه هذا الرجل يعتبر ناجحًا بكل المقاييس عدا عن كونه واضح الروية والأهداف ويملك نظرة إستراتجية بعيدة المدى لكنه في ذات الوقت يتعارض مع ما يزيد عن 60% من التراث الذي تربى عليه أبناء الحركات الإسلامية ومازال يدرس لهم.

قيادات في الصف الحركي الإسلامي مازالوا متمسكون بتبرير أنه فقه مرحلة وأن الوقت لم يحن بعد ليكشف أردغان عن مشروعه الحقيقي المتوافق مع رؤيتهم حتى بعد مرور 13 عامًا على البدء به.

أردغان الذي تمت ماهجمته بشدة حينما خطب في مدرج جامعة القاهرة عن أن طريق نجاح مصر هو الحكم العلماني، هو ذاته أصبح البطل الحقيقي والمنقذ الوحيد والأمل المنتظر في عيون منتقديه ومتهميه بالجهل من أنصار مقولة “مصر ليست تركيا” حينما وقف مضادًا وصرح بخطابات نارية ضد الانقلاب.

كان أرودغان مدركًا بأن نظام الحكم في مصر يمر بمرحلة مشابهه لحالة الاستعصاء التي مر بها حزب الرفاة وزعميه الراحل أربيكان.

أردغان الذي سارعت العواطف لجلعه بطلاً حينما يرسم الخطوط الحمراء في خطاباته ضد نظام الأسد وفتحت عليه سيل النقد والتخوين حينما توجه إلى إيران لتحقيق مصلحة بلاده وشعبه.

ومازال أبناء الصف الحركي الإسلامي يغضبهم موقف ويرضيهم تصريح، هم أكثر الناس حديثًا عن الثبات في المواقف والمبادئ.

إن التحدي الحقيقي أمام الحركة الإسلامية هو السير بثبات وجرأة ووضوح في خط النقد ومتابعة تحقيق نتائجه مع التفاعل الواضح والعلني لكل قضايا الحق حول العالم على أسسس عامه شاملة تجمع ولا تفرق بعيدًا عن الحزبية أو العاطفة الدينية.

فما الضير في أن أتفاعل رفضًا مع حكم إعدام مرسي وقيادات الإخوان مع التأكيد على أنهم ارتكبوا الأخطاء التي كانت سببًا في وصولنا إلى هذه الحال وسببا رئيسًا في نجاح مخططات العسكر بانقلابهم على أحلام الشعب؟

ما الضير أن أعلن احترامي لمحاولات نجم الدين أربيكان الفاشلة مع تسليط الضوء على أسباب الفشل وطرق الوقاية منها مع التأكيد أن الأخير لم يكن لينجز يومًا على صعيد العمل أو البناء، وأنه لولا انشقاق أردغان وجماعته والعمل بأسس مختلفة تمامًا وكسرهم لأقفاص حزبهم القديم لما استطاعوا أن يخطوا خطوة نحو الأمام ولكانوا اليوم من أصحاب الخطابات الرنانة التي تلهب حماس الجماهير لحظة انطلاقها ولا يدوم أثرها طويلاً؟

ما الخطأ في التصريح بأن منهج أردوغان السياسي لا يشبه  جل ما تم ويتم التربيه عليه داخل الصف الحركي الإسلامي وأن قواعد لعبة السياسية لا يمكن إدارتها عن طريق العاطفة الدينية والخطابات الجوفاء التي بنت الحركة إلإسلامية معظم أفعالها عليها؟

إننا بحاجه لوعي جماعي أكبر يترافق مع الفعل الواضح والجرئ حتى نصنع واقعًا مختلفًا.

وفي الختام هناك سؤال يطرح نفسه: هل بإمكان التيار السياسي الإسلامي أن يلملم جراحه ويتعافى من جديد مكونًا واقعًا سياسيًا يتشابه في الأسس (بعيدًا عن الاستنساخ)  مع المنهج الذي خطته تركيا وماليزيا؟ أم هل يعيد التاريخ نفسه ليمر بذات المنحنى الضيق الذي سلكه حزب الرفاة والذي أعلن عن وفاته قبل أن يبدأ؟

وما أشبه اليوم بالأمس!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى