إقتصاد

العربى يُحمِّل مجلس الأمن مسؤلية تداعيات المخاطر الجسيمة فى الشرق الأوسط

استمع

arby_1

مهند أبو عريف

يأتي انعقاد هذه الجلسة لمجلس الأمن اليوم، ومنطقة الشرق الأوسط على اتساعها تواجه تحديات ومخاطر جسيمة يتحمل مجلس الأمن مسئوليات سياسية وقانونية وأخلاقية كبرى إزاء مجرياتها وتداعياتها الخطيرة على مستقبل شعوب ودول المنطقة بأسرها، ومع ذلك فإننا نجد أن مجلس الأمن لا يصدر قرارات تتعلق بمعالجة الأزمات الكبرى المشتعلة في المنطقة، ليس فقط في فلسطين، وإنما في سوريا أيضاً، إضافة إلى مواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية التي اتخذت من المنطقة مرتعاً لنشر نفوذها وأنشطتها، مهددة كيانات العديد من دول المنطقة واستقلالها وسيادتها، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في آليات عمل المجلس وما يصدر عنه من قرارات وكيفية متابعتها وإلزام الدول الأعضاء باحترامها وتنفيذ مقتضياته..

وتحت بند ” الحالة في الشرق الاوسط بما فيها قضية فلسطين، وجه الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمته للحضور علي النحو التالي :

السيد الرئيـس/ خوسيه مانويل غارسيا مارغالو- وزرير خارجية إسبانيا
السيد بان كي مون- السكرتير العام للأمم المتحدة
السادة الوزراء،
السادة السفراء

السيدات والسادة،

رغم الأوضاع المتفجرة والمتعددة التي تعاني منها المنطقة، إلا أن القضية الفلسطينية تظل دائماً هي القضية المركزية التي يتوقف عليها مستقبل السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط، والمجلس ينظر منذ عقود في تطورات الأوضاع المتدهورة والخطيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة جراء الانتهاكات الجسيمة والتصعيد المستمر من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وضد المقدسات الإسلامية والمسيحية وخاصة في القدس والمسجد الأقصى الشريف.
إن هذه الانتهاكات والاعتداءات الجسيمة من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين المتطرفين، وما يترافق معها من أعمال قتل وتنكيل واعتقال وتصفية بدم بارد، وعقوبات جماعية ضد المحتجين الفلسطينيين العزل تشكل انتهاكاً سافراً لقواعد القانون الدولي ولإرادة المجتمع الدولي وللحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتتحمل الحكومة الإسرائيلية وحدها المسؤولية الكاملة عن تبعاتها وتداعياتها الخطيرة على المنطقة وعلى الأمن والسلم الدولي برمته، طالما استمر احتلالها للأراضي الفلسطينية ومسؤوليات المجلس طبقاً لأحكام الميثاق تنص بضرورة العمل الفوري لإنهاء الاحتلال وإحلال السلام..

السيـد الرئيــــــــــــــــــــــــــــــــــس،
أنني أتحدث اليوم باسم جامعة الدول العربية التي أصدرت قراراً يوم 13 أكتوبر الماضي يطالب مجلس الأمن بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني وللمقدسات الإسلامية والمسيحية، وهذه ليست المرة الأولى التي تتوجه فيها جامعة الدول العربية إلى مجلس الأمن من أجل اتخاذ تدابير عاجلة لإنفاذ قراراته المتعلقة بالأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتوفير الحماية الدولية اللازمة للشعب الفلسطيني والأماكن المقدسة.
فإلى متى سيظل الاحتلال الإسرائيلي جاثماً على صدور الفلسطينيين، وإلى متى سيقف المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن، غير قادر على الاضطلاع بمسئولياته وواجباته الأخلاقية والسياسية لإنهاء هذا الاحتلال، وعاجز عن إقرار بنود التسوية الدائمة على أساس ما اتخذه المجلس والجمعية العامة للأمم المتحدة من قرارات في هذا الشأن، والتي أقرت جميعها الإطار العام لهذه التسوية التاريخية ومرجعياتها القانونية على أساس حل الدولتين الذي يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية ، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

السيـد الرئيــــــــــــــــــــــــــــــــــس،
إن استمرار غياب وفاعلية مجلس الأمن حيال تطورات قضايا المنطقة في الآونة الأخيرة يزيد الأوضاع تدهوراً ويخرجها عن ضوابط وقواعد الشرعية الدولية، ولقد حذر مجلس جامعة الدول العربية مراراً من استمرار هذا الوضع، ومن استمرار عدم التزام إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال بقرارات مجلس الأمن، حيث لم تجد القرارات الصادرة سبيلها للتنفيذ منذ أكثر من نصف قرن ومازالت حبراً على ورق، بدءاً من القرار 181 لعام 47 والقرار 242 لعام 1967 والقرار 338 لعام 1973، وغيرها من عشرات القرارات ذات الصلة التي طالبت بإنسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وتسوية النزاع.

فلم يسبق لمجلس الأمن أن تسامح كل هذا الزمن مع ابتزاز دولة خارجة عن القانون الدولي وتتحدى النظام الدولي وتحتل أراضي الغير بالقوة، وترتكب كل صنوف الجرائم والانتهاكات الجسيمة، بما فيها المذابح والتطهير العرقي دون أن يقوم بإخضاعها لمعايير المساءلة والمحاسبة التي تنص عليها القوانين والمواثيق الدولية، مما أدى إلى منح حصانة غير مسبوقة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وتماديها في انتهاكاتها ومخططاتها التوسعية في الأراضي الفلسطينية وتعنتها إزاء جميع المبادرات المطروحة لإرساء السلام العادل، الأمر الذي يهدد وعلى نحو خطير مستقبل حل الدولتين برمته.
من أجل ذلك، فإن توفير الحماية الدولية بات الأمر الأكثر إلحاحاً باعتباره استحقاق قانوني تمليه مقتضيات الحالة الراهنة وإطار ضروري لضمان وتوفير البيئة اللازمة لتحقيق السلام الذي نؤمن به وننشده، ونعمل على تحقيقه بصورة حثيثة.
إن مبدأ توفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين هو أمر تضمنته نصوص الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة بالشأن الفلسطيني منذ نشوء قضية فلسطين إبان عهد عصبة الأمم. وهنا أود تذكير المجلس الموقر بأن فلسطين كانت خاضعة لنظام الانتداب الدولي بما يرتب قيام مسؤولية خاصة للمجتمع الدولي تجاه الشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.
كما أود أن أنوه بما أكدت عليه محكمة العدل الدولية منذ عام 1950 حول مسؤولية المنظمة الدولية تجاه الأقاليم الني كانت تحت نظام الانتداب وتركيزها على المبدأين الأساسيين الآتيين (مقتبساً):
“Two principles were considered to be of paramount importance : the principle of non-annexation and the principle that the well-being and development of such peoples form ‘a sacred trust of civilization’”.
هذا وقد أكدت الدراسة القانونية التي أصدرها السكرتير العام أمس، أن (بالإنجليزية):
“The International Court of Justice confirmed that the mandate remained valid after the termination of the Covenant of the League of Nations” ص19
ومن الناحية التطبيقية فإن توفير هذه الحماية من خلال التواجد الدولي المباشر لأجهزة الأمم المتحدة يمكن أن تتوفر بسهولة. أذّكر هنا بهيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة بفلسطين UNTSO طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 73 لعام 1949 الذي طالب بموجبه السكرتير العام للأمم المتحدة أن يتخذ التدابير اللازمة للاستمرار في استخدام أي عدد من موظفي هيئة رقابة الهدنة الحالية كما تقتضيه الضرورة للمراقبة والمحافظة، على وقف إطلاق النار وكلما يكون ضرورياً لمساعدة أطراف اتفاقيات الهدنة على الإشراف على تطبيق ومراعاة نصوص تلك الاتفاقيات مع العناية بصورة خاصة برغبات الأطراف المعبر عنها في مواد الاتفاقيات ذات العلاقة.
ومن المهم الإشارة إلى أن هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة UNTSO مازالت إلى يومنا هذا متواجدة في القدس وبوسعها ممارسة الدور المطلوب منها وتوسيع مهمتها لتشمل الأماكن المقدسة والحرم القدسي حين يطلب منها ذلك.
وفي هذا السياق، فإن مجلس الأمن وبموجب قراره رقم 904 لعام 1994 الصادر إثر مذبحة الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل قد طالب بـ”اتخاذ تدابير لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض المحتلة، تشمل، في جملة أمور، توفير وجود دولي أو أجنبي مؤقت”، وهو ما جرت الإشارة إليه أيضاً في الملحق الثاني من اتفاق أوسلو الخاص ببروتوكول انسحاب القوات الإسرائيلية الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وذلك في سياق عملية السلام الجارية وأشير كذلك إلى القرار 605 الصادر عام (1987) والذي طالب بضرورة الحماية للفلسطينيين.
وأستذكر في هذا السياق أيضاً الفقرة 50 من تقرير السكرتير العام السابق كوفي عنان حول الحالة في الشرق الأوسط، الموجه إلى أعضاء مجلس الأمن في ديسمبر 2006 التي أكدت على الحاجة الملحة لاستكشاف وتفعيل وسائل جديدة لحماية المدنيين الفلسطينيين وفقاً لما ورد في خطة خارطة الطريق بالنسبة للمراقبين بدعم من اللجنة الرباعية ومجلس الأمن.

السيـد الرئيــــــــــــــــــــــــــــــــــس،
أتقدم بالشكر إلى السكرتير العام على توزيع الدراسة القانونية الهامة، التي تؤكد على توافر الإطار القانوني لسوابق الوجود الدولي وكذلك إلى الحاجة الضرورية لتوفير الحماية الدولية، عبر تواجد مباشر في أراضي دولة فلسطين المحتلة، وهي مسؤولية دولية باتت أكثر إلحاحاً في ظل التطورات الأخيرة، وفي ظل ما التزمت به جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بإعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية الثانية (قرار الجمعية العامة رقم 55/2) بأن تقوم بتوسيع نطاق حماية المدنيين في حالات الطوارئ المعقدة وتعزيز هذه الحماية وفقاً للقانون الدولي الإنساني وهو نفس المعنى والهدف الذي ذهب إليه المجلس في مناسبات عديدة وخاصة في القرار رقم 1674 لعام 2006.
من جهة أخرى لابد من الإشارة إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 وإلى البيان الصادر عن مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف في 15 يوليو 1999 والذي أكده من جديد على ضرورة تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية والتأكيد على ضرورة احترام أحكام الاتفاقية المذكورة في تلك الأراضي احتراماً تاماً.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقيات جنيف قد أوجدت بمادتها الأولى المشتركة التزاماً قانونياً عاماً على جميع الدول المتعاقدة بوجوب العمل بكافة السبل على احترام وضمان احترام أحكامها وفي جميع الأحوال كما أشارت اتفاقية جنيف الرابعة إلى إمكانية تعيين دولة حامية تكون مسؤوليتها التحقق من احترام أطراف النزاع لأحكام الاتفاقيات، وقد جاءت هذه الاتفاقية لتغلب الاعتبارات الإنسانية على اعتبارات الضرورة العسكرية، بما يقطع طريق تذرع القوة القائمة بالاحتلال بالاعتبارات الأمنية للافتئات على حقوق الشعب الخاضع للاحتلال.
كما أنه بوسع الصليب الأحمر ضمن آليات متعددة مطلوبة للحماية الدولية القيام بمهام أساسية مختلفة إذا ما تم تعزيز وجود اللجنة الدولية وتوسيع نشاطها وتكثيف انتشارها لتقديم العون والمساعدة وخاصة لمراقبة ما تقترفه قوات الاحتلال ومليشياته المسلحة من المستعمرين بحماية الجيش النظامي من جرائم بما في ذلك تلك المشاهد الأخيرة المروعة لاغتيال الأطفال وتصفيتهم بدم بارد.
السيـد الرئيــــــــــــــــــــــــــــــــــس،
وختاماً، السيد الرئيس، فإن هذه الإجراءات الرامية إلى حماية المدنيين الفلسطينيين من انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلية والمستوطنين، إنما تمثل خطوات مطلوبة لمواجهة الوضع الحالي، ولكنها لن تعالج جوهر المشكلة. فجوهر المشكلة يظل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وطالما استمر هذا الاحتلال ستستمر الانتهاكات الإسرائيلية سواء في القدس أو بالعدوان المتكرر على قطاع غزة.
لقد آن الأوان أن يتوقف أسلوب “إدارة النزاع” المتبع منذ عدة سنوات وأن يبدأ مجلس الأمن في العمل الفوري على “إنهاء النزاع” بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي هذا الصدد، فإننا نطالب مجلس الأمن، بمراجعة أسلوب عمل الرباعية الدولية، بإعتبارها آلية من آليات المجلس، وتفعيل دورها لتنفيذ الولاية الموكلة إليها بموجب القرار 1515 لعام 2003 بالعمل على التوصل إلى حل دائم للنزاع الإسرائيلي / الفلسطيني، على أساس قيام دولتين على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 كخطوة حاكمة نحو تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى