رأى

مضاعفات الانسحاب الامريكي من الشرق السوري !

استمع

ابراهيم العبادي

اعتدنا التهليل لكل انسحاب عسكري غربي من منطقتنا العربية، فبسبب المخاوف الكبيرة من الوجودات العسكرية وتداعياتها السياسية والنفسية ،لايشعر اقرب حلفاء الغرب بالامان من هذه الوجودات ويتوجسون منها خيفة حتى وان كانت بدعوة منهم ،لانهم يشعرون ان كلفتها باهضة ماديا وسياسيا ،وردود الافعال المضادة لها تجلب من المتاعب والقلاقل مايلغي اي فائدة امنية أو اقتصادية.

استراتيجيا يقدر بعض الساسة الضرورة القصوى من امثال هذه الوجودات،نظير القواعد العسكرية الامريكية والبريطانية والفرنسية في الكويت والبحرين والامارات، وقد نظر البعض الى الانسحاب العسكري الامريكي من العراق نهاية عام 2011 ،بأنه كارثة أمنية لانه ترك فراغا ملأته عصابات الارهاب وكتائب داعش ومستثمرون سياسيون محليون قاد بالنهاية الى محنة سقوط الاراضي العراقية بيد الارهابيين وعودة الامريكان والبريطانيين والفرنسيين والاستراليين والطليان واغلب دول تحالف الاطلسي الى العراق بطلب عراقي رسمي وضمن ماسمي بالتحالف الدولي ضد الارهاب الذي كانت القوات الامريكية عموده الفقري.

ورغم اعلان العراق رسميا النصر العسكري على داعش وتحرير كافة الاراضي العراقية، ونجاح السوريين وحلفائهم الروس والايرانيين والفصائل المتحالفة معهم في احراز تقدم عسكري كبير ،لكن المعطيات الامنية لاتقول ان داعش انتهت وان القوى الارهابية لم يعد لها وجود، فهاهي الخلايا النائمة واليقظة تمارس نشاطا متصاعدا ضمن استراتيجية التخويف والقتل اليومي في المناطق الرخوة والنهايات السائبة في اطراف القرى والمدن ،ولازال بامكان داعش شن هجمات كبيرة منسقة كالذي فعلته في الشرق السوري في تشرين الثاني /نوفمبر الماضي واستعادت بموجبه قرى وبلدات سبق وان خسرتها لصالح قوات سوريا الديمقراطية الكردية.

مالذي حمل ترامب على الانسحاب المبكر رغم استمرار التهديد الارهابي ورغم معارضة جنرالاته وخبراء الامن القومي وكبار اركان الادارة والكونغرس؟ بجملة واحدة انا اشبه الانسحاب الامريكي من الشرق السوري مماثلا للانسحاب البريطاني من شرق السويس نهاية الستينات من القرن الماضي، فهو انسحاب مدروس يقلل الكلف والخسائر المادية والبشرية الى اقصى حد، ويتيح تحقيق الاستراتيجية عبر الوكلاء المحليين، فترامب الذي يدير السياسة بعقل رجل الاعمال سبق واعلن عن استراتيجيته التي تستند على مبدأ امريكا اولا بمايعني توفير الاموال وتقليص الانفاق في الخارج لدعم الاقتصاد، ويتضمن هذا المبدأ ايضا ان امريكا لن تقدم خدمات الحماية بدون مقابل مالي، سواء في اوربا الاطلسية او الشرق الاوسط (الغني بالمال) وهو يريد فرض رؤيته على اقرب مقربيه وداعميه امريكيا بأن على امريكا ان تضمن هيمنتها ووجودها كقوى عظمى منفردة ولكن بمساهمات الاخرين، فهو ينظر الى التهديد الارهابي كفرصة مالية واستراتيجية وليس خطرا مباشرا على الامن القومي الامريكي، وربما انه نجح في توطيد التفوق العسكري الاسرائيلي وبدعم سياسي وتفاهم استراتيجي عربي ،فانه(ترامب) يريد اطلاق يد اسرائيل في سوريا والمنطقة عموما ،ويريد العودة الى سياسة الوكلاء البارعين في التماهي مع الاستراتيجية الامريكية.

عراقيا لم تعمل امريكا على تقوية النظام الدفاعي والامني بما يكفي لردع التهديد الارهابي ولم تتكامل فاعلية سلاح الجو العراقي ليستغني عن هجمات طيران التحالف الدولي على مواقع وحواضن الارهاب وكهوفه وانفاقه على الارض العراقية ،ولذلك هناك خشية من تقليص الدعم الجوي الامريكي لاسيما وان الارهابيين خبروا فاعلية هذه الهجمات واعتبروها الخطر الاكبر على تحركاتهم.

نحتاج في العراق الى تطوير استراتيجية امنية دفاعية استخباراتية لتفادي اي مضاعفات امنية وسياسية على الانسحاب العسكري الامريكي خصوصا وان لدينا من سيعتبر هذا الانسحاب نصرا مباشرا له بما يدفع الى مزيد من التناشز في المواقف ويضعف وحدة سياسةواستراتيجية الدولة العراقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى