رأى

‘أمريكا’ جنة مواطن.. وسجن الغريب!

استمع

د. حذامى محجوب

إن الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من كل الانتقادات التي توجه لسياستها الخارجية بلد يأسر القلوب ويأخذ الألباب، فمن منا لا يقف مشدوها أمام قوته الاقتصادية والعسكرية ، من منا لا يقتفي سير علمائه ، ومن منا لا يتابع فنه بكل ألوانه حتى أني أشعر أحيانا وكأننا أصبحنا نميز بين الألوان بفضل أفلام رعاة البقر والهنود الحمر التي بقيت في وجداننا منذ الطفولة.

لاشك أن هذا البلد يمارس شكلا من أشكال الديمقراطية داخله ولكنه يعتبر بلا ريب أن الديمقراطية هي مخزون استراتيجي غير قابل للتصدير، فلا ديمقراطية له خارج العالم الغربي، وحين يتدخل في اختيارات البلدان وخصوصياتها مناديا بإحلال الحريات فيها فهو في الحقيقة يردّ على رفض هذه البلدان الدخول الى بيت الطاعة ” البيت الأبيض”.

فليست الديمقراطية سوى سلاح اعلامي تشهيري يقدّم لتدخل عسكري في مرحلة لاحقة. فلقد دمرت الإدارة الأمريكية العراق وليبيا وسوريا كما سبق أن دمرت الفيتنام وكوريا تحت راية الدفاع عن الحرية وحقوق الانسان.

كما أن الإدارة الأمريكية تتشدق بحماية القوانين الدولية ولكنها تضع نفسها فوق كل القوانين، انها لا تعترف بمحكمة الجنايات الدولية وذلك برفضها منح قضاة هذه المحكمة الدخول للولايات المتحدة وتتنكر لكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

وتتصرف في الأرض وما عليها وكأنها مالكها الشرعي ، فلقد سارع دونالد ترامب الى إقرار القدس كعاصمة للكيان الصهيوني وبضرورة نقل السفارة اليها ، ومنح الجولان لــ”إسرائيل” بكل استهتار بالاتفاقيات واللوائح التي صادقت عليها الإدارات الأمريكية التي سبقته، مساندا بذلك نتنياهو وسياسته دون أي اعتبار دولي أو تحفظ حتى أن سفير فرنسا في واشنطن جيرارد آرو والذي خرج على التقاعد يوم الجمعة 19 أفريل 2019 قد قارن في تصريح لصحيفة ذو قارديان البريطانية  إدارة ترامب ببلاط لويس الرابع عشر قائلا ” يتصرف فيها رجل مسن ،يعيش في الخيال، متقلب المزاج، لا يستمع لمستشاريه، منفردا بالرأي والقرار”.

لا أعتقد شخصيا أن دونالد ترامب رغم أنه غير مثقف بالحد الأدنى لا يستمع الى أحد ولكنه ينفذ ما تقرره اللوبيات التي أوصلته الى سدة الحكم مثل الايباك أو طائفة الإنجيليين المتشدّدين التابعين لأغنى الكنائس والذين يروجون لفكرة أن المسيح ينتظر من تابعيه إتمام طرد الفلسطينيين ومكافحة ” محور الشر” من أرض “اليهود”  ليعود لنشر العدل والسلام بين البشر. وقد كان الايباك أول من هلّل وبارك قرارات ترامب على قنواتهم التي تضخ أموالا ضخمة من أجل مساندة هذه السياسة المعادية للشعوب الإسلامية وزرع الفتن فيها.

اننا كعرب لا يمكن أن نكره الولايات المتحدة الأمريكية التي تضم أعتى النخب العلمية والفكرية والاقتصادية في العالم، ولا ننسى أن نيويورك وبوسطون كانتا مركزي إشعاع وتجديد الشعر العربي المعاصر على يد كل من جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وايليا أبو ماضي وجورج صيدح والياس فرحات… فضلا عن باحثين وعلماء عرب ومسلمين كثر على الأراضي الأمريكية  يساهمون في نمو المعرفة وصناعة العلم وتطور الاقتصاد في أمريكا.

اننا نعرف أن هذه النخب الفكرية وهذه القامات العلمية والفنية في أمريكا ليست راضية على دونالد ترامب ولا على سياسته العدائية ونأمل أن تتحرك هذه النخب يوما ما في اتجاه إقامة نوع من التوازن ،كما نأمل كذلك أن يتكون ويتأسس لوبي عربي مسلم قوي في الولايات المتحدة من شأنه أن يضغط على الإدارة الأمريكية ليحلّ نوع من التكافؤ والتوازن  في قرارات البيت الأبيض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى