إقتصاد

جورجيا.. قصص النازحين إلى الداخل بعين الكاميرا على يد روسيا

استمع

DSC_0107-300x169

تقرير: أشرف أبو عريف

أقامت السفارة الجورجية اليوم مؤتمرا صحفيا لتسليط الضوء على واحدة من أعقد القضايا الإنسانية في وقتنا الحاضر، وهي النزوح الداخلي. يقدَّر إجمالي عدد النازحين داخل بلادهم جرّاء النزاعات المسلحة والعنف بحوالي 38 مليون شخص على مستوى العالم في 2014، وهو أعلى رقم يسجله مركز مراقبة النزوح الداخلي الذي يتخذ من جنيف مقرًا له.
تتصدر مسألة النزوح القسري رأس أولويات الأجندة الدولية، ولهذا تنقل هذه الصور قصة نصف مليون نازح داخلي ولاجئ من منطقتي أبخازيا وتسخينفالي/أوسيتيا الجنوبية الجورجيتين، ضحايا موجات متتالية من التطهير العرقي.

تعود جذور محنة النازحيين الداخليين في جورجيا إلى بداية التسعينات من القرن العشرين، عندما أجبر مئات الآلاف من المواطنين الجورجيين من عرقيات مختلفة على ترك ديارهم جرّاء الصراع الدموي الدائر. وتدهورت حالة النازحين الداخليين على الأرض بعد الحرب الروسية الجورجية في 2008، والتي نجمت عنها موجة جديدة من النزوح القسري لعشرات الآلاف من المواطنين، وبخاصة من منطقة تسخينفالي/أوسيتيا الجنوبية الجورجية، فباعدت الحرب بين أفراد الأسرة الواحدة وزادت الآلام والمصاعب.

إن العملية الجارية على قدم وساق لمد الأسلاك الشائكة ووضع علامات ما يسمى بـ “الحدود الدولية” بطول خط الاحتلال تلقي بظلال قاتمة على سبل عيش السكان المحليين وتجبر العائلات على ترك ديارها، وهو ما يقذف بجيل جديد من المواطنين في متاهة النزوح الداخلي.

يهدف معرض الصور إلى رفع الوعي بهذه القضية بالغة الأهمية، وتوجيه أنظار المجتمع الدولي للمساعدة في وضع حلول دائمة لها.

* الحرب الروسية الجورجية في أغسطس/آب 2008 وآثارها الكارثية

• تعود جذور العدوان الروسي على جورجيا إلى بداية التسعينات من القرن العشرين، عندما ردت موسكو على تحركات جورجيا القوية باتجاه الاستقلال بتقديم دعم عسكري واقتصادي مفتوح للقوات الانفصالية في منطقتي أبخازيا وتسخينفالي/أوسيتيا الجنوبية الجورجيتين. وتصاعد الموقف في كلا المنطقتين الجورجيتين إلى مستوى الأعمال العدائية المسلحة، ما أدى إلى موجة ضخمة من التطهير العرقي ونزوج مئات الآلاف من المواطنين الجورجيين وعرقيات أخرى من هاتين المنطقتين.

• تزامنت الطموحات الجورجية المتزايدة باتجاه التكامل الأوروبي والأوروبي-الأطلنطي مع تكثيف روسيا لسياستها العدوانية التي بلغت أوجها في في بداية أغسطس/آب 2008 عندما شنت الأخيرة اعتداءً عسكرًا منسقًا وواسع النطاق ومتعمدًا، بالنظر إلى حجم العمل، على جورجيا.

• بررت موسكو اجتياجها لأراضٍ جورجية بحجة سخيفة، وهي حماية من تسميهم “مواطنيها”، وهم الفئات السكانية التي اصطبغت بهذه الصبغة نتيجة لسياسة منح جوازات السفر الروسية غير القانونية. إن عملية منح جوازات السفر الروسية تشكل سياسة متعمدة ومُحكمة ترمي إلى خلق ذريعة للتدخل العسكري الروسي في الأراضي الجورجية. وقد أكد تقرير البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الصراع في جورجيا (المعروف باسم تقرير تاغليافيني) حدوث عملية منح جوازات السفر الروسية، وشدّد على أن منح الجنسية الروسية بشكل جماعي لمواطنين جورجيين وتقديم جوازات سفر على نطاق واسع في منطقتي أبخازيا وتسخينفالي، دون موافقة الحكومة الجورجية، عمل يخالف أعراف حسن الجوار ويمثل تحديًا عميق الأثر أمام سيادة جورجيا وتدخلاً في شؤونها الداخلية.

• في 12 أغسطس/آب، وبالنيابة عن الاتحاد الأوروبي، نجح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الوساطة لإبرام اتفاقية لوقف إطلاق النار بين جورجيا وروسيا لإيقاف العدوان العسكري الروسي واسع النطاق على الأراضي جورجيا.

• نجم عن حرب الأيام الخمسة احتلال 20% من الأراضي الجورجية، ومقتل 396 شخصًا وإصابة 1721 شخصًا بإصابات شديدة من الجانب الجورجي، كما تسببت الحرب في موجة ضخمة جديدة من التطهير العرقي للسكان الجورجيين في منطقة تسخينفالي/أوسيتيا الجنوبية، وأُجبر ما يقارب 140000 جورجي على ترك ديارهم والانضمام إلى صفوف من سبقوهم من المشردين الداخليين جرّاء النزاع.

• في 26 أغسطس/آب 2008، اعترفت روسيا الاتحادية باستقلال كلا المنطقتين الجورجيتين، في انتهاك سافر لاتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعها الرئيس الروسي قبل أسبوعين من ذلك التاريخ، إلى جانب الالتزامات الأخرى المنصوص عليها بموجب القانون الدولي. وبذلك تكون موسكو قد نجحت في بسط سيطرتها التامة والفعلية على منطقتي أبخازيا وتسخينفالي وأضفت “شرعية” على وجودها العسكري غير المشروع على الأرض.

• شكّل العدوان الروسي واسع النطاق ردًا مباشرًا على طموحات جورجيا في التكامل الأوروبي والأوروبي-الأطلنطي، وبخاصة بعد قمة حلف الناتو التي انعقدت في بوخارست. ولاحقًا في عام 2011، أدلى الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيدف بيانًا أوضح فيه أن العدوان العسكري الروسي على جورجيا كان بغرض التصدي لطموحات جورجيا في الانضمام لحلف الناتو، والخيار السيادي لجورجيا بالاندماج في المجتمع الأوروبي-الأطلنطي.

* ردود الفعل الدولية على الحرب الروسية الجورجية

• يوضح تقرير البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الصراع في جورجيا (تقرير تاغليافيني) أن العملية العسكرية الروسية في 2008 كانت مخططة بإحكام. ويؤكد التقرير على أن قوات مسلحة نظامية روسية ومرتزقة قد عبروا بشكل غير قانوني الحدود الجورجية قبل 8 أغسطس/آب 2008، بينما بدأ قصف القرى الجورجية قبل اندلاع الأعمال العدائية المسلحة. كما يثبت التقرير أن أعمال التطهير العرقي “مورست ضد الجورجيين في أوسيتيا الجنوبية قبل وبعد حرب أغسطس/آب 2008”. ويخلص التقرير عمومًا إلى أن الأحداث التي اندلعت عشية 7-8 أغسطس/آب كانت جزءًا من صراع أكبر مستمر، وما هي إلا لحظة الذورة التي توجت فترة طويلة من التوترات والاستفزازات وأحداث العنف المتصاعدة.

• خلال الفترة التي نشط فيها العدوان العسكري الروسي، قام رؤساء ليتوانيا وبولندا وأوكرانيا وإستونيا ورئيس وزراء لاتفيا بزيارة جورجيا، وقد عبّروا بالإجماع عن تضامنهم مع الشعب الجورجي، ورفضهم لاجتياح روسيا لأراضي دولة مستقلة.

• في 15 سبتمبر/أيلول 2008، أنشأ الاتحاد الأوروبي بشكل سريع بعثة المراقبة في جورجيا (EUMM)، وكُلفت البعثة بتغطية كامل الأراضي الجورجية ضمن الحدود المعترف بها دوليًا، بل ووصلت ردود الفعل إلى حد إسراع الاتحاد الأوروبي في إطلاق الشراكة مع دول شرق أوروبا، وبالتالي فتح الاتحاد آفاقًا جديدة لعلاقاته مع جورجيا.

• في 15-16 سبتمبر/أيلول 2008، قام مجلس حلف شمال الأطلنطي (الناتو) برئاسة الأمين العام لحلف الناتو “جاب دي هوب شيفر” بزيارة جورجيا. وخلال الزيارة، وُقعت الوثيقة الإطارية، التي تؤسس اللجنة المشتركة بين حلف الناتو وجورجيا، وهي بمثابة منتدى للمشاورات السياسية والتعاون العملي لمساعدة جورجيا على تحقيق هدفها بالانضمام إلى حلف الناتو.

• في أكتوبر/تشرين الأول 2015، ووفقًا لاتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة في 12 أغسطس/آب 2008، انطلقت مباحثات جنيف الدولية المعنية بالأمن والاستقرار وعودة المشردين داخليًا واللاجئين برئاسة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وبمشاركة ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى يومنا هذا، انعقدت 32 جولة من المباحثات.

الوضع الأمني والإنساني الحالي/انتهاكات اتفاقية وقف إطلاق النار

• تحل الذكرى السابعة للحرب الروسية الجورجية، ولا زالت روسيا الاتحادية على تعنتها التام في تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاقية وقف إطلاق النار المكونة من ست نقاط، والمبرمة بوساطة من الاتحاد الأوروبي، ووقّعتها جورجيا وروسيا في 12 أغسطس/آب 2008.

• بدلاً من أن تسحب روسيا الاتحادية قواتها إلى مواقعها قبل اندلاع الحرب، حسبما نصّت عليه اتفاقية وقف إطلاق النار، عزّزت روسيا قواعدها العسكرية، ونشرت قواتها بشكل غير مشروع في الأراضي الجورجية المحتلة، ونصبت معدات هجومية ثقيلة ورفعت عدد العسكريين على الأرض.
• تحتوي القواعد العسكرية غير المشروعة، والمنتشرة في منطقتي أبخازيا وتسخينفالي، على معدات حربية ثقيلة تتضمن منظومة الصواريخ إس-300، وقاذفة الصواريخ “سميرتش”، ومنظومة الصواريخ التكتيكية “سكاراب بي” (المعروفة أيضًا باسم “توشكا يو”). وبالنظر إلى المدى العملياتي لهذه الأسلحة، تتضح احتمالية تهديد هذه المنشآت العسكرية لكامل الأراضي الجورجية وليس فقط الأراضي المحتلة.

• لا زالت الأوضاع الإنسانية وحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة غير مستقرة، فالسكان المحليون محرومون من أبسط ضمانات حماية الأرواح، بينما تتواصل القيود المفروضة على الحقوق الأساسية، كحرية الانتقال والتعليم باللغة الأم. ولا يزال الاعتقال بتهمة عبور خط الاحتلال أحد التحديات الرئيسية التي تواجه السكان المحليين، ففي عام 2014 فقط جرى اعتقال أكثر من 3000 شخص في منطقتي أبخازيا وتسخينفالي. وتشمل القيود القاسية المفروضة على حرية الانتقال حتى أضعف فئات السكان ممن يحتاجون إلى مساعدات طبية عاجلة، وهو ما يؤدي إلى تفاقم حالات المصابين في بعض الأحيان.

• تثير الأوضاع داخل الأراضي الجورجية المحتلة المخاوف، لا سيما في ظل عدم وجود آليات مراقبة دولية تعمل هناك، فقد استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) في 2009 ضد ولاية بعثات المراقبة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ولا تزال بعثة المراقبة التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي نُشرت في جورجيا في أعقاب الحرب، غير قادرة على مراقبة الأوضاع في منطقتي أبخازيا وتسخينفالي حسبما تنص عليه التزامات الولاية، بينما يتوالى رفض دخول ممثلي المنظمات الدولية إلى الأراضي المحتلة.

• قالت السيدة نافي بيلاي مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان سابقًا، بعد رفض السماح بدخولها إلى الأراضي المحتلة “ينبغي توجيه مزيد من الاهتمام لوضع حقوق الإنسان في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا”، بل إن المفوض السامي أوضحت بلا لبس أن منطقة تسخينفالي “ثقب أسود” و”إحدى أصعب المناطق التي يتعذر الدخول إليها على الأرض، حيث لا يُسمح بدخول المنظمات الدولية إلى المنطقة”.

* عملية “إقامة حواجز حدودية بين الأراضي المحتلة وبقية الأراضي الجورجية”

• بدأت قوات الاحتلال الروسية في 2011 مد الأسلاك الشائكة وغيرها من العوائق المصطنعة بطول خط الاحتلال في منطقتي أبخازيا وتسخينفالي، واستؤنفت هذه العملية بقوة في 2013، ويتجاوز إجمالي طول السياج الحدودي حاليًا 60 كم، ولا تزال العملية جارية على قدم وساق.

• أثّرت إقامة العوائق المصطنعة بطول خط الاحتلال على الحياة اليومية للسكان المحليين تأثيرًا شديدًا. ويعاني السكان المقيمون في المناطق المحتلة وفي المناطق القريبة منها من الحرمان من الحقوق والحريات الأساسية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، حرية الانتقال، والحياة العائلية، والحق في التعلم باللغة الأم وغير ذلك من الحقوق المدنية والاقتصادية. وقد أعاقت هذه الأنشطة غير المشروعة وصول السكان المحليين إلى أراضيهم الزراعية وشبكات مياه الشرب والري. ويُحظر على السكان الدخول إلى المدافن المحلية والوصول إلى خدمات الطوارئ الطبية.

• في بعض القطاعات، تخترق الأسلاك الشائكة أراضي تسيطر عليها الحكومة المركزية في جورجيا، وتبتلع وراءها منازل ومزارع السكان المحليين. وقد أثّرت هذه العملية غير المشروعة فعلاً على حياة 200 عائلة محلية، واضطر العديد من منها إلى ترك أماكن إقامتها وراء خط الاحتلال، وهو ما يؤدي إلى خلق جيل جديد من المشردين داخليًا.

• بالتوازي مع مد الأسلاك الشائكة، وضعت قوات الاحتلال الروسية علامات تحدد ما يسمى بـ “الحدود الدولية” بطول خط الاحتلال.

• حدثت آخر هذه العمليات في قرية “تسيتلوباني” في مقاطعة “غوري” وقرية “أورتشوساني” في مقاطعة “أخالغوري” المحتلة. ويعتبر ما يسمى بـ “حرس الحدود” الروسي العلامات كنقاط حدودية، حيث تمتد ما تسمى بـ “المنطقة الحدودية” من 50 إلى 150 مترًا تقريبًا؛ وبناءً عليه توسِّع هذه النقاط الجديدة الأراضي التي تحتلها روسيا.

• ترتب على هذا الإجراء غير القانوني أن أصبح جزء معتبر من خط أنابيب النفط باكو – سوبسا (حوالي 1600 متر بطول قرية “أورتشوساني”) واقعًا تحت سيطرة قوات الاحتلال الروسية. وبالنسبة إلى قرية “تسيتلوباني”، فإنها تقع بالقرب من قطاع آخر من خط أنابيب النفط باكو – سوبسا (بمسافة 50 مترًا). ويمتد خط أنابيب باكو – سوبسا (المعروف أيضًا باسم خط التصدير الغربي) الذي تشغله شركة بي. بي، من أذربيجان إلى محطة سوبسا الجورجية على البحر الأسود، وينقل حوالي مئة ألف برميل نفط يوميًا.

• تقترب العلامات الحدودية في قرية “أورتشوساني” بشكل واضح من طريق تبليسي – غوري السريع (450 مترًا).

• نتيجة للتوسعات الأخيرة، أصبحت الأراضي الزراعية المحلية في قرية “تسيتلوباني” خارج نطاق الأراضي الواقعة تحت سيطرة الحكومة المركزية في جورجيا. وتبلغ مساحة المنطقة التي امتدت إليها يد الاحتلال حوالي 60 هكتارًا؛ وقد تأثرت 143 عائلة جديدة، ولم يعد باستطاعتها الوصول إلى محاصيلها الزراعية.

• لا تخرج إقامة العلامات الحدودية على أراضٍ واقعة تحت سيطرة الحكومة المركزية في جورجيا عن كونها جزءًا من سياسة الاحتلال التدريجي، التي تنتهجها روسيا وتهدف إلى إثارة التوترات على الأراض، واستفزاز جورجيا وتهديد السلام الهش أصلاً في المنطقة.

خطوات باتجاه الضم/”معاهدات” التكامل المزعومة

• في الآونة الأخيرة، قطعت روسيا الاتحادية خطوات باتجاه الضم التدريجي للمنطقتين الجورجيتين المحتلتين عبر توقيع ما يسمى بـ “معاهدة التحالف والشراكة الاستراتيجية” مع نظام الاحتلال التابع لها في سوخومي (24 ديسمبر/كانون الأول 2014) و”معاهدة التحالف والتكامل” المشابهة مع نظام الاحتلال في تسخينفالي (18 مارس/آذار2015).

• تهدد كلا المعاهدتين سيادة جورجيا ووحدة أراضيها، وتمثلان ضمًا فعليًا لمنطقتي أبخازيا وتسخينفالي، حيث تنصَّان على الاندماج التام في المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية الروسية، والأهم من ذلك، في المؤسسات الأمنية الروسية. وهذا مثال حي آخر على محاولات ترسيم حدود مصطنعة تخالف الحدود المعترف بها دوليًا للدول ذات السيادة. ويشير عنوان “المعاهدة” مع تسخينفالي – “التحالف والتكامل” – إلى النية المتأصلة والهدف النهائي لوثيقة المعاهدة.

• لن يؤدي توقيع تلك المعاهدات والتنفيذ اللاحق لبنودها إلا إلى تفاقم أوضاع السكان المقيمين في الأراضي المحتلة، وسيلقي بظلال قاتمة على الوضع الأمني في جورجيا والمنطقة بأسرها. وهو ما يثير القلق لا سيما في ظل غياب آليات المراقبة الدولية داخل الأراضي المحتلة، ورفض روسيا المستمر للتجاوب مع تعهدات الجانب الآخر الملزمة قانونًا بعدم استعمال القوة.
• ليست تلك “المعاهدات” حالة منفصلة، لكنها جزء من سياسة روسية بعيدة المدى ترمي إلى تقويض سيادة دول الجوار الطامحة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

الآثار الوخيمة للصراع: التشريد الجماعي للسكان

• ضربت الأراضي المحتلة موجاتٌ متعددةٌ من التطهير العرقي في التسعينات من القرن العشرين، إلى جانب الأعمال العدائية التي شهدتها حرب 2008، وهي الأحداث التي أدت إلى طرد غالبية السكان المحليين بشكل عنيف، ولا زال هؤلاء السكان محرومين من الحقوق المعترف به دوليًا في العودة الآمنة والكريمة، بالرغم من الدعوة المباشرة لذلك عبر قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

• علاوة على ذلك، تقترن إقامة الحواجز المصطنعة بطول خط الاحتلال بالخطوات الحثيثة التي تقطعها روسيا الاتحادية باتجاه الضم النهائي للمنطقتين الجورجيتين المحتلتين، وهو ما يجعل عملية العودة شبه مستحيلة.

• ترفض روسيا الحقوق الأساسية للمشردين داخليًا واللاجئين، والمطروحة ضمن أعمال مجموعة العمل الثانية في مباحثات جنيف الدولية، وهي المجموعة المنوط بها مناقشة قضية العودة بالشكل الملائم. وتواصل موسكو تسييس هذه القضية الإنسانية البحتة، وتصر على استغلالها لتحقيق أهداف أجندتها ذات الأغراض السياسية.

• أجرى مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في جورجيا مؤخرًا استقصاء نوايا بين المشردين داخليًا لسماع أصواتهم والتعرف على تصوراتهم عن العودة الطوعية والحلول البديلة الدائمة، وأظهر الاستقصاء أن 88% من المشردين داخليًا قد عبّروا عن استعدادهم للعودة إلى ديارهم الأصلية بطريقة تحافظ على سلامتهم وكرامتهم الإنسانية.

• لا زالت الحكومة الجورجية ملتزمة بتوفير الظروف المعيشية اللائقة لجميع المشردين داخليًا، لكن ذلك لا ينفي أن الحل الدائم الوحيد لهم، كما أوضحت نتائج استقصاء مفوضية حقوق الإنسان، هو العودة الطوعية والآمنة والكريمة. ويجب عدم تناول هذه القضية من زاوية سياسية طبقًا لقواعد قانون العرفي الدولي، بصرف النظر عن التباين في المواقف السياسية.

* السياسية الجورجية لتهدئة التوترات مع روسيا

• تسعى الحكومة الجورجية إلى التهدئة والتطبيع التدريجي للعلاقات مع روسيا الاتحادية على أساس مبدأ سيادة جورجيا ووحدة أراضيها ضمن حدودها المعترف بها دوليًا. ولهذا الغرض، اتخذت الحكومة الجورجية عددًا من الخطوات العملية والملموسة:

– تعهدت جورجيا بتعهدات أحادية الجانب ملزمة قانونًا بعدم استعمال القوة ضد روسيا الاتحادية.
– وافقت جورجيا على انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية.
– ألغت جورجيا من جانب واحد العمل بنظام تأشيرة الدخول للمواطنين الروس.
– عيّن رئيس وزراء جورجيا ممثلاً خاصًا للعلاقات مع روسيا الاتحادية، وهو ما يؤكد مجددًا على الرغبة السياسية في تحسين العلاقات الاقتصادية والثقافية والإنسانية مع روسيا؛ وقد أثمر هذا التوجه عن بعض النتائج التي انعكست في تطور العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية بين البلدين: عادت المنتجات الجورجية (الخمور والمياه المعدنية والمنتجات الزراعية) إلى السوق الروسية، واستؤنفت الرحلات المباشرة بين المدن الجورجية والروسية، وزادت كثافة التواصل المباشر بين أفراد الشعبين.

– شارك المنتخب الوطني الجورجي في أولمبياد الألعاب الشتوية 2014 في مدينة سوتشي الروسية، بينما عبّرت الحكومة الجورجية عن استعدادها للتعاون مع الهيئات الروسية المعنية بالقضايا الأمنية.

• بعيدًا عن بعض التطورات التي شهدتها العلاقات الاقتصادية والثقافية، على الصعيد السياسي قوبلت سياسة التهدئة المعلنة من جانب جورجيا بموجة جديدة من الاستفزازات الروسية، تجلّت في مد الأسلاك الشائكة ووضع ما يسمى بـ “الحدود الدولية” والمضى قدمًا باتجاه النهائي للمنطقتين الجورجيتين المحتلتين.
• تظل مباحثات جنيف الدولية الصيغة الوحيدة لمعالجة القضايا الإنسانية والأمنية بين جورجيا وروسيا الاتحادية. وللأسف، تضع روسيا الاتحادية العراقيل أمام حل القضايا الرئيسية التي تتضمنها أجندة المباحثات؛ حيث ترفض موسكو بشكل خاص قطع تعهد ملزم قانونًا بعدم استعمال القوة ردًا على التعهد الجورجي، كما تعرقل المباحثات الرامية إلى إيجاد ترتيبات أمنية دولية داخل الأراضي المحتلة، وتواصل تسييس القضايا الإنسانية البحتة، وعلى رأسها عودة المشردين داخليًا واللاجئين.

• تؤكد الحكومة الجورجية مجددًا على التزامها بمباحثات جنيف الدولية، واستعدادها لمناقشة جميع القضايا التي تتضمنها أجندة المباحثات بشكل بنّاء، وذلك لضمان تحقيق الأمن والاستقرار على الأرض وتعزيز الحقوق الأساسية للسكان المحليين.

150_200150_200-2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى