رأى

كورونا ومايطرحه العلم من لايقين

استمع

حذامى محجوب

حين تكون حياة البشر في الميزان يتوجب طرح أسئلة فلسفية ، وهذا الفيروس اللعين الذي باغتنا جاء ليذكرنا بقيمة العلم وهي مسألة مافتئ يطرحها الفلاسفة .لكن ماهو الجديد الذي يعلمه لنا الكورونا فيروس؟

ان هذا الفيروس يفرض علينا ضرورةفهم العلم اليوم من ناحية والعيش‏ دون يقين من ناحية أخرى ، أي أن نسترجع شكلا من أشكال الانسانية فينا. لقد أرجعت هذه الجائحة، فجأة العلم الى مركز اهتمام المجتمعات ، فلقد كان الناس قبل أزمة الكورونا اما يعادون العلم أو يقدسونه بمعنى يرون في العلم حقائق ثابتة ومبادئ غير قابلة للشك.

مانلاحظه اليوم أن كل السياسيين في العالم أصبحوا يستمعون للباحثين والأطباء حتى في البلدان التي لا مكان العلم فيها . أحاطوا أنفسهم بالعلماء،وأطلقوا على هاته المنابر أسماء مختلفة تبلورت في مجالس علمية، ولجان أزمات ومراصد وقائمين على مخابر …وغيرها…).

لكنهم وجدوا أنفسهم تجاه آراء مختلفة ومواقف تذهب الى حد التناقض في بعض الأحيان ، سواء تعلق الأمر بالإجراءات التي ينبغي اتخاذها لمواجهة هذه الجائحة بصفة فورية أو بالنسبة لنجاعة وصلاحية بعض الأدوية وكذلك بالنسبة لمدة التجارب السريرية الواجب اتباعها. كل هذا الجدل القائم جعل الشك والريبة يتسربان الى أذهان كل المواطنين.

لعله قد آن الأوان فعلا أن ينزل العلم الى المجتمع بمعنى أن يفهم المواطنون أن العلوم تتعايش وتنمو في اطار الجدل وضمن اختلاف المقاربات.

فالحوارات الطبية حول الكلوروكين اليوم على سبيل المثال‏ قد طرحت اشكالية اختيار البديل بين المستعجل أوالحذر، أي بين ضرورة الفعل الفوري أوضرورة التقصي واتخاذ كل الاحتياطات.

عرفت المجموعة العلمية قبل هذا الطارئ اختلافات كبرى عند ظهور مرض فقدان المناعة سنوات 1980، ولكن ما بينه لنا فلاسفة العلم هو أن الاختلافات هي محايثة للبحوث العلمية بل ان البحث العلمي هو في حاجة دائمة لهذه الاختلافات كي ينمو ويتطور.

ولقد سبق لكارل بوبر أن أشار الى ذلك حين أكد أن نظرية علمية ما لاتستوفي شروط العلم الا اذا كانت قابلة للدحض ، أماغاستون باشلار ،الذي طرح مسألة المعرفة فقد برهن أن تاريخ العلم هو تاريخ أزماته وتعثراته ،كذلك طوماس كوهن بين بكل وضوح أن تاريخ العلم هو مسار منفصل ،غير متصل ، ومع ذلك فان الكثير من المختصين الى اليوم ظلوا يعملون بمعزل عن ما قدمه هؤلاء الابستيمولجيين ، ومازال هذا النوع من المشتغلين بالعلم يتصرفون بكل وثوقية.

ان أزمة الكورونا فيروس العالمية تكشف لنا بوضوح أن العلم أشد تعقيدا مما كنّا نتصور.فالعلم هو حقيقة انسانية قائمة على اختلاف الأفكار وصراعها، الاأن مناهج البحث والتثبت هي أشد صرامة من الحقائق الأخرى.

ان مرحلة الكورونا فيروس التي نعيشها اليوم ،يمكن أن تجعل الباحثين والناس يصلون الى مرحلة الوعي بأن النظريات العلمية ليست مطلقة كحقائق الدين ولكن هي قابلة للتحلل.

ان هذه الجائحة ومافرضته علينا من حظر صحي لم نعشه من قبل قد خلق أزمة في الحضارة لأنه أجبرنا على تغيير عاداتنا وأنماط سلوكنا وطريقة عيشنا ،كل حياتنا تغيرت رأسا على عقب.

ماهو مفاجئ في هذا الفيروس الجديد هو أنه ليس لدينا الى حد الآن أي يقين لا عن أسباب ظهوره، ولاعن أشكاله المختلفة ولا عن كيفية علاجه ،وكذلك لاأحد يعرف بالضبط ماذا سيقع بعد الكورونا فيروس من نتائج اقتصادية واجتماعية.كلها تبقى تخمينات لاغير.

لذلك علينا أن نتعود على العيش بكل هذه اللايقينيات في حين أننا قد تعودنا على العيش بثوابت معينة وحتى الاستشراف بالمستقبل. ان الكورونا فيروس يذكرنا بأنه لاشيء ثابت في حياة الانسان.

كل الضمانات الاجتماعية التي انخرط فيها الانسان لايمكن أن تضمن له عدم الإصابة بهذا الفيروس.
فيصبح معنى الحياة قائما على الابحار في بحر متلاطم من اللايقينيات. لاتبدوفيه الابعض اليقينيات الصغيرة من حين الى آخر نتزود منها.

ولكن مع ذلك لايمكن للإنسان أن يعيش في حالة خوف دائم بل فقط أن يكون مستعدا لتقبل الفواجع والأحداث المفزعة التي قد تحدث بين الحين والآخر .
علينا أن نكون على استعداد لتقبل ماقد يحدث فجأة ودون سابق علم.

وأن نكون مستعدين للتحولات والنوائب لكي نستطيع عيشها ومواجهتها عند ظهورها. نحن نعيش اليوم في كل أنحاء العالم الحظر الصحي الذي سيحدث لدينا تحولات كبرى في حياتنا.

علينا أن نستغل هذا الحظر لطرح تعديلات في حياتنا الفردية والاجتماعية ، وإعادة ترتيب أولوياتنا ،كذلك يمكن أن يكون هذا الحظر فرصة للتحرر من الثقافة الاستهلاكية التي رغم معرفتنا بمضارها لم نكن قادرين على التحرر منها من قبل.

ان أزمة هذا الوباء تبين لنا كذلك أن الحق في الحياة مرتبط بمدى احترام كل واحد منا مسألة الحظر الصحي.

على كل السياسيين أن يمتثلوا الى قرارات الهيئات العلمية ، أي ان اللحظة التاريخية تقتضي الامتثال الى العلماء في التصرف والإدارة والسياسة رغم الجدل القائم فيه .فالعلم يقوم على مبدأ الوقاية، والوقاية تتطلب الفعل والفعل يتطلب الانضباط.

فما بالك اذا كانت اللحظة تقتضي العجلة والسرعة؟
علينا أن نعتنق الحب كمبدأ ، لأننا حين نحب ، نعيش من أجل الآخر ويمكن أن نتضامن مع بعضنا ،ونخضع للنظام كأساس ونجعل التطور كهدف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى