رأى

عن رواية بنات الريف للفنان يوسف وهبي

استمع

أحمد مصطفى يكتب

باختصار هي قصة قد تبدو تقليدية ولكنها في منتهى العمق. ألفها ومثلها وأخرجها الفنان المصري الكبير “يوسف وهبي بك”، الذي قدم دور (محسن) طالب الحقوق ثم القاضي فيما بعد، وخرجت للعرض في عام 1945، مع أكبر بطلات المسرح وقتها الفنانة الكبيرة “فاطمة رشدى” (التي قامت بدور الخادمة البريئة ستيتة، والتي تخدم عائلتها عائلة محسن الثرية).

إلا أنه أيضا قدمها للمسرح في الستينيات من القرن الماضي لتحل (السيدة/ أمينة رزق) من أكبر سيدات المسرح العربي محل الكبيرة فاطمة رشدي ومن خلال فرقته (فرقة رمسيس المسرحية) والتي خرجت الكثير من الفنانين الكبار في السابق.

والقصة باختصار تحكي أنه بعد أن غرر الفتى (محسن) المدلل طالب الحقوق وابن العائلة الثرية بخادمته الريفية البسيطة ستيتة، واغتصبها بعد أن سقاها الخمر، يتخلى عنها بل ويتهمها بسرقة خاتمه الثمين الألماس.

يتم القبض عليها وتدخل السجن، وتلد ابنهما في السجن، ثم تمر السنوات ويكبر الولد ليتحول الى مجرم، ويُتهم هذا الابن في قضية سطو وقتل.

ويشاء القدر أن يصبح (محسن) القاضي الذي سينظر في هذه القضية، وأثناء سرد محام الإبن وبعده ستيتة/الأم والتي تطلب التحدث إلى هيئة المحكمة، والتي ربما تؤثر فيها عندما تحكي قصتها، وقصة الظلم الاجتماعي الذي تعرضت في حياتها منذ حادث اغتصابها، ثم الوصم بالسرقة وانعدام الشرف.

فيتعرف محسن/القاضي على ستيتة أم ابنه، والتي أتت أيضا للدفاع عن ابنها، يطلب منها الغفران، ويتنحى عن النظر في الدعوى لأنه وجد نفسه بشكل ما طرفا فيها (خصم وحكم) وهذا يتنافى مع عمل القاضي.

القصة بالرغم من بساطتها – إلا أنها في منتهى العمق – إضافة إلى أن هناك مشهد المحاكمة وكيف تعاملت الفنانة/ أمينة رزق بمنتهى الحرفية، وكأنها ليست على خشبة مسرح والناس الذين عاصروا العرض المسرحي قالوا: “لقد كنا نبكي في هذا المشهد وكأننا في محاكمة لضمائرنا” – لأنها من خلال كلماتها أقرت بحقيقة مغزاها أن “القوانين خلقت فقط للضعفاء، وأنه لا يوجد عدالة تنصف الفقراء” أما الكبار والنافذين، فلا يتعاملون مع الشركاء في المجتمع بأي قانون، إلا من خلال قوانينهم هم، والتي هي فوق أي قوانين وضعية بل هي فوق البشر.

الغريب أن الفنان الكبير يوسف وهبي قدم تقريبا ثلاثة افلام من نفس النوع الميلودرامي أو التراجيديا الاجتماعية فقدم (أولاد الذوات) و (أولاد الفقراء)، وفي الثلاث روايات يتحدث عن نفس حادثة الاغتصاب البشعة التي يقوم بها أحد أبناء الأغنياء لـ فتاة فقيرة – وان المجتمع الذي نعيش فيه هو ليس مجتمع العدالة والإنصاف – وهذا كان ما قبل منتصف القرن الماضي والقرن العشرين.

بالرغم أن هذه الروايات أدبية إلا أنها لها مغزى سياسي كبير وربما تنطبق حالة (ستيتة) هذه الفلاحة التي اغتصبت و اتهمت بالسرقة ظلما على حالة (فلسطين)ن والصراع الدائر حولها.

فنجد أن الدول النافذة غربيا تمثل دور (محسن) هذا الشاب الثري وعائلته والتي حتى ترى انه من العار المساواة ما بين محسن ابن العائلة الثرية مع ستيتة ابنة الخدم – وخصوصا عندما نسمع ونرى تصريحات السياسيون الغربيون عند المقارنة بين أبناء غزة الذين يقتلون يوميا وبعض الإسرائيليين الذين قتلوا ربما من خلال سلاح إسرائيلي مضاد ردا على عملية (7 أكتوبر) الماضي.

وهنا يوجد انحطاط أخلاقي بسبب عدم المساواة ما بين البشر التي أقرت بها كل الأديان السماوية، وايضا نسيان أن العرب أحفاد نبي الله إبراهيم عليه السلام من ابنه سيدنا اسماعيل، كما أن اليهود الحقيقيين أحفاده لأنهم أحفاد سيدنا إسحاق وليسوا هم الموجودون حاليا الآتين من الشتات من أصول غير معروفة – فمن هم موجودون من مستوطنين ليسوا هم الساميين أصلا.

فالمجتمع الدولي لا يفرق كثيرا عن مجتمعاتنا فلا يفرق مع الدول الكبرى الاستعمارية (أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) موضوع القانون الدولي في أي شيء. بحيث إذا راجعنا التاريخ سنجد أن الأربع دول ارتكبوا جرائم إبادة بشرية في كل الدول التي احتلوها، أو خربوها منذ القرن الثامن عشر مع ظهور محاولات احتلال للدول الأضعف، بسبب ظهور المجتمعات الرأسمالية الغربية، والانتاج الكبير بفضل اكتشاف قوة البخار.

النقطة الثانية – يحاول هذا الغرب الأعوج حاليا فرض قيم معينة لا تتناسب مع مجتمعاتنا الشرقية والعربية والاسلامية مثل القبول بـ “الثورة الجندرية” لضرب أسس الأسرة في مجتمعاتنا. تلك الأمور التي تعاني منها تلك المجتمعات القائمة على الفردانية، والتي تتيح للابن أن يحبس أبوه إذا حاول تقويم أخلاقه، أو أن تتدخل الشرطة في التربية العائلية ما بين الآباء والأبناء، كما رأينا في ألمانيا مؤخرا. ومحاولة الشرطة الألمانية الحصول على أبناء أحد الأسر المسلمة وغير المسلمة المناهضة لتلك الثورة الجندرية.

وهنا يوجد إنحطاط أخلاقي غربي ثاني بسبب إتهامنا بـ “التخلف” من وجهة نظرهم. بسبب ارتباطنا بالأسرة الطبيعية والعلاقات الطبيعية ما بين البشر. تلك العلاقات التي تصون الجنس البشري والصحة العامة.

النقطة الثالثة – تتمثل أنه إذا قتل الاسرائيلي مواطن عربي أو حبسه دون وجه حق أو أصابه فهذا تم غض الطرف عنه ويطلب منا دائما ضبط النفس – أما إذا قام الفلسطيني، بعد إهمال غربي لما يزيد عن 75 عاما، بالدفاع عن نفسه؛ والحصول على حصة متكافئة للحياة، وتحرير أرضه من جيش الاحتلال ومستوطنين، ممن ليس لهم الحق في الأرض، مع مشهد عبثي مؤلم فيه إجبار الفلسطيني على هدم بيته بنفسه وامام جيرانه وبأمر من المحكمة؛ فإن الفلسطيني إرهابي.

وهنا توجد إزدواجية معايير ليس لها حد وغير مسبوقة – أين كان الضمير العالمي الإنساني من كل هذا الظلم الواقع على إخواننا في العروبة والدين والانسانية؟! ما ننسى تكرار هذا في حوادث مشابهة في منطقتنا فلا ننسى كيف تم الحرب على العراق، ومن خلال كذب وزير خارجية أمريكا في ذاك الوقت (كولين باول)، وقتل مليون ونصف عراقي من الأبرياء وتعريضهم للتعذيب من خلال سجن أبو غريب – ما حدث في ليبيا – ما حدث في الصومال – ما لا زال يحدث في سوريا – وما حدث في لبنان سابقا – إذا راجعنا كل ذلك، سنعرف من هو الإرهابي الحقيقي.

النقطة الرابعة – هي أن المنظمات الدولية بسبب دولة المقر لأن غالبيتها في الغرب للأسف، يتم التعامل معها ومع موظفيها وكأنها أملاك لدول المقر، سواء في أمريكا أو سويسرا أو النمسا، وعليه فيقوم وزير خارجية الكيان بفرض الاقالة على الأمين العام بسبب بعض الكلمات المنصفة لقلسطين، بدعوى أن الدول الغربية أكبر مساهم فيها بشكل مادي مقارنة بالدول الأخرى. وبدعوى ان امريكا والغرب يدفعان اشتراكات الدول الأخرى الفقيرة سنويا.

وعليه لا نجد مواقف فعلا منصفة في صف قضايا الجنوب. وخصوصا قضية القرن “القضية الفلسطينية” ونجد أن أي قرار إدانة لإسرائيل في مجلس الأمن، بالرغم من المستندات الثبوتية، وعلى مدار عقود يرفض بسبب قوى الشر الثلاثية (أمريكا وبريطانيا وفرنسا)، ومن والاهم مثل دولة “اليابان والإمارات” التي كان لهما دورا مخزلا في مجلس الأمن مؤخرا لمصالح شخصية.

ونجد أن أمريكا والقوى الموالية لها أمثال بريطانيا وفرنسا تحاول أن تلعب دور الخصم والحكم في ذات الوقت، كما شاهدنا في المسرحية فـ محسن (المعتدي) على ستيتة، هو نفسه القاضي الذي يحاكم ابنها.

فالقانون الدولي لا ينطبق فقط إلا على دولنا، بينما إسرائيل والغرب القانون الدولي لا يطالها لأنهم من يلعبون بهذا القانون.

الجميل والملفت أن حسب تقارير اعلامية اسرائيلية نفسها أن الجيل الجديد في أوروبا وأمريكا لا يرى على سبيل المثال أن فصيل حماس جماعة إرهابية ويصطفون ويقفون بجانب الحقوق الفلسطينية المشروعة وأيضا يروا حاليا غالبية الشباب أن اسرائيل هي الكيان الإرهابي ويجب ألا يتم دعمها.

وكما ذكر في تقارير إعلامية عالمية أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت كالسحر الذي انقلب على صاحبه وأصبحت آداة في يد الشباب العربي والمسلم والمناصر للقضية الفلسطينية ولهذا يحاولون التعتيم عليه ولكن الشباب الحمد لله في منطقتنا يعرف أيضا كيف يخدع الذكاء الصناعي واللوغاريتمات الخاصة بهذه المواقع وينشر فكرته ووجهة نظره.

وفي النهاية لا بد أن يعترف الغرب أن العالم اختلف، وان لم يحترم الغرب الحركة العالمية الجديدة ويصبح طرف فيها ويقبل بالتعددية، لن يصبح له مستقبل. لأنه أيضا توجد تقارير عدة تؤكد إعادة تفكير الكثير من الشباب في منطقتنا من السفر الى الغرب للدراسة او العمل بسبب العنصرية وازدواجية المعايير، وهي ليست المرة الأولى بعدما حدث في أوكرانيا قبل موضوع غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى