رأى

بحر الصين الجنوبى..ساحة متجددة للصراع الامريكى الصينى

استمع

د. أميرة عبد الحكيم

لم يكن استقبال لهيب صيف يوليو هذا العام قاصرا على ارتفاع درجة حرارة الجو فحسب، بل امتد ليستقبل لهيب العديد من الصراعات والخلافات الاقليمية والدولية، فإلى جانب ما تشهده المنطقة العربية من تزايد لحجم المخاطر والتهديدات التى تنذر بانها مقبلة على مستجدات عديدة، شهدت منطقة بحر الصين الجنوبى توترا جديدا مع ارسال الولايات المتحدة لحاملتي الطائرات رونالد ريغان ونيميتز لإجراء مناورات غير مسبوقة في بحر الصين الجنوبي تزامنا مع بدء الصين في اجراء تدريبات لمدة خمسة أيام اعتباراً من أول من يوليو بالقرب من جزر باراسيل، الامر الذى صاحبه تصعيد خطابى بين البلدين ليسكب مزيدا من التوتر على مسار التصعيد الممتد بينهما بدءا من الحرب التجارية مرورا بتفاقم ازمة كوفيد19 والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وصولا إلى تجدد الصراع في بحر الصين الجنوبى والذى تراه الصين تهديدا مباشرا لأمنها القومى معتبرة ان الوجود الامريكى في تلك المنطقة التى تشهد نزاعا قديما بين اطراف دوله المطلة عليه هو السبب الرئيسى في تصاعد التوتر بين كل من الصين وفيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي، حيث يتنازعون على حقوق السيادة على مناطق من البحر الغني بالموارد، والذي تمر عبره تجارة حجمها نحو ثلاثة تريليونات دولار سنوياً، وتسعى الصين إلى السيطرة على 90% منه وهو ما يواجه بمعارضة قوية من جانب الاطراف الاخرى التى رأت في التقارب مع الولايات المتحدة الامريكية طوق نجاه لمواجهة العملاق الصينى، وهو ما وجدته واشنطن على الجانب المقابل فرصة سانحة لنقل المواجهة إلى الجوار الصينى المباشر بما ينعكس بلا شك على توجهات بكين وسياستها.
ومن ثم، فما اقدمت عليه الولايات المتحدة من اجراءها لمناورات بحرية في هذا البحر وفى هذا التوقيت على وجه الخصوص حمل رسالة قرأتها الصين جيدا بأن الهدف هو استعراض للقوة مماثل من جانب الولايات المتحدة في المنطقة، وذلك من خلال ما ذكرته عن طبيعة هاتين الحاملتين، حيث أشارت إلى ان كل حاملة بها نحو 90 طائرة، كما يوجد حوالي 12000 بحار على متن سفن مجموعتي حاملتي الطائرات.
وغنى عن القول إن الرسالة الامريكية إلى الصين رغم الاتفاق على صحة قراءتها صينيا، إلا أنها حملت بعدا آخر يتعلق ببعد المنافسة الدولية المرتقبة بين الطرفين، إذ أنها ارادت بهذه الرسالة التأكيد على قدرة الولايات المتحدة على الوصول إلى مناطق النفوذ المباشرة للصين وفرض وجودها فيها في حين لن تتمكن الصين من الرد بذات الطريقة او على الاقل بطريقة مشابهة عن امكانية وجودها في مناطق النفوذ المباشرة للولايات المتحدة سواء برا او بحرا، وهو ما يعطى بدوره مؤشرا على أن القول بأن الصين اضحت قوة دولية قادرة على مواجهة الفاعل الدولى الاكبر والاقوى ممثلا في الولايات المتحدة، هو قول يغلب عليه الامنيات أكثر منه حقائق على ارض الواقع. مع الاخذ في الاعتبار ان هذا الرأى لا يقلل مما حققته الصين من انجازات عديدة في مختلف المجالات داخليا وخارجيا وإنما يعكس الواقع الصينى الذى لا تزال تتمسك به القيادة الصينية حينما تنظر إلى دولتها بأنها لا تزال دولة نامية، وهى النظرة التى لابد ان تفهم دلالاته في اطار المنافسة الدولية التى تزداد سخونتها يوما بعد يوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى