مؤلف : حسین خضر
يجمع أهل السياسة والمحللون على أنّ أهم خصيصة ميّزت الثورة الإسلامية الإيرانية، وجعلتها تبدو فريدة من نوعها، هي تحررها الفعلي والعملي عن قوتي العالم الحالي آنذاك، المتمثلين بالغرب الأمريكي والشرق الشيوعي (السابق).
وقد بدأت باكراً فكرة عدم التبعية ورفض الموالاة والتأثر بقطبي النفوذ الاستكباري، وذلك قبل الثورة بسنوات عديدة ما يدل على هذه الثابتة الاستراتيجية في ثورة الإمام والشعب الإيراني العظيم، فكان شعار (لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية) يصدح في مسيرات الثورة الدامية والمواجهة لنظام عميل للغرب وشرطي الخليج الأمريكي.
وفيما يلي نحاول ملاحظة جوانب وخلفيات هذا البعد في الثورة والجمهورية الإسلامية.
أولاً: البعد العقائدي: وهو الفكرة الجوهرية لدين التوحيد ورفض الطواغيت والمتألهين الذي يريدون استعباد البشرية، ووجوب السعي لإقامة مجتمع ونظام موحّد لرب العالمين، واعتبار الشعوب مسؤولة أمام الله عن حريتها ومصيرها واستقلالها.
ثانياً: استطاعت الثورة الإسلامية المباركة بقيادتها العظيمة أن تفهم بشكل عميق العلاقات السياسية الحاكمة على الأحداث، واستفادت من أخطاء الثورات والنهضات الأخرى التي لم يقدّر لها النجاح أو الاستمرار، حيث إن معظمها كان يتجاذب بين المنظومة الغربية والشيوعية، الأمر الذي يجعل من شعوب تلك الثورات بعد انتصار الثورة تابعةً ورهينة لمصالح هذين المعسكرين الاستكباريين، ومن ثم كانت هذه الخطوة هي النواة الأولى لتأسس مفهوم التبعية في مختلف المجالات: الفكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.. ومن هنا أيضاً ابتليت الأمة الإسلامية بإلغاء شخصيتها ومسخ هويتها وتشويه حضارتها.
نعم، لقد وعت قيادة الثورة الإسلامية ألاعيب الغرب، وأدركت جيداً أن التبعية والابتعاد عن الأصالة الإسلامية هي الخيط الأول لوأد الثورة، لتجرمعها خيوط الذل والانهزامية على الأمة قاطبة، ومن استلهام هذه النظرة ودراسة أبعادها كان لا بدّ أن تنبثق جملة حقائق شكّلت الأركان الأساسية لنجاح الثورة وانتصارها وديمومتها:
أ- الهوية الإسلامية ورفض التبعية: ذلك أنّ شعباً ـ أي شعب كان ـ إذا ما أراد أن يكون مستقلاً متحرراً من التبعية لأحد، يجب عليه قبل ذلك أن يدرك أنّ له شخصيةً وأنّه يقدر على فعل شيء تجاه أمته.
ب- الثقة بالشعب ودوره: وليس من المبالغة إن قلنا: إنّ اقتران اسم الشعب الإيراني بالوعي السياسي في العالم، هو الذي مكّنه من الانتصار على أقوى معاقر الاستكبار، وقطع أيدي المستكبرين وأعداء البشرية.
ج- العمق الفكري: إنّ ميزة الثورة الإسلامية الإيرانية أنّها لم تخدع بالفرق الظاهري بين المعسكرين: الشرقي والغربي، بل اعتبرتهما معاً وجهين لعملة واحدة تقوم على المادية والاستغلال وفرض القهر والظلم، ومهما نرى من اختلاف ظاهري بينهما فهما تتحركان في حركة محورية واحدة لبتر شيء واحد، ألا وهو الشعوب المستضعفة ولا سيما الإسلامية منها.
ج- حقيقة المعركة: إن من يتوهم أن الحرب إنما هي بين الإيرانيين وأمريكا، أو بين شعبين من عرق مختلف، هو شخص ذو نظرة قاصرة ومحدودة، وبالتالي فإن أهدافه ستكون محدودة أيضاً بحدود نظرته وعمق استنتاجه. إنّ الحرب الحقيقية هي بين معسكرين ضخمين: أحدهما: الإسلام، ويرفع الشعب الإيراني لواءه ويحمي عرينه، والثاني: معسكر الكفر تحت قيادة النظام الأمريكي المستكبر.
د- التفريق بين التطوّر والتبعية: لم تنكر الثورة الإيرانية التطور الهائل الذي يشهده العالم الغربي، ولا وقفت في طريق الاستفادة منه، بل حثت عليه أيضاً، ولكنها رفضت فساده الذي يئن الغربيون أنفسهم منه، والتربية التي سلخت لإنسان عن إنسانيته وجعلته حيواناً جشعاً عبداً للشهوة وأسيراً للملذات.
لقد استطاعت الثورة من خلال هذه المنظومة الاستراتيجية أن ترسي دعائم نظام سياسي في إيران بدلاً عن ذلك النظام البائد، فأولت الشعب اهتماماً خاصاً واهتمت بمصيره، وأعادت إلى شعبها عزتهم وكرامتهم التي كانت ضائعة تحت نعال النظام الشاهي، وحققت للأمة الإسلامية في إيران استقلالها السياسي والاقتصادي والثقافي بعد أن كان مرتبطاً بالأجنبي.
والأهم من ذلك كله هو استمرارية الثورة الإسلامية، ووصولها إلى مرحلة الاعتماد على النفس، ولم تكتف بترسيخ جذور ثورتها فحسب، بل نجحت أيضاً في تصدير ثورتها إلى العالم كله، وليس من المبالغة إن قلنا: إن كل ما نشهده اليوم من الثورات العربية ضد الأنظمة الفاسدة والعميلة هو من بركات هذه الثورة وقطوفها.