رأىسلايدر

فايزر.. بين تخصيب “ذكورة” العرب.. و”الشك” فى اللقاح..؟!

استمع

مفيد الديك

الإعلامى القدير.. والدبلوماسي الأمريكى سابقآ

كما الحال في غالبية الأمور والقضايا، بدلا من أن تكون الإنترنت وما تفرع عنها من منتجات مصدر تنوير وفائدة علمية وثقافية للمواطن العربي، تحولت الشبكة العنكبوتية إلى مصدر تجهيل وغسل للأدمغة العربية. وحسب الكثير من الأبحاث والدراسات الأجنبية عن استخدام الإنترنت في العالم العربي، فإن غالبية الكم الضئيل من المعلومات الأصلية على شبكة الإنترنت العربية تتلخص في معلومات دينية غير موثقة أو شعوذات وخزعبلات ذات طابع ديني، ومعلومات جنسية مقززة أو، وهو الأهم، معلومات مضللة وغير صحيحة وشائعات ونظريات مؤامرة لا أساس لها من الصحة أبدا. والمصيبة أن جمهورا واسعا من أشباه المتعلمين العرب، الذين ربما لم يقرأوا كتابا واحدا في حياتهم سوى كتب المنهاج المدرسي، هذا إن كانوا قرأوا حتى هذه الكتب، يلتهمون قدرا هائلا من هذه المعلومات غير العلمية والمضللة من على وسائل التواصل الاجتماعي العربية – وخصوصا فيسبوك، تويتر، واتساب وإنستاغرام. بل والأكثر إثارة للصدمة هو ظهور أشباه المتعلمين هؤلاء على شاشات التلفزيون العربي لتقيؤ المزيد من نظريات المؤامرة والشائعات في وجه المواطن العربي. الإعلام في بلاد العرب بات تجهيلا مكشوفا ومفضوحا ووقحا إلى حد يثير الاشمئزاز والاكتئاب والغضب دفعة واحدة.

ولعل أحدث التجليات الأكثر وضوحا وإثارة للغضب لهذا الانتشار الهائل وغير المتناسب للمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة يتعلق بما ينشر ويقال ويتم تناقله على أنه حقائق مسلم بها عن اللقاحات الجديدة لمكافحة وباء كورونا الذي دمر اقتصادات المنطقة العربية، كما واقتصادات بقية العالم، وحياة مواطنيها الصحية والاجتماعية والثقافية والتعليمية. ففي الوقت الذي بدأت فيه بعض بلدان المنطقة بالاستعداد للحصول على دفعات من هذه اللقاحات التي طال انتظارها، خصوصا اللقاحين الأولين من شركتي “فايزر” و”موديرنا”، سارعت هجمات عباقرة وسائل التواصل الاجتماعي العربية بنشر كم هائل من الشائعات وأنصاف الحقائق ونظريات المؤامرة التي ينبغي ألا تمر على طالب أو طالبة في الصف الثاني ابتدائي. ومع ذلك، وهو المثير للحزن والاكتئاب، فإن نسبة عالية جدا من القراء في العالم العربي تسارع لا إلى التهام هذه المعلومات المسممة وإضافتها من دون أي تمحيص أو محكمة منطقية أو عقلانية، بل ونقلها بحماس إلى آخرين، كتابة أو مشافهة إلى حد أنك لو أجريت استطلاع رأي حر في المنطقة العربية حاليا، لخلصت إلى أن أكثر من 50 بالمئة من سكانه لن يأخذوا هذه اللقاحات. والسبب هو هذا الكم الهائل من هذه المعلومات السخيفة، غير العلمية وغير المستندة إلى أي علم أو منطق.

من أبرز المعلومات المضللة الشائعة الانتشار في المنطقة العربية، أن لقاحات كورونا تحتوي على جسيمات أو روبوتات صغيرة تم وضعها في تركيبة اللقاحات الجديدة من أجل تسجيل البيانات الخاصّة للأشخاص الذين يأخذون أيا من اللقاحين. ويستشهد ناشرو هذا النوع من نظرية المؤامرة بكلمة لرجل الأعمال الأميركي صاحب شركة مايكروسوفت بيل غيتس في تسعينات القرن الماضي أن العلم يبحث في إمكانية زرع شرائح لجمع المعلومات عن متلقّي اللقاح، وهو كلام من صنع خيال مطلقي ومروجي مثل هذه الشائعات التي لا أساس لها من الصحة.

وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، هناك الفيديو الواسع الانتشار على مواقع التواصل في العالم ولاسيما في المنطقة العربية وروسيا وتشيكيا، الذي تحاول فيه سيّدة إقناع المشاهدين بأن لقاح أسترازينيكا/أوكسفورد يحتوي على خلايا “أم آر سي-5″، وهي خلايا من أجنّة بشريّة. المشكلة في هذا الفيديو الذي يستهلكه ويروجه مروجوه ومشاهدوه بدون أي تمحيص هي أن هذه السيدة صاحبة الفيديو وقعت في التباس بسبب اطّلاعها المنقوص على دراسة نشرتها جامعة بريستول البريطانية تحدثت فيها عن اختبار لقاح الشركة والجامعة البريطانية العريقة على خلايا الأجنّة البشريّة وليس عن استخدامها في تركيبته.

وهناك منشورات أخرى متداولة في فضاء شبكة الإنترنت العربية التي تثير قلق المستخدمين من أن لقاح فايزر تحديدا يحتوي على مادّة تسبّب العقم لدى النساء، وتداولها آلاف المستخدمين على مواقع التواصل حول العالم بلغات عدّة منها العربية، وهو ادعاء غير صحيح وفيه خلط علمي واضح بحسب الخبراء العلميين، لا خبراء الإنترنت العرب.

فضلا عن ذلك هناك واحدة من أكثر الشائعات تداولا عن اللقاحات المضادّة لفيروس كورونا أنها تحتوي على مواد جينيّة تؤدّي إلى تغيير الحمض النووي للإنسان. صحيح أن هناك تقنيات طبيّة تقوم على إدخال مادّة معيّنة في الجينوم البشري لعلاج أمراض معيّنة عن طريق تصحيح اختلالات جينومية في خلايا معينة في جسم الإنسان من أجل منع الإصابة بالسرطان مثلا، وهو علم لا زال مستجدا حتى الآن، لكن هذه ليست حال لقاحات الكورونا. بل إن ما يحدث في هذه اللقاحات أنها تستخدم مواد جينيّة معدّلة لإيهام جهاز المناعة البشري أنه يواجه فيروس كورونا، فيسارع جهاز المناعة البشري إلى مهاجمة والقضاء على هذه المواد وإخراجها من الجسم ثم يكتسب مناعة بعد ذلك ضدّ الفيروس.

وفي السياق نفسه تقريبا، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي بلغات عديدة ومنها العربية، قصّة تحسبها واحدة من قصص أفلام الخيال العلمي الهوليوودي عن علاقة خفيّة بين مختبر ووهان في الصين، الذي تتهمه شائعات بـ”تصنيع” الفيروس، وشركات إنتاج اللقاح الغربية وشركات التأمين وبعض أثرياء العالم، بما يوحي بوجود مؤامرة متعددة الأطراف تمتدّ خيوطها في أرجاء القارات الخمس.

وحسب الوكالة الفرنسية، فمن المنشورات الداعية لرفض اللقاح، ظهر على مواقع التواصل باللغة العربية فيديو قيل إنه يُظهر تظاهرة لأطباء إسرائيليين تنديداً بموافقة السلطات على استخدام اللقاح. لكن الفيديو في الحقيقة لا علاقة له بذلك، بل هو يصوّر تظاهرة لمتدرّبين في القطاع الطبّي الإسرائيلي وهم يطالبون وزير الصحّة بتقليص عدد ساعات العمل.

ووفق الوكالة نفسها أيضا، ظهر اعتباراً من الأول من الشهر الجاري باللغات العربية والإنكليزيّة والفيليبينيّة منشور ينسب للبابا فرنسيس قوله إن تلقّي اللقاح شرط لدخول الجنّة، لكن هذا الخبر غير صحيح البتة، بالطبع، وهو ظهر أولًا على موقع ساخر ثم التبس على الكثيرين فانتقل إلى صفحات مواقع التواصل على أنه حقيقي. وظهرت صورة قيل إنها لابنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهي تتلقى اللقاح، لكن الشابة الظاهرة في الصورة ليست ابنة بوتين، بل هي متطوّعة روسية تدعى ناتاليا.

أصدقائي، قبل أن نبادر إلى استهلاك وتداول مثل هذه الرسائل المضللة، المسممة، التي تتسم بالجهل المطبق لا لمن ينشرها أصلا، بل لمن يوزعها بحماس ونشاط، علينا أن نطرح على أنفسنا الأسئلة التالية:

*   هل وباء الكورونا فيروس حقيقي قضى حتى الآن على ما يقرب من مليوني شخص وأصيب به ما يقرب من 80 مليونا حتى الآن. الجواب هو نعم قاطعة.

*  هل كاد هذا الوباء أن يقضي على اقتصادات العالم كله، المتقدم منه والمتخلف، ومعها حياتنا الاجتماعية والثقافية والعلمية؟ الجواب هو نعم قاطعة.

* هل يتطلع العالم كله، ومنهم العرب والمسلمون، منذ اكتشاف الوباء قبل سنة تقريبا إلى اكتشاف لقاحات له لتكون الحل الوحيد القادر على إعادة تحصين البشر ضد هذا المرض لنستعيد بعضا من طبيعية حياتنا؟ الجواب هو نعم قاطعة.

ألا تحصل المنطقة العربية والإسلامية على 99.9% من عقاقيرها ولقاحاتها ضد كل الأمراض المتفشية في العالم منذ عشرات السنين كالسل والتيفوئيد والحصبة والجدري والكوليرا وغيرها من دول العالم الغربي المتقدم كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا؟ الجواب هو نعم قاطعة.

ألم يحصل كبار القادة العالميين على جرعات من اللقاحات الجديدة فور موافقة الهيئات الصحية والطبية في هذه الدول، ومن أبرزهم الرئيس الأميركي المنتخب بايدن ونائبته هاريس ونائب الرئيس الحالي مايكل بنس والرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو؟ نعم قاطعة.

هل تعتقدون أن هؤلاء الزعماء الذين تحيط بهم أفضل العقول في بلدانهم أقل ذكاء ومعلومات منكم حين سارعوا إلى أخذ هذه اللقاحات وأمام الكاميرات مباشرة؟ هل تعتقدون أنه لو كان لدى المستشارين الطبيين لهؤلاء الزعماء الذين قد يكونون الأفضل في العالم أي شك في أن في هذه اللقاحات واحد بالمليار من الأمور التي تتحدثون عنها على وسائل تواصلكم الاجتماعية، لكانوا شجعوا هؤلاء القادة على أخذ هذه اللقاحات؟

أصدقائي، دعوني أختم بالاستشهاد بشعار هزلي متداول على الإنترنت لشركة فايزر، الشركة المكتشفة للقاح الأول للكورونا وهو: (You trust us with your penis, trust our vaccine!) “لقد ائتمنتمونا على أعضائكم الذكرية، (فايزر هي الشركة المنتجة لأكثر العقاقير المنشطة جنسيا – عقار الفياغرا) فليتكم تأتمنوننا على لقاحنا المضاد للكورونا!” كفى!

our vaccine!) “لقد ائتمنتمونا على أعضائكم الذكرية، (فايزر هي الشركة المنتجة لأكثر العقاقير المنشطة جنسيا – عقار الفياغرا) فليتكم تأتمنوننا على لقاحنا المضاد للكورونا!” كفى!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى