رأى

المرأة عبر العصور.. ميزانُ حياة

استمع

د. حذامى محجوب

ان فترة الحظر الصحي التي نعيشها جعلتني أفكر في كل القرون التي عاشتها المرأة وهي قابعة في البيت تنتظر عودة زوجها.

كيف كانت حياة هذه النساء؟!
كيف كانت تتحملن سجن البيت ؟ وتعاقُب الأيام المتشابهة؟!

يبدو أن الأمر كان مختلفا اذ كما كان يولد العبد عبدا ، كان المكان الطبيعي للمرأة هو البيت ، بل ان استقرار المرأة بالبيت يعد فضيلة وواجب على المرأة، يقتضيه العرف والدين والذوق السليم . يقول كانط ” المرأة هي البيت” كما أن خضوعها لقانون الأسرة والمجتمع، هو ضمان تماسك العائلة وتوازنها وخلاصها ، فهو الذي يعلمها ويجذر فيها الانضباط ، وذلك بالقضاء على كل رغبة لديها في الانفلات “.

وتحدث ميشال بيرولت في كتابه -تاريخ النساء- عن العلاقة الوطيدة بين النساء والحركة . يقول ” كان وجود المرأة دائما مرتبطا باستقرارها في البيت والانتظار . كانت بينيلوب في انتظار اوليس الذي خرج الى حرب طويلة، كما تنتظر الفتيات العذارى رجلا يأتي لتحريرهن وتمكينهن من تحقيق مصير ما.

فالنساء مكانهن البيت. يجب أن تكن في البيت ” من أجل أطفالهن. فهن نقطة الوصل ، انهن مرجع ثابت، بينما يكون الرجل ، دائما مشدودًا الى الخارج ، قضايا العالم تناديه .فالرجل هو الذي يهتم بالسياسة ، هو الذي يخوض الحروب ، هو الذي يدير العالم. ان الفضاء العام ظل لسنوات طويلة حكرا على الرجال ولا يحبذ ظهور النساء فيه.

كذلك فان وجود النساء بين الجدران هو نوع من الحذروالتوقي منهن والحد من تأثيرهن ،ففي داخل البيت تكون المرأة تحت الرقابة بسهولة.

أما المرأة التي تخرج الى الشارع فهي تفلت من العقال و تفلت من المراقبة.

هذا ما نجده كذلك عند أمهاتنا حين كانت توصينا دائما بأن المسافة الوحيدة المسموح بقطعها هي بين البيت والمدرسة في بحيث يعد كل زيغ عنها خروج عن الاخلاق لايجدر ببنات الأصول ويعرض من تجرأن عليه الى العقاب.

لكن خروج المرأة الى العمل واضطلاعها بكل قضايا الحياة العامة جعلها تفقد الشعور بأن البيت هو عالمها الخاص وحدها وأصبح لايخرج عن كونه مجرد مكان تلجأ اليه في آخر النهار للراحة.

لذلك فان ماتشعر به المرأة اليوم من تقييد لحريتها لايمكن أن نقارنه بشعور المرأة في العصور الماضية ، فهن بالضبط عصفورتين مختلفتين :عصفور ولد في قفص ولم يرفرف بأجنحته خارجه وعصفور لم يدخل القفص يوما.

كما أن الحظر الصحي قد جعل الرجال القابعون في البيوت يشعرون بالإحباط فضلا عن كونهم يواجهون مصيرهم مع النساء اليوم في عملية مواجهة يومية لم يتعودوا عليها وهي مباغتة، لم يعدوا لها لا العدة ولاالعتاد.

أكيد أن العالم لن يكون بعد الكورونا على ما كان عليه قبلها ، وأن العديد من العائلات سترج رجا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى