رأى

مصر.. والشرق الأوسط الجديد

استمع

محمد ربيع الشلويUntitled
محام ومستشار تحكيم دولي.. ماجستير في القانون العام
باحث بالدكتوراة بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية

لطالما تحدثت عن مشروع الشرق الاوسط الكبير ، الذي تسعى إليه الولايات المتحدة حثيثةً ، ولاسيما الغرب مستهدفا المنطقة ، ومحوره الأساسي هو أن تتحول دول المنطقة إلى دويلات صغيرة ،ضعيفة ومتناحرة ، وتكون دولة إسرائيل هي الدولة القوية المسيطرة ، وذلك لضمان حفظ أمن إسرائيل في المقام الأول ، ولتسيير مصالحها الإستراتيجية .

هذا المشروع يتم إعداده منذ ثلاث عقود مضت ، وقد أعلن عنه جورج بوش الأب في بداية توليه الحكم ، وأكد عليه بوش الابن ، وصرحت الخارجية الأمريكية على العمل على إتمامه كذلك في الكثير من المناسبات.
ولكن ذلك المشروع المزعوم ، رأينا أن الولايات المتحدة قد أثنيت عن مواصلة المشروع أو مجرد الحديث عنه منذ إندلاع ثورات الربيع العربي ، حتى الأمس القريب.

ولكن يظل الغموض يكتنف المشروع ؟ ونتسائل أحققت الولايات المتحدة أهدافها المرجوة ، أم فقد المشروع أهميته ، وتراجع دور جماعات الضغط اليهودي على الإدارة الامريكية .

لقد شعرت الولايات المتحدة أن مشروعها قد بات شبه منجز ، بعيد نشوب ثورات الربيع العربي ، وبعد هدوء حالة الهياج الشعبي ، وبعيد ما ظهرت الخلافات الداخلية ، ودبت النزاعات والخلافات الحزبية الطامعة والمتطلعة للحكم ، وهذا ما اكدته مجلة الفورين بوليسى الأمريكية في تقرير لها تقول فيه : ( الشرق الأوسط يفقد أهميته لدى الولايات المتحدة).
وهي قولة حق يراد بها باطل ، لقد شعرت أمريكا أن المنطقة باتت تحت السيطرة ، وأن إبنتها الصغرى إسرائيل في أمن وطمنأنينة ، حالما ظلت الأوضاع العربية كما تبدو للعيان.

ورغم بزوغ الدب الروسي كلاعب محوري على الساحة الدولية والإقليمية، فإني أرى أنه ليس بعود آبق كما لم يعد يذكرنا بصراع القطبين القديم صراع الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي أو ما يعرف بالحرب الباردة

ونعرف أن واشنطن قد أزاحت الكثير من الأنظمة المتحالفة مع روسيا فى الشرق الأوسط ، كنظام صدام حسين في العراق والقذافي في ليبيا ، وحاولت بضراوة مع نظام الأسد الحليف العربي الوحيد لروسيا الذي لايزال لها باقياً، ولكن دون جدوى .

موقف كبريات الدول حيال الشرق الأوسط.. لابد لن نعلم أن دفاع روسيا المستميت عن سوريا حليفتها ، لم يكن مجرد دفاعاً عاطفياً ، لا تتغيا من ورائه أية غاية ، فالقاعدة أن المصالح هي قانون لعبة السياسة ، فلا يخفى على الجميع أن موسكو تريد أن تلعب دورا على المسرح الدولي ، ولا تريد أن تخسر سوريا حليفها في الشرق الأوسط ، وكذلك لا يغيب عنا جميعاً إمتلاك الروس قواعد عسكرية ، لاسيما القاعدة البحرية في طرطوس، وكذلك لديها المدرسة الحربية الروسية في جبلة جنوبي اللاذقية ، وتسعى روسيا للحفاظ على منطقة نفوذها وعدم خسارة الدول التي تدور في فلكها وتتبعها، كدول في القرن الأفريقي ، و موزمبيق وأنغولا ، التي ستفقد ثقتها بموسكو حالما تخلت الأخيرة عن حليفها السوري فموسكو تريد أن تؤكد أن تحالفاتها لا تسقط .

الخوف من المد الإسلامي والإسلاميين .. هدف مشترك وتوافقي.. كما أن الخوف من الإسلاميين سيظل هاجساً وورقة رابحة للعب أو التلويح بها بين الحين والآخر ، أو بمعى أصح الخوف من المد الإسلامي ، لاسيما الشيشانيين الذين لطالما أرقوا وأقضوا مضجع موسكو، وطالما قمعتهم روسيا قمعاً عنيفاً.

أما عن الصين فهي تحذو حذو روسيا ، وتسعى أيضاً لنيل دور دبلوماسي ، وتلاقت إرادتها مع روسيا فهي أيضاً تسعى ، إلى كسر الهيمنة الأحادية الأمريكية والأوروبية في الشرق الأوسط ، فضلاً عن المصالح الإقتصادية فحدث ولا حرج ، فبكين لديها إستثمارات عملاقة في مجالي النفط والغاز ، وتمتلك أكثر من ثلثي أسهم شركة شل سوريا ، فضلاً عن العديد من الإستثمارات لها هناك.

وهذا ليس السبب الوحيد لاستخدامها حق النقض او الفيتو دفاعا عن النظام السوري ، كما أنها هي نفسها دولة تقمع تيارات وعرقيات لديها ، وتخشى الإدانة الدولية لها عن إرتكاب إنتهاكات ضد التبتيين والأويغور .

أما عن إيران فهي هدأت هدوء حذر مذ إندلاع ثورات الربيع العربي، بيد أنها سرعان ما عادت لتذكر بدورها الإقليمي في سوريا وفي غيرها، وهي تدرك تماماً أن سقوط نظام الأسد سيؤثر بلا شك في قدرة ونفوذ إيران في المنطقة ، فطهران لن يكون من السهل خسارة حليف كبير، له ثقل كبير على وأهمية الموقع الجغرافي الإستراتيجي لسوريا بالنسبة لإيران، فهي تبذل قصارى جهدها لضمان بقاء نظام الأسد ، مجندة ميليشيات حزب الله ، لوقف تيار الجيش الحر هنالك .
روسيا تناور الغرب بملف أوكرانيا.

بعد إستياء موسكو من التدخل السافر للاتحاد الاوروبي في شئون اوكرانيا الداخلية ، بعدما حذرت لاوسيا وقالت على لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف وقالت ” أن المخاطر ستكون عالية، وستجعل من الأزمة الأوكرانية ساحة لحرب باردة جديدة، فروسيا تتهم الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية بالسعي إلى إقامة ( منطقة نفوذ) في أوكرانيا.

وسط تخوف وحذر من الولايات المتحدة ووصفت روسيا لا بد وأن ستلعب دورًا على ساحة الداخل الأوكراني، لأنها الأقدر والأدرى بمشكلات وشعاب كييف ، ولا يمكن بأي حال من الاحوال تجاهل مصالح روسيا التي تدفعها للتدخل في مستقبل دولة جوارها.

ولايمكن ان ننكر أن تراجع السلطات الأوكرانية عن مشروع شراكة مع الاتحاد الأوروبي لمصلحة الإقتراب من روسيا، وقد أدى الى إندلاع حركة احتجاجات شعبية ، ولازال الأمر على صفيح ساخن .
روسيا تظهر وتعود من جديد بقوة …

فلو راجعنا موقف البلدين السياسي روسيا منذ الثلاثين من يونيو موقفها متضح وأيدت هي والصين، وأعترفا أنها ثورة شعبية منذ البداية وأن الشعب بيديه تقرير مصيره ـ على حد قولهما ـ فما يهمهم هو محاولة مد نفوذهم ، لإعادة بسط سيطرتهم على الشرق الأوسط الجديد ، أو تقليص السيطرة أحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة أو الغرب ، بمد يد العون للحكومة المصرية الحالية ، بعدما صدموا من موقف النظام الإخوان السابق والذي كان يقطع العلاقات مع نظام الأسد صراحة ، ورأته تأييداً لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل ، وحتماً سينال مصالحهما المشتركة بالضر.

أما عن مصر فقد بدأت تسطر عهداً جديداً ، من إحماء العلاقات وتحريك المياة الراكدة ، بالانضمام كحليف لروسيا ، لإضفاء نوعاً من التوازن بين القوى المسيطرة في الشرق الأوسط ، مستندة على حربها ضد الإرهاب ـ ومحاولة إصلاح الإقتصاد ، ومواجهة التحديات ، والمشكلات الحالية والمرتقبة.

أخيراً.. لمصر دور محوري وهام في المنطقة ، ولها ثقلها ، وتأثيرها على بقية الدول العربية ، فعليها أن تعي حكوماتها أهمية هذا الدور في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد ، دون المساس بمقدراتها ، وثروات شعبها ، أو أرضها ومستقبلها ودورها في المنطقة ..

ولكن ياترى هل تحالفنا مع دولة كروسيا سيجدي نفعاً ، أم سيعيد التوازن الدولي في المنطقة ، لنزيح عنا ربقة الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط ، أو الهيمنة أحادية الجانب ، أم هي مجرد ورقة تتلاعب بها روسيا ، للضغط على الغرب والولايات المتحدة ، أم تبحث عن بديل للحليف السوري ، الذي قربت نهايته ، وبات نظامه يعالج ما تبقى له من زماء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى