رأى

قمة العرب 2015.. تحديات وفرص متجددة!

استمع

د/ محمد عبد العظيم الشيميtn

أستاذ العلاقات الدولية – جامعة حلوان

 تنطلق اليوم بمدينة شرم الشيخ فعاليات القمة العربية العادية فى دورتها العادية السادسة والعشرين برئاسة مصرية ووسط مشاركة وتمثيل غير مسبوق على مستوى القادة، وفي ظل تحديات تواجهها المنطقة فبالإضافة إلى بروز تنظيم داعش الذي سيطر خلال أقل من عام على أجزاء واسعة من العراق واستمرار الحرب في سوريا وليبيا، كان الحدث الجلل خلال الأيام الماضية العملية العسكرية الأولى من نوعها، التي تقودها السعودية ضد حوثيي اليمن.، ومكتسبات لفرص ابرزها مجالات لتعاون اقتصادي موسع على المستوى العربي، و حتمية تشكيل قوة عربية مشتركة.

وتأتي على رأس التحديات التي تواجه القمة الحالية:

* مواجهه تصاعد دور داعش والوضع الأمني بالمنطقة!

 يمثل توسع التنظيمات الإرهابية فى دول الربيع العربى، خاصةً تنظيم داعش الذى نجح فى الاستيلاء على مدن وقرى عراقية وسورية كاملة فضلاً عن انتشاره فى ليبيا واليمن ودول عربية أخرى، وهو ما أدى إلى توحشه وقيامه بأعمال تهدف إلى بث الرعب فى المناطق التى تقع تحت سيطرته لتنشيط الرغبات الانفصالية للأقاليم المختلفة وتثبيتها كحقائق على أرض الواقع.

 وبنظرة إقليمية كاشفة نجد أن هناك ثلاث قوى تنتظر الفوز بنتائج الفشل العربى فى مكافحة الإرهاب هى إيران وتركيا وإسرائيل وهم معنيون بشكل مباشر بدعم إدارة الإرهاب، وتجدر الإشارة إلى أهميةإدارة أخرى لمواجهة الإرهاب مع هذه القوى الإقليمية الداعمة له بشكل مباشر ولم يعد الأمر سراً على ما تقوم به تركيا من تمرير وتمويل المتطوعين لداعش وتجارة وتهريب لنفط سوريا والعراق، ويمتد دور تركيا إلى شمال إفريقيا فى دعمها لحكومة غير شرعية فى طرابلس ليبيا، أما إيران فهى تسِّير بالفعل ميليشيات بالعراق هذا غير احتلالها الفعلى لسوريا بوحدات من الحرس الثورى وميليشيات حزب الله وها هى تكشر عن انيابها فى اليمن.

 وقد وضح من التحركات السياسية والدبلوماسية المصرية الأخيرة من وضوح الهدف النهائى من تلك الزيارات الرئاسية واستقبال الأشقاء من القادة العرب وكبار المسئولين فى القاهرة حيث يريد الرئيس السيسى أن يوقف مسلسل التدهور فى الوضع الأمنى والإنسانى العربى رغم تركيزه على استعادة قوة واستقرار الدولة المصرية فى الداخل وهى المهمة التى تسير على نحو جيد ولا تختلف عن الهدف من التحركات على الصعيد العربى والإقليمي، فمصر هى نقطة الارتكاز فى أى مشروع عربى وبدونها يصعب المضى فى أى خطة طموح لتغيير الواقع المؤلم.

ونقطة البداية فى التحرك المستقبلى أن نتوقف عن الأسلوب القديم فى طرح المشكلات التى تهدد التعايش المشترك بين شعوب العالم العربى وان نصارح أنفسنا بطبيعة التهديدات دون مواربة أو خشية حسابات من هنا أو هناك. وما يدعونى للتفاؤل أن العواصم العربية الكبرى تدرك خطر اللحظة الراهنة وتبدى استعدادا كبيرا للعمل المشترك الإيجابي.

 * حالة الانقسام العربي- الادوار الاقليمية والدولية الصراعية بالمنطقة!

 ذلك كان هناك شعور لدى وزراء الخارجية العرب عندما اجتمعوا في سبتمبر الماضي بأنه لابد من مواجهة شاملة وأن صيانة الأمن القومي العربي لابد أن تكون من خلال مواجهة شاملة ليست فقط عسكرية أو أمنية ولكن أيضا بالإضافة إلى ذلك وحسب كل حالة يمكن أن تكون مواجهة فكرية أو أيدولوجية أو عقائدية أو النظرة إلى الناحية التربوية” ، مشيرا إلى أنه عندما التقى الرئيس العراقي فؤاد معصوم أكد الأخير ضرورة وضع تغيير للمناهج التربوية في جميع المدارس .

 وبالتالي هناك ضرورة تجديد الخطاب الديني وأن تكون المواجهة شاملة ليس فقط للقضاء على الحالات القائمة من التنظيمات الإرهابية ولكن من أجل ضمان ألا تظهر في المستقبل حالات شبيهة وهي مسألة هامة في حد ذاتها .

 كذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية لديها مشروعات ، وهذا أمر طبيعي وكل الدول التي لها سياسة واضحة ، لديها معاهد ومراكز للتخطيط واجهزة استخبارية وتبحث عن مصالحها كما أنها تستفيد أيضا من أخطائنا .

 فالقرار الصادر في 7 سبتمبر الماضي هام وطلب من الأمانة العامة للجامعة العربية ان تقوم بالاتصال بالمتخصصين في كل الدول العربية وهذا تم على عدة مراحل كانت آخرها في 23 و24 فبراير الماضي عندما دُعي إلى الجامعة العربية وبتنسيق مع المجلس المصري للشؤون الخارجية ، المعاهد السياسية والاستراتيجية في العالم العربي وهناك دراسة وضعت أمام وزراء الخارجية كما أعددنا اجتماعا لخبراء من وزارات الخارجية في كل الدول العربية، وهذا الأمر سيكون موضوعا أمام القمة العربية المقبلة في شرم الشيخ لاتخاذ القرارات بشأنها ، مشيرا إلى أنه كانت هناك اجتماعات سابقة على مستوى وزراء الخارجية في 7 سبتمبر 2014 وفي 15 يناير 2015 وهي كلها أمور ستطرح أمام القادة العرب في قمة شرم الشيخ.

 انتخاب اليمين الاسرائيلي – توزانات القوة على عملية السلام!

 وتتضمن مشاريع القرارات مشروع قرار بشأن تطورات القضية الفلسطينية، ويؤكد مشروع القرار مجددا على ان السلام العادل والشامل هو الخيار الاستراتيجي وأن عملية السلام عملية شاملة لا يمكن تجزئتها، إلا إن فوز نتنياهو يضع مستقبل عملية السلام امام علامات استفهام  ، في ظل رفض اليمين الاسرائيلي تبني مشروع الدولتين،  لكن أيا كان الوضع فلابد لفلسطين أن تقرر والدول العربية تساعد في هذا القرار بمقاربة جديدة لتحقيق السلام” ولو كان الأمر الاتجاه لمجلس الأمن لانه الجهاز المسؤول عن المحافظة على السلم والأمن الدولي “،إلى أنه لابد أن يكون في مرحلة معينة الاتجاه لمجلس الأمن، لأن الفلسطينيين سيقررون متي يتم هذا وبأي شروط ؟.

 فبالإشارة إلى قررت الدول العربية في اجتماع هام في نوفمبر عام 2012 ضرورة نبذ موضوع ادارة السلام ، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعتبر عنصر الوقت وإضاعة الوقت أو بالنسبة لها كسب الوقت هدفا استراتيجيا بالنسبة لها وايا كان الموضوع الذي يبحث ، هدفها التفاوض من اجل التفاوض “فاسرائيل اعتقد وقد اكون مخطئا لما كان هناك ضغط امريكي العام الماضي علي نتنياهو هو طالب باجراء انتخابات رغم انه كان لايزال أمامه عامان ولكن طالب بها حتي يوقف عملية الضغط عليه” .

 إلى أن القواعد العامة واضحة بالنسبة لقضايا الحل النهائي سواء بالانسحاب من الأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية واعادة اللاجئين وغيرها ، لكن لابد من آلية تنفيذية خاصة وأنه يوجد قرارات لكل شيء، إلى أنه كان هناك القرار رقم 465 لسنة 1980 والذي يدين موضوع المستوطنات إدانة كاملة ووافقت عليها الولايات المتحدة.

 وحتى القرار 242 الذي صدر في عام 1967 كان الاهتمام كله الانسحاب من اراض ، لأن وزراء الخارجية الذين اجتمعوا في نيويورك انذاك كان يفكرون انه مادام يصدر قرار من جهة دولية فسوف تنسحب اسرائيل لان اسرائيل احتلت سيناء في العدوان الثلاثي مع بريطانيا وفرنسا في 1956 وانسحبت بقرار من الجمعية العامة وقرارات الجمعية العامة ليس لها قوة الالزام ، وهي توصيات سياسية ، فنظر الوزراء انذاك الي هذا الجزء ولم ينظروا إلى أنه ليس هناك آلية تنفيذية ولا سقف زمني ، وهذا هو المطلوب الآن وهو ما تطالب به فلسطين والرئيس محمود عباس”أبومازن” الآن .

 ولكن اليوم وبعد هذه التغييرات ووجود نتنياهو الذي يقول لاتوجد دولتان ، ولا دولة فلسطينية ،ولن يقبل بحل الدولتين فإن الموضوع سيختلف وربما الطلب من مجلس الأمن إصدار قرار تنفيذي يطبق على الجميع .

 ومن جانب آخر، فأمام هذه القمة عده فرص أهمها:

* القمة الاقتصاديه بشرم الشيخ – مستقبل الاستثمار بالمنطقة!

 خلال القمة الحالية، يتعين على الجامعة العربية وأجهزتها خصوصا المجلس الاجتماعى والاقتصادى التابع أن يقوم بمهامه بموجب الميثاق ليس من خلال الأطر التقليدية التى عمل من خلالها منذ تأسيسه فى عام 1957 ولكن من خلال جهد خلاق فى الشهور الثلاثة المقبلة يجمع أفضل عقول وقدرات الأمة من أجل خطة إنقاذ سريعة المفعول تتجاوز الحدود التقليدية التى أعاقت العمل المشترك لأكثر من خمسة عقود وتجمع الكل على هدف واحد وهو منح الشعوب العربية بارقة أمل فى غد أفضل.

 واعتقادى أن العواصم القادرة على تمويل خطة عربية عاجلة للإنقاذ سترحب بخطوة التحرك الاقتصادى للتقليل من آثار الوضع الكارثى فى الدول المضارة من الصراعات الداخلية والحد من معدلات الفقر فى دول أخري. وهذا مقترح من ضمن مقترحات عديدة يمكن البناء عليها حتى لا تخرج القمة القادمة بمواقف تقليدية ليس مكانها اليوم.

 كما أن مؤتمر” دعم وتنمية الاقتصاد المصري .. مصر المستقبل” الذي عقد في شرم الشيخ خلال الفترة من 13-15 مارس الجاري وضع رسالة واضحة ، وجاء بشهادة دعم من جميع دول العالم ، وتأييد للسياسات التي تتبعها مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وأن مصر عادت بقوة وأن وجودها ضروري ليس فقط للدول العربية وبل للدول الإفريقية والأوروبية ، منوها في هذا الصدد بكلمة رئيس الوزراء الإيطالي أمام المؤتمر وهي مسألة مهمة جدا ، كما استشهد بكلمة رئيس وزراء اثيوبيا “إما أن نسبح معا أو نغرق معا” وهو ما يوضح بأن هناك تضامنا مع مصر وأن المؤتمر الاقتصادي حمل رسالة واضحة بأن على الإرهاب أن “يحمل عصاه ويرحل” وانتهاء عصر الظلام والإرهاب والأفكار الخاصة بالعنف واستخدامه .

* قوى عربية مشتركة وتهديدات المنطقة!

 إن معاهدة الدفاع العربي المشترك ابرمت عام 1950 بمفاهيم مختلفة عن مفاهيم اليوم ، والهدف منها كان تهديد دولة من الدول لدولة عربية أو دول عربية من دولة وكان مقصود منها اسرائيل ولكن مفاهيم الحرب والجيوش تغيرت كلها الآن.

 فميثاق الجامعة العربية كتب وتم التصديق عليه عام 1944 قبل ميثاق الأمم المتحدة ويتكلم عن القضاء على العدوان بعقلية الحرب العالمية الثانية بأن هناك عدوانا من دول مثل الدولة النازية وعلى الدول ان تتكاتف لتقضي على هذا العدوان ، إلى أنه كان هناك تجربة واحدة تُرى بطريقة مختلفة وهي ارسال قوات إلى كوريا عام 1950 وبعد ذلك ترك هذا المفهوم تماما وبدأ منذ عام 1956 بعد العدوان الثلاثي ما أطلق عليه عملية حفظ السلام .

 هذا، فإن المفاهيم كلها تغيرت حول مواجهة تهديدات السلم والأمن سواء العالمي أو الاقليمي أو بين الدول واختلفت الصورة واليوم ، فعندما نتحدث عن الدول العربية فالمهم وجود قرار جماعي بضرورة مواجهة التهديدات الإرهابية ليس فقط عسكريا بل تكون أمنية من خلال الشرطة لمواجهة الأفراد والجماعات والتنظيمات ، وتبادل المعلومات الاستخبارية ، وتجنيد الإعلام بطريقة معينة لمواجهة الإرهاب ولا يكون هناك قنوات فضائية تشيد بعمليات إرهابية، إلى جانب ضرورة الدخول في مناقشة الموضوعات المتعلقة بتجديد الخطاب الديني، مشددا على ضرورة أن تكون المواجهة شاملة وليست عسكرية فقط وأن العمل يجب أن يكون بطريقة شاملة وواسعة .

 وعلى هذا النحو ، فوزراء الخارجية العرب أقروا فى ختام اجتماعاتهم مشروع القرار الخاص بإنشاء قوة عسكرية عربية تشارك فيها الدول اختياريا .وينص مشروع القرار على أن هذه القوة تضطلع بمهام التدخل العسكري السريع وما تكلف به من مهام أخرى لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أية من الدول الأعضاء وسيادتها الوطنية وتشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي بما فيها تهديدات التنظيمات الإرهابية بناء على طلب من الدولة المعنية .

 وكلف مشروع القرار المقدم من مصر , الأمين العام للجامعة العربية بالتنسيق مع رئاسة القمة بدعوة فريق رفيع المستوى تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة بالدول الأعضاء للاجتماع خلال شهر من صدور القرار لدراسة كافة جوانب الموضوع واقتراح الإجراءات التنفيذية وآليات العمل والموازنة المطلوبة لإنشاء القوة العسكرية العربية المشتركة وتشكيلها وعرض نتائج أعمالها في غضون ثلاثة شهور على اجتماع خاص لمجلس الدفاع العربي المشترك لإقرارها .

 أخيرا، إن تنامى التهديدات والمخاطر التى تواجه الدول العربية من الممكن أن تمثل فرصا مواتية يمكن استثمارها واستغلالها وتوظيفها لخدمة قضايا الدول العربية بشرط أن تنجح الدول العربية خلال هذه القمة فى تدشين آليات أكثر قدرة على التعامل مع هذا الواقع وتعقيداته كما هو لا كما ينبغى، وهو ما يعنى تبنى بدائل محددة، قادرة على فرض رؤية دول المنطقة ذاتها وإرادتهم المستقلة، على رسم مستقبل المنطقة ومساراتها لمحتملة. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى