رأىسلايدر

السنة والشيعة مرة أخري “2-4”

استمع

20140824810041408857004

كمال الهلباوي

هذا المقال جاء استكمالاً لمقال الأسبوع الماضى. هناك علماء بلغوا من العلم درجات عالية، بل كانوا من الراسخين فى العلم، وكرمهم الله تعالى فى الدنيا بكثرة الأتباع والمحبين، وأكرم بعضهم بمشيخة الأزهر الشريف، ومنهم سماحة الشيخ محمود شلتوت، وسماحة الدكتور محمد الفحام. العلماء يطفئون الفتن، ويدعون إلى سبل الوحدة والإنصاف، بعيداً عن التعصب للمذهب أو للموقع الجغرافى أو حتى التاريخ.

وهناك -إلى جانب هؤلاء- من يتعالم وهو نصف عالم أو متعالم أو جاهل، ويسير فى الفتنة، ولا يعرف سبيلاً للخروج منها، ويدعو غيره للوقوع فى الفتنة، ويتهم غيره بالباطل، كمن يتهمنى بالتشيع، نتيجة ما أراه إنصافاً وما أدعو إليه من التقريب والوحدة بين أبناء الأمة الواحدة «إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ».

التقريب فالوحدة، من أهم قضايا الأمة اليوم لمواجهة التحديات الكبيرة، بدلاً من التنازع «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا». هؤلاء الجهلة بروح الدين وصلبه لم يتزودوا بالعلم الصحيح، ولم يتسلحوا بالمعرفة اللازمة. وفى هذا المقال والذى يليه من مقالات فى الموضوع، يسرنى أن أسرد أقوال بعض من كبار العلماء، وإجاباتهم عن سؤال واحد، هو الرأى فى الشيعة وفى المذهب الجعفرى (نسبة إلى الإمام جعفر الصادق) أو الاثنى عشرى (نسبة إلى الأئمة الاثنى عشر المعصومين عند الشيعة) أو المذهب الإمامى نسبة إلى منهج الإمامة مقابل منهج الخلافة.

1- ماذا قال صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر، رحمه الله تعالى، إزاء هذه القضية الكبيرة:

قال سماحته:

«إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً، كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغى للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله، وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه فى فقههم، ولا فرق فى ذلك بين العبادات والمعاملات».

وقد بعث سماحة الشيخ شلتوت بهذا الرأى (الفتوى) إلى السيد صاحب السماحة العلامة الجليل الأستاذ محمد تقى القمّى، السكرتير العام لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية. وجاء فى رسالته المهمة:

«سلام عليكم ورحمته، أما بعد فيسرنى أن أبعث إلى سماحتكم بصورة موقَّع عليها بإمضائى من الفتوى التى أصدرتها فى شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية، راجياً أن تحفظوها فى سجلات دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، التى أسهمنا معكم فى تأسيسها ووفقنا الله لتحقيق رسالتها، والسلام عليكم ورحمة الله». رحم الله تعالى الجميع، الذين سعوا إلى إطفاء الفتن، وأدركوا أن المذهب ليس هو الدين. لقد أقر الشيخ «شلتوت» منهج التقريب بين المذاهب، وسعى إلى تحقيق وحدة الأمة. هذا المنهج على عكس المذاهب المستوردة التى تشد أصحابها إلى التفرقة والتنازع.

2- أما سماحة شيخ الأزهر الدكتور محمد محمد الفحّام، فقد أجاب عن السؤال، عندما سئل عنه، بقوله:

«الشيخ محمود شلتوت، أنا كنت من المعجبين به وبخلقه وعلمه وسعة اطلاعه وتمكنه من اللغة العربية وتفسير القرآن ومن دراسته لأصول الفقه، وقد أفتى بذلك -أى جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية- فلا أشك أنه أفتى فتوى مبنية على أساس اعتقادى. ورحم الله الشيخ شلتوت الذى التفت إلى هذا المعنى الكريم، فخلد فى فتواه الصريحة الشجاعة، حيث قال ما مضمونه: بجواز العمل بمذهب الشيعة الإمامية».

3- أما الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالى، صاحب «قذائف الحق» فيقول عن الفتوى وأثرها فى التقريب والوحدة:

«وأعتقد أن فتوى الأستاذ الأكبر محمود شلتوت، قطعت شوطاً واسعاً فى هذا السبيل، واستئناف لجهد المخلصين من أهل السلطة وأهل العلم جميعاً، وتكذيب لما يتوقعه المستشرقون، من أن الأحقاد سوف تأكل الأمة، قبل أن تلتقى صفوفها تحت راية واحدة. وهذه الفتوى فى نظرى، بداية الطريق وأول العمل». ثم يقول سماحة الشيخ الغزالى رحمه الله تعالى:

«إن الشيعة يؤمنون برسالة محمد، ويرون شرف على بن أبى طالب فى انتمائه إلى هذا الرسول، وفى استمساكه بسنته، وهم كسائر المسلمين، لا يرون بشراً فى الأولين ولا فى الآخرين أعظم من الصادق الأمين».

ثم يواصل حديثه فيقول:

«ولم تنج العقائد من عقبى الاضطراب الذى أصاب سياسة الحكم، ذلك أن شهوات الاستعلاء والاستئثار، أقحمت فيها ما ليس منها، فإذا المسلمون قسمان كبيران شيعة وسنة، مع أن الفريقين يؤمنان بالله وحده، وبرسالة محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا يزيد أحدهما على الآخر فى استجماع عناصر العقائد التى يصلح بها الدين وتلمس النجاة».

وإلى لقاء آخر فى سلسلة المقالات ذات الصلة لشرح هذه القضية المهمة، عسى الله تعالى أن يشرح، بالبرهان والتبيان، قلوباً غُلفاً، وأذناً صُماً.

والله الموفق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى