رأى

الولايات المتحدة الأمريكية والحروب بالوكالة

استمع

download

أحمد كاطع

فى مقال لسيوماس ميلنى بصحيفة الجارديان فى الثامن من الشهر المنصرم، أنتقدت باراك أوباما ياالتلاعب بجميع الأطراف محرضاً إياها على بعض, لكن دعمه للسعودية في اليمن سيساهم في حريق هائل في الشرق الأوسط.

تصاعد العنف في الشرق الأوسط لدرجة جعلت من الحرب على بلد عربي آخر تكاد تغيب عن ذكر العالم الغربي. هذه هي حال الهجوم الضاري على اليمن المدقعة الفقر من قبل السعودية و قافلة من الدكتاتوريات الخليجية المدعومة من الغرب.

بعد أسبوعين من القصف الجوي والبحري, أكثر من 500 قتيل, وتحذير الصليب الأحمر حول “فاجعة” في ميناء عدن, وفيما كانت القوات البريطانية مصدر عذاب اليمنيين قبل نصف قرن, يواجه الحوثيون اليوم هجمة سعودية مدعومة بقوات الرئيس المخلوع عبد ربه هادي الأسبوع الماضي قتل ما يزيد على 40 مدنياً في معسكر لاجئين للأمم المتحدة في أفقر دولة عربية جراء ضربة جوية سعودية.

لكن بريطانيا وأمريكا يقفون جنباً إلى جنب داعمين التدخل السعودي، و مقدمين دعما “لوجستياً واستخبارياً” فقد صرحت الولايات المتحدة هذا الأسبوع بزيادة صادراتها من الأسلحة إلى السعودية، أما وزير الخارجية البريطاني السيد (فيليب هاموند) فقد تعهد بــ”دعم العمليات السعودية بكافة الوسائل الممكنة”.

ذريعة التدخل العسكري السعودي هو الدعم الإيراني للحوثيين الشيعة. وهادي, والذي نُصِّبَ بعد ثورة شعبية من خلال اتفاق منسق من الحكومة السعودية عن طريق انتخابات بمرشح وحيد في 2012, والذي يدَّعي الشرعية والحق في طلب دعم دولي.

في الحقيقة, الدعم الإيراني للحراك الحوثي وليد الظروف المحلية يبدو متواضعاً, وطائفتهم الزيدية قد تصنف بالوسطية بين السنة والشيعة، أما الرئيس هادي فقد انتهت صلاحيته كرئيس للفترة الانتقالة منذ سنة، وقد تنازل عن السلطة في كانون الثاني قبل هروبه من اليمن بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء،  بمقارنة الموقف اتجاه الرئيس هادي مع الرئيس الأوكراني المنتخب شرعياً في جزء آخر من العالم العام الماضي والذي عدت القوى الغربية هروبه من العاصمة مبرراً للإطاحة به, تتضح لنا مطاطية المواقف الغربية في هذه الأمور.

لكن الخطر البارز للهجوم السعودي على اليمن هو إشعال الصراع على مستوى أكبر و زيادة الانقسام الطائفي في المنطقة؛ مما قد يؤدي إلى صدام سعودي إيراني مباشر.

 في هذه الأثناء يتحشد(150,000)عسكري على الحدود السعودية مع اليمن وتمارس الضغوط على باكستان لإرسال قوات إلى اليمن للقيام بأعمال الرياض القذرة بالنيابة ويصرح الدكتاتور المصري (السيسي) باستعداده لإرسال قوات “إذا دعت الحاجة”.

التمرد الحوثي, المدعوم من الجيش السابق, هو تمرد ناتج عن جذور الفقر والتمييز  والتي ترجع لعقد من الزمان، بينما كانت أمريكا وبرطانيا مشغولة باحتلال العراق، أما اليمن حيث الوجود الملحوظ  للقاعدة، فقد تعرضت لمئات الهجمات المدمرة من الطائرات الأمريكية بدون طيار في السنوات القليلة الماضية, أما الوضع الجديد للحرب الأهلية والتدخل الخارجي فهو أرض خصبة لنمو القاعدة في اليمن.

فكرة تدخل الفساد والطغيان السعودي قلب التطرف الطائفي والرجعي في الشرق الأوسط منذ العصر الاستعماري مع دول الخليج الاوتوقراطية مدعومين من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ بهدف جلب الاستقرار و الحرية لليمن يتجاوز حدود الخيال والفنتازيا. فهذه الدولة هي الدولة عينها التي سحقت الثورة الشعبية البحرينية في 2011 و التي دعمت الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر في 2013 وهي الدولة الداعمة للحراك الجهادي التكفيري لسنوات بنتائج وخيمة.

للسعوديين هذه الحرب هي حول فرض السيطرة على الجزيرة العربية وتزعمها للعالم السني بمواجهة البروز الشيعي والإيراني، أما بالنسبة للقوى الغربية المجهزة للسلاح فإن الحرب هي حول المال و دعم الدور السعودي المحوري في حماية المصالح الغربية من النفط والغاز في منجم الذهب الشرق أوسطي.

منذ كارثة العراق وأفغانستان, تعزف أمريكا وحلفاؤها عن المخاطرة بالتدخل العسكري المباشر على الأرض، لكن التدخلات العسكرية قد تضاعفت, فقد قصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما سبع دول مسلمة أثناء فترته الرئاسية، ففي العالم العربي اليوم أربعة حروب مشتعلة (العراق, سوريا, ليبيا و اليمن) و للولايات المتحدة الأمريكية دور في كل حرب من هذه الحروب، بالإضافة إلى التدخل الغربي العسكري كصفة عامة. المملكة العربية السعودية هي السوق الأول للسلاح البريطاني, ومبيعات السلاح الأمريكي لدول الخليج العربي تجاوزت ما كانت عليه في زمن الرئيس بوش, هذا وقد استأنفت الولايات المتحدة دعمها العسكري لمصر.

التغيير الأبرز على طريق الإمبراطورية هو التناقض في سياسات الدول الغربية, متلاعبين بجهة ضد أخرى، ففي اليمن تدعم الولايات المتحدة القوى السنية ضد الشيعة حلفاء إيران، بينما تقوم بالعكس في العراق, فتقدم الدعم الجوي للميليشات الشيعية المدعومة من إيران والتي تقاتل الجماعات السنية التكفيرية وفي سوريا تقصف الولايات المتحدة أحد أطراف المعارضة، بينما تسلح وتدرب طرفاً آخر من المعارضة.

الاتفاق النووي مع إيران – والذي تدفع به الولايات المتحدة بالرغم من المعارضة الإسرائيلية و الخليجية  – هذه المحاولة الأمريكية هي في السياق المتناقض نفسه. الولايات المتحدة لم تحد من تدخلها في الشرق الأوسط, لكنها تبحث عن طرق أكثر تأثيراً في السيطرة على الوضع عن بعد: بإعادة التوزان إلى قوى المنطقة, أو كما يصفها مدير الاستخبارات البريطاني السيد الستر كروك بـ” توازن الخصومات”.

لهذا, فإن الميل نحو إيران في الاتفاقية يمكن موازاته بالتدخل ضدها في اليمن أو سوريا. ويمكن وصف السياسة الأمريكية في أمريكا الجنوبية بالمثل, فبعد عدة أشهر من الانفتاح الأمريكي التاريخي على كوبا في كانون الأول, وقع أوباما أمراً بإعلان حليف كوبا الأول فنزويلا كونها “تهديداً استثنائياً للأمن الوطني الأمريكي” وفرضت عليها عقوبات لخروقات مزعومة في مجال حقوق الإنسان.

لكن هذه الخروقات الضئيلة تتلاشى بجانب خروقات حقوق الإنسان المرتكبة من قبل الولايات المتحدة, ناهيك عن خروقات حلفائها المخلصين كالعربية السعودية. لاسبيل لتغير النظام في فنزويلا ومن الواضح أن الولايات المتحدة تستغل المشاكل الاقتصادية للتصعيد من حملتها في  زعزعة الاستقرار.

إنها لعبة قد تؤدي إلى نتائج عكسية, فحيث تدعم الولايات المتحدة تدخل السعودية في اليمن، لكنها تخاطر في زعزعة استقرار السعودية نفسها. نحن بحاجة إلى حوار برعاية  الأمم المتحدة؛ لإنهاء النزاع في اليمن, لا إلى حرب طائفية أخرى بالوكالة، وعلى هذه التدخلات الكارثية أن تنتهي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى