رأى

سبتمبر هو شهر الجنوب بامتياز

استمع

أحمد مصطفى

كنت يوم الثلاثاء الماضي 12 سبتمبر ضيفا في حدثين مهمين لقوى الجنوب الجديدة بالقاهرة.

(الأول) وبدعوة من الصديق السفير الفنزويلي بالقاهرة السيد/ “ويلمر عمر بارينتوس” عقد المجلس الأعلى للثقافة وفي سلسلة من لقاءاته وبالتنسيق مع الخارجية المصرية ندوة خاصة تحت عنوان ” حياة وأعمال سيمون بوليفار”.

ولمن لا يعرف الزعيم البوليفاري فهو محرر أمريكا اللاتينية من الاستعمار الاسباني منذ قرنين سابقين. وطبعا كان السفير أحد أهم المتحدثين على المنصة، كونه من دولة تمثل التيار الثوري العالمي المناوئ للهيمنة الأمريكية والغربية.

بالإضافة إلى متحدثين آخرين ومنهم الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة أ.د هشام عزمي، والرئيس السابق للمجلس الأعلى للترجمة في مصر د/ أنور مغيث، وكذلك رئيس الدائرة الآسيوية بالخارجية المصرية السفير/ أشرف منير، وأدارت الندوة أ.د/ إيمان نجم رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية.

كان بكل تأكيد هناك تواجد لعدد لا بأس به من دبلوماسيي أمريكا اللاتينية في مصر ومنهم على سبيل الحصر سفير كوبا، وسفير بنما، وآخرين عن أوروجواي وبوليفيا وغيرهم.

ربما تشابهت كلمات المتحدثين من مصر أعلاه عن تشابه ما بين الثقافة ما بين أمريكا اللاتينية ومصر وكفاحهم ضد الاستعمار الأجنبي سواء استعمار أسبانيا لأمريكا اللاتينية و استعمار بريطاني لمصر، وايضا حب المصريين والعرب لكرة القدم وطبعا هذا عامل ثقافي مشترك آخر للربط بين الثقافتين.

حيث أن هذا العام هو الذكرى 240 على وفاة هذا القائد الشاب والذي لم يعش أكثر من 47 عاما من العمر ولكن كما ذكر السفير الفنزويلي بارينتوس “أن الحياة لا تقاس بالسن ولكن تقاس بما نحققه من أعمال” وخصوصا لو كانت بحجم ما حققه هذا القائد العظيم لتحرير أهم دول أمريكا اللاتينية من الاستعمار الاسباني ومنها فنزويلا وبوليفيا وكوبا وعدم يأسه بعد عدة إخفاقات من الهزائم في حرب التحرير.

وهنا يوجد تشابه في القصة ما بين القائد سيمون بوليفار والزعيم المصري الراحل الباقي (جمال عبد الناصر) والذي أيضا مات في بداية الخمسينيات من عمره بعد أن حقق الكثير من الانجازات السياسية والاقتصادية والثقافية. ومنها التي عددها المتحدثين بشكل غير مباشر مثل افتتاح التلفزيون المصري وقيادة حركات التحرر في القرن العشرين من الاستعمار الانجليزي والفرنسي ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

والتعاون الذي حدث ما بين قادة أمريكا اللاتينية المعاصرين أمثال كاسترو وجيفارا وما بين عبد الناصر والتشابه بينهم مجتمعين في السن والروح الثورية والنظرة للعالم وبلادهم نظرة مختلفة عن من سبقوهم، والطباع والتي ربما ورثوها بشكل غير مباشر من والدهم الروحي سيمون بوليفار.

وكان من أهم النقاط التي سمعتها من ممثلي وزارة الثقافة والخارجية عن استئناف برنامج قد بدأوه في 2019 لاستضافة دبلوماسيين أمريكا اللاتينية للتعريف بهذه البلاد البعيدة مكانا والقريبة ثقافة كدول جنوب من خلال المجلس الأعلى للثقافة والذي توقف بسبب جائحة كورونا.

وأيضا انه يوجد حوالي 20 مليون من أمريكا اللاتينية أصول عربية وهذا أيضا عامل محفز لتعزيز العلاقات على كافة المستويات ما بين مصر والعالم العربي مع هذه الدول.

ولكن ما دائما يلفت نظري عدم استغلال هذه الفعاليات مشاريع شراكة أكبر ما بين مصر والعالم العربي وهذه الدول اللاتينية، والتي تمثل إحدى أكبر التكتلات المؤثرة في العالم والتي تتعاطف مع قضايانا المصيرية ومنها على سبيل المثال “القضية الفلسطينية”، وايضا زيادة حجم التبادل التجاري مع هذه الدول نظرا لان هذه الدول من الدول ذات التعداد السكاني الكبير.

لأنه بالرغم من وجود اتفاقية تجارة حرة بين مصر ودول “الميركسور”، والتي تتألف من الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي وباراغواي، أما فنزويلا فليست عضواً كاملاً كذلك بوليفيا، ودولاً كثر في أمريكا اللاتينية. والتي تضم أكثر من 250 مليون نسمة، مع ناتج محلي إجمالي يبلغ تريليون دولار أمريكي أو نحو 76 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في أميركا اللاتينية.

لا زال حجم التجارة محدود جدا وغالبية صادرات مصر تكاد تتخطى 500 مليون دولار فقط لهذا السوق الكبير، ولم نستغل وجود بعض الدول تحت الحظر الأمريكي والتي يمكن ان تكون اكبر سوقا للسلع المصرية في نفس الوقت.

وفنزويلا كـ دولة كبيرة من حيث احتياطيات الطاقة، والتي تأتي في المرتبة الثالثة من حيث إنتاج النفط في العالم، وليس لديها تحفظات في التعامل مع مصر، ونحن لدينا أزمة حالية في الطاقة فلا تستغل هذه الصداقة للحصول على نفط ومشتقاته بالجنيه المصري.

وهي تتشابه مع الحالة الإيرانية أيضا والتي عرضت النفط ومشتقاته وتقنياته بالجنيه المصري ولا من مجيب من الجانب المصري بالرغم أن أمريكا بسبب أزمة الطاقة العالمية ومنها داخل أمريكا نفسها تتغاضى عن تنفيذ هذه العقوبات حاليا حتى لا تفقد دورها في العالم.

أما الحدث الثاني – فكان اليوم الوطني للمعجزة الأسيوية والتي شقت طريقها وبشكل مختلف ومتميز ضمن النمور الأسيوية (كدولة من الجنوب) وكان لها تجربة رائدة في التعليم والمعرفة فأصبحت لؤلؤة الآسيان وشرق آسيا – ببساطة (سنغافورة) والتي حصلت على استقلالها عام 1965.

فقد تشرفت وصديقي الصحفي المخضرم/ محمد صابرين بتلق دعوة لحضور اليوم الوطني الموافق يوم الثلاثاء الماضي لهذه الدولة التي أصبحت تجربة تدرس في الاقتصاد والتجارة الدولية واللوجيستيات والبحث العلمي والبيئة – جدير بالذكر ان ما يميز تجربة النمور الاسيوية والصين شيء مشترك (رفع مستوى التعليم والمعرفة والابتعاث للخارج وتعيين أفضل المبتعثين أصحاب التجارب والخبرات والأبحاث في وظائف مهمة بالدولة لتغييرها).

لم تلتفت سنغافورة إلى انتقادات الغرب فيما يخص حرية التعبير والحريات السياسية لأن سنغافورة تطبق النظام السياسي والإعلامي المناسب لها والذي يسمح بالاستقرار الداخلي والنمو الاقتصادي – بدليل أن أوكرانيا مثلا التي قام فيها الغرب بدعم ثورة برتقالية تحت مسمى “الحريات” أصبحت في وضع أفضل عالميا منذ عام 2014 إلى الآن. إضافة الى الفضائح المالية والتي لاحقت حتى جنرالات التعبئة العامة هناك ويحاول الغرب التكتم عليها في إعلامه مزدوج المعايير لإخفاء خطاياه.

بل عملت على نظام اقتصادي مختلط فيه دور واضح للدولة يحميها وقت الأزمات مع اقتصاد منفتح ونجد أن الدول الناجحة اقتصاديا في العالم ومنها الصين تنتهج نفس المبدأ تقريبا، بما رفع مستوى دخل الفرد وجعل من مينائها أكبر موانىء العالم ازدحاما.

فكلمة سنغافورة تعني مدينة الأسد – تشتهر سنغافورة بكونها مركزًا ماليًا عالميًا، فهي من بين أكثر الأماكن كثافة سكانية في العالم، حيث تمتلك مطار مدينة عالمي المستوى به شلال، وحديقة نباتية تعد أحد مواقع التراث العالمي. تُعرف سنغافورة أيضًا باسم “آسيا الفورية” لأنها تقدم للزوار لمحة سريعة عن الثقافات الآسيوية التي جلبها المهاجرون من جميع أنحاء القارة، وهذا ما وجدناه في مادبة طعام الأمس.

فالعلاقات المصرية السنغافورية تمتد لحوالي 60 عاما وتنامت العلاقات التجارية بشكل ملموس بين البلدين وتضاعفت خلال عام 2021 حيث بلغ إجمالي تجارة البلدين 677 مقابل 307 مليون دولار خلال عام 2020 بنسبة زيادة بلغت 120%. كما بلغت الصادرات المصرية 505 مليون دولار، حيث أن الاستثمارات السنغافورية في مصر تبلغ 175 مليون دولار في 33 مشروعاً في مجالات الزراعة والتصنيع والخدمات اللوجيستية وتكنولوجيا المعلومات والسياحة.

كان الشيء اللافت للنظر الكلمة الرائعة والابداعية التي ألقاها سفير سنغافورة لدى مصر السيد/ دومينيك جوه والذي استقبلنا بحفاوة شديدة وكذلك فريقه أيضا والذي يضم السيد/ كيني تان، وكذلك صديقي الرائع سكرتير السفير السيد/ كيفين لي.

حيث ربط السفير كلمته بالصورة على الشاشة الكبيرة في الخلفية حتى لا يطيل في الكلام وحتى لا يشعر الحضور بالملل بحيث حتى من لا يستمع يفهم كل شيء بالأرقام والصور، وكيف أن إجمالي الناتج الوطني للاسيان حاليا يأتي الخامس عالميا.

وعن بعض الشركات السنغافورية التي تستثمر أو سوف تستثمر في مصر مثل السادة/ أندوراما للكيماويات – أولام للاعشاب – بي اس ايه بي دي بي – تطبيق “أو لا لا” للموسيقى.

وكيف أن إحدى الشركات السنغافورية السياحية تحاول تنشيط السياحة المصرية عالميا وهي شركة “نيون” وهذا شيء يثمن كثيرا لدولة سنغافورة. حتى بالنسبة للجانب الثقافي وجمعية الطلاب السنغافوريين الدراسين في مصر، وخصوصا في الأزهر، ودورهم أثناء وباء كورونا وكيف تم تكريمهم كأفضل جمعية طلاب عالمية.

وقد ذكروني ايضا بالطلاب الروس والذين دعموا المواطنين والأجانب أثناء وباء كورونا أثناء فترة منحتي الدراسية من حزب روسيا الموحدة الكبير.

وطبعا أشار للجانب السياسي والدبلوماسي مع مصر وزيارة الرئيس السيسي لسنغافورة في 2016 – وكذلك عن دور الرئيس السنغافوري الحالي في تنمية العلاقات مع مصر والعالم العربي، السيدة/ حليمة يعقوب.

والشيء الأجمل أنها كانت فرصة للقاء العديد من الشخصيات الجميلة والتعرف على اصدقاء جدد من مختلف المجالات الفنية والدينية والمهنية والسياسية والاقتصادية، وكذلك لقاء أصدقاء قدامى لم نراهم إلا بهذه المناسبات المحترمة.

إقتراحات

ربما الخلفية الاقتصادية في الشئون الآسيوية والجنوب دائما ما تجعلنا دائما نفكر في أهم الطروحات أو الأسئلة التي يمكن أن تجمع مصر بهذه الدولة وايضا تنمى تجارتها مع الجنوب والشرق.

وبالتالي ففي احتفالية سيمون بوليفار كانت أهم الطروحات التي وجهتها للمنصة غياب التعاون الإعلامي ما بين مصر والعالم العربي من جانب وأمريكا اللاتينية من جانب آخر (عدا ربما برنامج وحيد يبث على قناة الميادين تحت عنوان “مع مادورو أكثر”).

فـ بالرغم من أن العاصمة الكوبية (هافانا) تستضيف حاليا مؤتمر شديد الأهمية يمثل النظام العالمي الجديد وهي (قمة الـ 77 + الصين) والتي تشارك فيها دول أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا (الجنوب بكامله) – إلا أن الإعلام المصري لا يعطي هذه القمة أهمية كبيرة في تغطيته مع ان حجم الدول الذي طلب المشاركة قد زاد حوالي 90 دولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى