رأى

القِبلة وحائط البُراق.. “عفواََ” د. زيدان !

استمع

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

أواصل مراجعاتي على الدكتور يوسف زيدان، وسأتوقف في هذا الجزء عند ما قاله عن تغيير القبلة وحائطي المبكى والبراق؛ إذ نجده يقول في محاضرة له بعنوان ” خرافة المسجد الأقصى ” “تّمت الهجرة وفرضت الصلاة، نصلي إيه؟ زي اليهود خمس مرات في اليوم، طيب نوقف إزاي؟ اليهود انتو توقفوا إزاي؟ قالوا والله كان زمان، كان يا مكان مدينة اسمها أورشليم، واحنا بنقدسها، فسميناها أساس وموضع وبيت همقداش” المقدس” وبعدين اتهدت من 700 سنة، وفاضل منها سور بنروح نعيط عنده، اسمه حائط المبكى، ده قبل حروب سيدنا النبي مع اليهود، فطيّب خلاص احنا حنصلي…” ثم قال : ” ، فكان سيدنا محمد بيصلي عند بني سلمان،وجاءه الأمر الإلهي أثناء الصلاة، في وسط الصلاة، يتحول من الشمال إلى الجنوب من حائط المبكى إلى الكعبة، وواضح من نص الآية التالية لآية النزول أنّ النبي استراح لذلك لأنّه كان مرتبط بمكة والأراضي الأولى، فجاءت الآية (قد نرى تقلب وجهك في البلاد( والصواب في السماء) فلنولينّك قبلة ترضاها ، – وصححها له أحد الحضور – ، فقال: ” أصلي سرحت، جاء واحد في الظلام….!” … ثمّ قال : ” وبعد شويه قال على الفكرة هو ده المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، فجه واحد وأقلهم يا جماعة بس في زمن البعثة والمرحلة المكية ، مكانش هنا مسجد ولا حاجة، إنت حتنكر معلوم من الدين بالضرورة، أسكت أش..طب ده كان كنيسة، حتى مش حاجة يهودية ، فيه كنيسة دلوقت وفي ناس عايشين قصة تانية خالص.” [1] إنّ جزء فرض الصلاة ، بحثته في الجزء الثاني من هذه المراجعات، وسأتوقف هنا عند :
أولًا: د. زيدان – بدون قصد- يُكذِّب ما قاله الله جل شأنه عن المسجد الأقصى بقوله :”… فجه واحد وأقلهم يا جماعة بس في زمن البعثة والمرحلة المكية ، مكانش هنا مسجد ولا حاجة” ليُثبت أنّ المسجد الأقصى المقصود هو مسجد الجعرّانة بالطائف ، وليس المسجد الأقصى بالقدس ، وبذلك ينفي أيضًا معجزتي الإسراء والمعراج.
ثانيًا: عند قول د. زيدان حول سؤال المسلمين لليهود :” إنتو توقفوا إزاي؟ ونسبة د. زيدان اسم بيت المقدس إلى اليهود مغالطة تاريخية سأتحدّث عنها بالتفصيل في الجزء القادم إن شاء الله.
ثالثًا : الحقيقة التي سأتوقف عندها هي أنّ الصلاة فُرضت في مكة منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت القبلة إلى بيت المقدس، وليس إلى الحائط المبكى ، كما يزعم د. زيدان ، ولنقرأ معاً ما كتبه ابن الأثير في الكامل؛ إذ يقول في أحداث السنة الثانية للهجرة “وفيها صرفت القبلة من الشام إلى الكعبة، وكان أول ما فرضت القبلة إلى بيت المقدس والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، وكان يحب استقبال الكعبة وكان يصلي بمكة ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه ذلك، وكان يؤثر أن يصرف إلى الكعبة فأمره الله أن يستقبل الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من قدومه المدينة، وقيل على رأس ستة عشر شهراً في صلاة الظهر .[2] فمن المؤسف أنّ الدكتور يوسف زيدان يزعم أنّ المسلمين صلّوا خمس صلوات، واتخذوا من حائط المبكى قبلة لهم كاليهود عندما قدموا إلى المدينة، وكآنّ الإسلام ليس بدين سماوي يتلقى فرائضه من الخالق جل شأنه، وليس من أي مخلوق، ولم نجد مستشرقًا واحدًا يقول إنّ قبلة اليهود في صلاتهم كان “حائط المبكى”كما زعم د. زيدان ، فالمستشرقون قدامى ومحدثين أجمعوا على الزعم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يولي وجهه في الصلاة شطر بيت المقدس إرضاء لليهود وليجذبهم للدخول في دينه، ولما حدث من اليهود ما حدث من إنكار نبوته، ومعارضته فقد ولى وجهه في صلاته شطر مكة، ومن هؤلاء المستشرقين :
أ‌. يقول توماس أرنولد: “كان المصلون قد تعودوا في العهد الأول أن يولوا وجوههم شطر بيت المقدس[3].
ب‌. يقول الفريد جيوم وكان الرسول يولي وجهه في الصلاة شطر بيت المقدس، ونظرًا لما حدث من اليهود فقد ولى وجهه في صلاته شطر مكة[4] .
ت‌. يقول محرر الموسوعة الإسلامية الميسرة هاملتون جيب، وزميله المستشرق الهولندي كالمرز”أمَّا أنَّ اختيار بيت المقدس قبلة كان من التنازلات التي قدمت ليهود المدين [5] ث‌. أمّا مونتجمري وات قد أقرّ بأنّ الصلاة فُرضت في مكة ، فيقول :” يقول وات “هناك تعليم آخر سار فيه محمد على هدى الطقوس اليهودية حين كان لا يزال في مكة وهو والتوجه إلى القدس للصلاة…” ثم يقول “… وإذا كان محمد في الفترة المكية يصلي باتجاه القدس، فإنَّ هذا لا يشير حتماً إلى تأثير يهودي ، أو رغبة في تقليده اليهود لأنّ هذا كما يبدو كانت أيضاً عند المسيحيين[6] .”
ج‌. ويكرر روم لاندو ما قاله من سبقه من المستشرقين؛ إذ نجده يقول: وكان الاغتسال قبل الصلاة وتوليه الوجهة عند الصلاة قبل بيت المقدس شكلين من تلك الطقوس التي وجد سبيلها إلي الشعائر الإسلامية إلا أن المادة الأخيرة استبدل بها التوجه إلى مكة عندما رفض اليهود أن ينادوا محمد نبياً[7] .
ح‌. يقول برنارد لويس: كان محمد قد أمل ان يجد ترحاباً ودياً بين اليهود الذين كان دينهم وكتبهم ،كما ظن هو سيجعلهم يتقبلون دعواه بتأييد وفهم أكثر من غيرهم، ومن أجل استرضائهم أدخل في دينهم عدداً من شعائرهم ومنها صوم التكفير، واستقبال بيت المقدس في الصلاة…” [8] خ‌. أمّا بودلي فهو يتبع منهج المراوغة كعادته، فيتظاهر أنَّه موضوعي محايد ينفي ما أجمع المستشرقون السابقون له على إقراره، ثم يعود ويثبت ما نفاه من قبل، وقد اتبع هذا المنهج في أكثر من موضوع، ونجده هنا يسير على ذات المنهج، فينفي في البداية اتخاذ القبلة شطر بيت المقدس لإرضاء اليهود، ثمَّ يقرر أنَّ تحويلها إلى الكعبة بعدما تأكد الرسول صلى الله عليه وسلم من عدم مهادنة اليهود له، يقول بودلي : “كانت قبلة محمد نحو الشمال شطر بيت المقدس حتى اختلف هو واليهود، ولم يكن هذا التوجه لإرضاء اليهود، كما ذكر أحياناً، فقد كان بيت المقدس قبلة المصلين في أيام التعذيب بمكة، كان بيت المقدس قبلة المسلمين، لأنَّ محمداً كان يعتقد أنَّ مركز جميع الديانات التي جاءت بالتوحيد، ولأنَّها مدينة العالم المقدسة، فلما رأى الأفعال التي تجري من القسم العبري من الجزيرة، انتهى بعد تردد إلى أنَّ اليهود لا يبغون مهادنته، فقرر أنَّ الوقت قد حان لإجراء التبديل” ، ثم يستطرد قائلاً: “وفي صبيحة يوم من أيام نوفمير سنة 523م [9]بعد أن صلى ركعتين شطر بيت المقدس، ولما كان في منتصف صلاته، بدل اتجاهه صوب الجنوب فاتجه المصلون حيث اتجه فأصبحت مكة وكعبة إبراهيم وإسماعيل مرة أخرى حرم هؤلاء العرب المهاجرين ومضيفهم من أهل المدينة [10]، ثم نجده يقدم لما ذكره بقوله “وقد أدت مقاومة اليهود العنيدة هذه ولو أنّها منطقية، ورفض عبدالله بن أبي المهادنة وذم المسلمين والوقاحة العامة في معاملتهم إلى معركة مكشوفة بين المدينة الجديدة والمدينة القديمة، وكان تغيير القبلة أول مظهر رسمي للشقاق[11] .وهذا ثاني مستشرق يقر أنّ الصلاة فرضت في مكة، وأنّ قبلة المسلمين في صلاتهم في مكة كانت بيت المقدس.
د‌. ويقول المستشرق اليهودي الألماني كارل بروكلمان : “وكان محمد وأصحابه يصلون مرتين في اليوم في مكة أو ثلاث مرات في المدينة كاليهود، ثم جعلت الطقوس المتأخرة المتأثرة بالفرس، عدد الصلوات في اليوم الواحد خمساً” [12] وبغض النظر عمّا زعم المستشرق كارل بروكلمان عن أنّ الصلاة في المدينة ثلاث مرات في المدينة كاليهود ، ثم أصبحت خمسة صلوا كالفرس، فهو أقر بفرض الصلاة في مكة المكرّمة.
ذ‌. أمّا المستشرقة البريطانية كارين آرمسترونج فقد علّلت تمثيل نظرة المدرسة الإستشراقية الإنجليزية إلى السيرة النبوية صورة خاصة إلى الإسلام وبصورة عامة في المرحلة الحالية لأنّ كتابها “محمد” صدر سنة 1992م ،فلنتأمل معاً فيما كتبته هذه المستشرقة عن تغيير القبلة لنستشف مَّما كتبته نظرة الاستشراق البريطاني في مرحلته الحالية للإسلام وللسيرة النبوية.
تقول كارين آرم سترونج “وما أن اتضح أنَّ عداوة معظم اليهود عداوة مقيمة ودائمة، أعلن دين الله الجديد رسميًا استقلاله عن الدين القديم ،[13]وفي أواخر يناير عام 624م الذي صادف شهر شعبان، وكان ذلك بعد الهجرة بنحو ثمانية عشر شهراً ،قام محمد يؤم المصلين في صلاة الجمعة في مسجد بني سليمان في أرض عشيرة البراء من معرور الذي كان قد توفي، وكان ذلك من التفاصيل التي لها دلالتها، وفجأة نزل عليه الوحي وألهمه أن يتحول بالمصلين جميعاً إلى الناحية الأخرى بحيث يولون وجوههم شطر مكة بدلاً من القدس، لقد أعطى الله [14]للمسلمين بؤرة اهتمام جديدة وقبلة جديدة في صلاتهم {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون} [15]” ،[16]ثم تستطرد قائلة: “وقد وصل بعضهم تحويل القبلة بأنَّ الخطوة الدينية التي تفوق كل ما عداها إبداعًا وإلهامًا فتحول المسلمين إلى القبلة المكية كان يعني أنّهم يعلنون ضمنًا أنَّهم لا ينتمون إلى أي مجتمع من المجتمعات الراسخة، بل يولون وجوههم شطر الله ذاته فحسب [17]،وكان معنى ركوعهم وسجودهم في اتجاه الكعبة وهي التي تتسم باستقلالها عن عقيدتي التوحيد القديمتين اللتين تتحملان مسؤولية “تفريق” أبناء الدين الواحد الذي أنزله الله إلى شيع وأحزاب متناحرة، أنَّهم يعودون اليوم إلى العقيدة الخالصة النقية التي كان يتمتع بها الرجل الذي بنى الكعبة (إنَّ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[18].) {قل إنَّني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين. قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء} [19] ،[20].
وبعد هذه خلاصة ما كتبه المستشرقون الإنجليز عن اتخاذ المسلمين بيت المقدس قبلة لهم عندما فُرضت الصلاة، ثمّ تحوّلت إلى الكعبة بأمر إلهي بعد مضي(18) شهرًا للهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، وكما رأينا أنّ المستشرقيْن مونتجمري وات وبودلي قد أقرّا بأنّ الصلاة فُرضت في مكة، وأنّ بيت المقدس كانت قبلتهم عندما فُرِضت عليهم الصلاة في مكة المكرّمة، ولم يقل واحدًا منهم أنّ قبلة المسلمين كانت إلى حائط المبكى، كما قال د. زيدان!
أمّا زعم د. زيدان أنّ المسلمين أطلقوا على حائط المبكى حائط البُراق، فأقول هنا :
لستُ أدري كيف يا دكتور يوسف تجرؤ على قلب الحقائق التاريخية، فحائط البراق هو الذي أدعى الصهاينة المحتلون أنّه حائط المبكى ، والبراق هو اسم الدابة التي سافر بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. ثم ربط هذه الدابة على بهذا الحائط وعرج إلى السماء لملاقاة الله سبحانه وتعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربـطـته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عـرج بي إلى السماء”(مسلم).فسمي هذا الحائط الذى ربط النبي صلى الله عليه وسلم دابته فيه يوم الإسراء والمعراج بحائط البراق. وهو يعتبر جزء من السور لا يختلف عنه في شيء. وهو يمثل الجزء الجنوبي الغربي من السور ويجاوره مباشرة باب للمسجد هو باب المغاربة.
فقد كانت البيوت قديمًا تحيط بالسور وتلاصقه، وكان حائط البراق مكشوفًا، وأمامه ما يشبه الممر . فكان اليهود يفدون إلى هذا الجزء من السور يبكون عنده مجدهم القديم ، ولذلك أطلقوا عليه اسم حائط المبكى. ويزعمون أنّه من بقايا المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام ويسمونه “الحائط الغربي للهيكل – Western Wall “.فحائط البراق معلم إسلامي وليس يهودي ، ولكن يعتبره اليهود معلمًا يهوديًا ومقدسًا عندهم ، وفي عام 1967 أخذ العدو الصهيوني الحائط بالقوة وحوّله إلى معلم يهودي ديني، فحائط المبكى لا وجود له ، والأدلة علي ذلك ، الآتي:
1. لم يرد ذكره لا من قريب ولا من بعيد في الموسوعة اليهودية عام 1901).
2. نفي عالم الآثار الإسرائيلي” إسرائيل فلنكشتاين” الذي يعمل في جامعة تل أبيب، والمعروف بأبي الآثار أية صلة لليهود بمدينة القدس، ويرى أنّ مدينة القدس بشكل عام لم يعش فيها اليهود مطلقًا، ولم يتم بناء أي هيكل على مر العصور، وأنّ قصص الهيكل مجرد قصص مختلقة. وفيما يتعلق بهيكل سليمان فلا يوجد أي شاهد أثري يدل على أنّه كان موجودًا بالفعل ، ويؤكد هذا :
أ‌. قول رافاييل جرينبرج -وهو محاضر بجامعة تل أبيب- إنّه كان من المفترض أن تجد إسرائيل شيئًا حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع غير أنّ الإسرائيليين يقومون بالحفر دون توقف في مدينة داود بحي سلوان بالقدس منذ عامين ولم يعثروا على شيء.هذا ويقرر فرانسيس نيوتن في كتابه “الانتداب على فلسطين” “أنَّه لا يوجد في فلسطين نقش واحد يمكن أن ينسب إلى المملكة اليهودية، فلقد فشلت اليهودية في أن تقدم أي أثر لداود وسليمان)”
ب‌. ما ذكرته المستشرقة البريطانية كارين آرم سترنج :(واستطاع الأثري هيوز فنسنت من طائفة الدومينيكان أن يكمل حفريات بليس على تل الأكمة وتمكن من أن يبرهن أنَّ المدينة في شكلها الأكثر قدماً ( مدينة داود عليه السلام)كانت تقع بالفعل على تل الأكمة لا على جبل صهيون، كما عثر على مقابر من العصر البرونزي، ونظم مياه وتحصينات أثبتت كلها أنَّ للمدينة تاريخًا أكثر قدمًا من داود عليه السلام، ومن ثَمَّ لم يكن بالإمكان الادعاء بأنَّ المدينة ملك لليهود على أساس أنَّهم أول من سكنوها، وفي الواقع قد تعمَّد الإنجيل توضيح أنَّ الإسرائيليين قد انتزعوا كلًا من فلسطين وأورشليم من أيدي سكان محليين، وهكذا بات من الممكن للحفريات الحديثة تهديد بعض الأمور اليقينية للعقيدة.)[21] ت‌. ما ذكره الأستاذ فيصل صالح خير رئيس مركز إحياء التراث الفلسطيني في مقال له عن القدس والآثار، نشر في جريدة الأسبوع القاهرية بتاريخ 4/9/ 2000م: ” كل الشعوب والأمم التي كانت لها صلة بالقدس، وما حولها، تركت آثارًا لها شاهدة على تلك الصلة إلّا اليهود ، فلم يعثر لهم على أية آثار في القدس.. النطوفيون و الغسوليون والعموريون والكنعانيون واليبوسيون) والمصريون والهكسوس والبابليون والآشوريون والفرس واليونان والرومان، كل هؤلاء قد تركوا في القدس وما حولها آثارًا تدل عليهم إلّا اليهود لم يستطع اليهود العثور على أي أثر يؤكد أطروحاتهم في وجود أناس يسمون” إسرائيليين أو عبريين”
3. بُحِثت قضية هذا الحائط في المحافل الدولية ، وتوصل المتباحثون فيها إلى الحقائق التي هي أصل تاريخ هذا الحائط. فقد شُكِّلت لجنة دولية سنة1930م للتحقيق في حائط البراق الشريف، وكان أعضاؤها من الدول المسيحية، ووافق مجلس الأمم في 5مايو سنة1930م على تأليفها، وأقَّر اليهود صلاحيتها، وقررت هذه اللجنة الآتي : (للمسلمين تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزء لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف ،وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط ،وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقاربة للحائط لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير)[22] فكيف بعد كل هذه الحقائق ياد كتور يوسف تسخر من المسلمين بقولك عن حائط المبكى المزعوم أنّ المسلمين جعلوه حائط البُراق؟
و أسأل د كتور يوسف لماذا تتحدّث عن القرآن الكريم بهذه السخرية، عند حديثك عن حائط البُراق في محاضرتك ” خرافة المسجد الأقصى ؛ إذ قلت: ” وطيب والناس إللي في الشام، قال : أقولك إيه عارف حائط المبكى ده، دا حائط البُراق، يا راجل، مش قالك سبحان الذي أسرى، أصله ركب دابة بتطير، فراح منقول من مكة، لهنا للأرض دي، فواحد يقول يا جماعة الآية بتقول سبحان الذي أسرى ، مش سبحان الذي طار بعبده، يقول: أش ماتنكرش معلومًا من الدين بالضرورة[23]، طيب عايزني اعمل إيه، حبني قبة معلّقة على أعمدة، طيب المكان ده بتاع اليهود، ياعمي يهود مين ده بتاعنا، ده حائط البراق، الدابة اللي كان راكبها النبي ..” ؟ [24] إنّها مجرد حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة نسجها خيالك يا دكتور الذي يريد أن ينتزع من الفلسطينيين أرضهم ، ومن المسلمين قدسية المسجد الأقصى لتُثبته لليهود وللصهاينة، بل أنت توجه رسائل للناس أنّ المسلمين لا يقدّسون ولا مكان حتى الكعبة، بقولك في ذات المحاضرة : ” وفي تاريخ الإسلام ، كل واحد عايز يرمي بلاه ، يروح يرمي بلاه على الكعبة..الحجاج بن يوسف الثقفي يضربها بالمنجنيق، راجمات الصواريخ دلوقت. القرامطة يذيحوا الناس يوم عرفة، ويهدموا الكعبة، وياخدوا الحجر الأسود،الجماعة بتوع 1979 دول قتلوا الناس، ويخربوا الحج، داعش تقولك أوّل حاجة حنعملها عندما نخش مكة حنهدم الكعبة .”
ماذا تهدف من هذا القول؟ وقد كررته في برنامج ” ممكن” للإعلامي القدير الأستاذ خيري رمضان في الحلقة التي أذيعت في 3 ديسمبر 2015م : ” …لما عبد الله بن الزبير عمل ثورته على الدولة الأموية يزيد بن معاوية المسلم هدم الكعبة، وبعدين سحب جيشه، وأعلن نفسه أمير المؤمنين في الحجاز ومكة؟ [25] هل تريد أن تبرر ما يفعله الصهاينة المحتلون في المسجد الأقصى، وتقول إذا كان المسلمون يهدمون بأنفسهم الكعبة، فكيف تلومون الصهاينة بما يفعلونه في المسجد الأقصى؟ وهو قياس ليس في محله، فالذين قاموا بتلك الأعمال أناس غير أسوياء لا يمثلون المسلمين، وكل المسلمين يرفضون ما قاموا به، ولم يُقرّهم أحد على ما فعلوه، ثمّ من قال إنّ القرامطة وجهيمان وداعش يمثلون الإسلام والمسلمين، والحجاج الثقفي معروف أنّه سفّاح؟
ثمّ أنّك في حديثك عن المسجد قصرت الصلاة فيه على صلاة الجماعة وحصرتها في صلاة الجمعة، وكأنّك ليس بمسلم، ولا تعيش في مجتمع مسلم تكثر فيه المساجد التي تُقام فيها صلاة الجماعة خمس مرات في اليوم بما فيها صلوات الجُمع، إضافة إلى صلوات القيام والتهجد في رمضان، وصلاة العيدين، وصلوات الكسوف والخسوف والإستسقاء،كما أنّك تناقض نفسك فتارة تجعل بيت المقدس مدينة يهودية مقدسة لدى اليهود، وتارة تجعلها مدينة مسيحية مقدسة لدى المسيحيين لتنفي قدسيتها لدى المسلمين، وتعود وتؤكد أنّه في زمن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مسجدًا في القدس، فتنفي ما ذكره الخالق جل شأنه، وكأنك تعلم ما لم يعلمه الخالق جل شأنه (تعالى الله عمها يصفون)، وإنّما بُني مابين العقدين السادس والسابع الهجرييْن، والذي كان موجودًا وقتها المسجد الأقصى بالجعرانة!!!!
متناقضات وحكايات لا أسانيد لها سوى مزاعم الصهاينة التي أبطلتها نتائج الحفائر الأثرية واللجنة الدولية بعصبة الأمم.
أمّا عن مراجعاتي على ما ذكرته عن المسجد الأقصى، فستكون في الجزء السابع من هذه المراجعات، فلا تزال للمراجعات بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى