سلايدر

بالصور.. الفنان عبد الوهاب عبد المحسن يرسم الحلم على مقامات الماء

استمع

د.سلوى جودة

أكاديمية مصرية

كان الحلم دائما أن تتحول الساحات ومراكز الشباب على امتداد محافظات مصر إلى مهرجانات شعرية وفلكولورية وفنون تشكيلية كما يحدث في أمريكا اللاتينية وفنلندا وغيرها من الدول التي تؤمن بدور الفنون في إحداث نهضة حقيقية حيث تلتحم بالجماهير وتتعايش معهم هربا من القبح الذي خلفه الزحام والفن الهابط وثقافة التيك توك وقسوة الأسباب وأن نستعيد من خلال مواكب الإبداع مافي هذا الوطن من جمال وسلام ودعه فنحن أبناء السعادة وصناع البهجة والفنون بأشكالها السمعية والبصرية والفكرية.

ومن حق الجماهير أن تعيش هذه الأحوال وعلى كل أرض فبدون لفت أنظارهم إلى الجمال وماهيته سيتلقفهم أبالسة التشدد والجمود وستتحول القلوب إلى كثل أسمنتية قاسية ناشفة ويسقط الجميع في سلال الآخرين مخلفين حضارة علمت الإنسانية كلها وتركت إرثا خالدا يحسدنا عليه العالم فلو كان الخلاص في الحب بأن نحب أنفسنا,بعضنا والوجود فالخلاص أيضا في الإبداع وبسم آيات الجمال.

وكان الحلم أن يتبنى هذه المهرجانات ويرعاها أدباء وشعراء كل محافظة بدعم من الدولة ووزارة الثقافة حتى تتبعت ما يحدث في مدينة البرلس أحد مراكز محافظة كفر الشيخ والتي تقع على الشريط الضيق بين بحيرة البرلس (أقصى شمال جمهوررية مصر العربية ومصب نهر النيل) وبين البحر المتوسط.

وبرعاية اللواء نور الدين محافظ كفر الشيخ والدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة فاعليات الدورة التاسعة من ملتقى البرلس الدولي للرسم على الحوائط والمراكب في حضور 25 فنان من الهند وصربيا وبولندا وإيطاليا والنرويج وتونس والأردن والسعودية ومصر وتقام الدورة التاسعة في الفترة من أول نوفمبر حتى الرابع عشر من نوفمبر 2022 حيث تتواكب مع العيد القومي للمحافظة ولقد أسس ملتقى البرلس الدولي للفنون والذي أطلق قبل ثمانية سنوات الفنان التشكيلي الكبير د.عبد الوهاب عبد المحسن أحد أهم الفنانين التشكيليين المعاصرين.

ويُطلق مصطلح الفن التشكيلي، أو الفن البصري على مُختلف الإبداعات التي يُمكن رؤيتها مثل الرسم والنحت والعمارة وتتعدد مدارسة من الواقعية والواقعية الرمزية إلى الإنطباعية والإنطباعية الجديدة والطبيعية والدادية والسريالية والتجريدية.

ويعد الفن المرئي مكونًا أساسيًا للتجربة الإنسانية التي تعكس العالم والزمن الذي نعيش فيه ويساعدنا هذا الفن على فهم تاريخنا وثقافتنا وحياتنا وتجربة الآخرين بطريقة لا يمكن تحقيقها بوسائل أخرى ويمكن أن يكون أيضًا مصدرًا للإلهام والتفكير والأهم الفرح.

والفنان عبدالوهاب عبدالمحسن هو رئيس ملتقى البرلس الدولى ومؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن وهو نموذج يحتذى به في ارتباط الفنان ببيئته وإيمانه بدور الفن في تنمية الوعي وفي نشر ثقافة التطوع ويهدف بالملتقى والمؤسسة إلى اكتشاف المواهب عند أطفال البرلس، ومحاولة ابتكار حرفة لها علاقة بمدينة برج البرلس التي تشتهر بصناعة المراكب بكل أنواعها وأحجامها، وذلك بتجميع ما يتبقى فى الورش من بقايا الأخشاب التى تتحول إلى هدايا ولوحات يرسمها الأطفال كعمل فنى جميل مرسوم بتلقائية، ويكون مصدر رزق، بالإضافة إلى تجميل مدينة البرلس ونشر الوعى الفنى والتذوق من خلال تجميل المراكب والجدران وتجربة الملتقى أراد بها عبدالوهاب عبدالمحسن نشر الثقافة البصرية وتعظيم الجمال وخلق حوارا استثنائيا متساميا عاليا بين الإنسان واللون وبين الفنان وبيئة مغايرة وبين الفنان وأطفال القرية التي يحتضنها البحر والنهر في إبداع سماوي فريد والتي يستيقظ إنسانها على أصوات الصيادين وهم يستدعون الرزق في ترانيم لاتخطئها ملائكة السعي وفي ثقة من العقد الذي وثقوه مع الطبيعة فهم أبناء البحر واحباؤه مهما غضب في مده وجزره وثورة أمواجه فالعودة دائما إليه ويذكرني المكان بتفاصيله بمسرحية الكاتب الأيرلندي جي إم سينج “المسافرون عبر البحر” والتي تقع أحداثها في جزيرة قبالة غرب أيرلندا يسكنها الصيادين وقد فقدوا الكثير من أبنائهم في البحرولكنهم يصرون على أن الحياة بقرب البحر لاتضاهيها أخرى وأنه “يجب أن يكونوا راضيين عنه” في ثورته وجموحه وفي صفوه وعطاؤه ولم يتوقف الغناء في هذه الجزيرة فالفن تعويذتهم ضد الخوف والموت والتحجر.

ولك أن تتخيل مايفعله ملتقى البرلس والفنان عبدالوهاب عبدالمحسن ,الذي يتحدى القبح بريشته فسلاحه اللون وروحه المتصلة بالسماء فهو سيد الحلم الذي يرسم على مقامات الماء بكل شروط الصلاة وبإيمان الروح العابرة للتخوم والسابحة في ملكوت الخطوط والألوان, وبحضور عشرات الفنانين التشكليين من أنحاء العالم للتفاعل والإنسجام والتعايش مع بيئة البرلس الفطرية ببحرها وكبارها وصغارها وموجوداتها لمدة أربعة عشر يوما يصبحون فيها جزءا من سيرة هذه المدينة فيذوبون فيها وتذوب هي في جماليات مايتركونه وراءهم من أرواحهم وكأنها المدينه التي تشهد ميلاد النجوم في كوكب تتلون فيه الشمس ويتزين فيها وجه القمرويصعد اللؤلؤ إلى السماء..

ضيوف الملتقى قادمون من بلادهم في تخل تام عن شهوة المادة في مقابل الروح الوثابة لايملكون إلا نفسا عامرة بالألوان وبتجارب روحية وإنسانية خاصة فيرسمون متأثرين ببيئة البرلس وقد يرسمون أنفسهم أيضا وما علق بهم من هذه التجربة الفريدة وبلا تعقيدات فهم في الحقيقة يمسكون بتلابيب الأمل الذي سيجد طريقه إلى البحربسريان أرواحهم المنطلقة وبلاحدود..

فهم لا يلونون الحوائط والأبواب والجدران والمراكب بل القلوب أيضا..ترى ماذا سيحكون عنا حين يعودون إلى بلادهم ومامدى حاجتنا إلى هذه القوافل المحملة بالجمال وسنابل الخير ,فأنا بهذا الملتقى أراهن على مستقبل إنسان البرلس الذي كلما فتح بابه وجد على ناصية بيته ملائكة الإبداع يهبطون من السماء ليمنحوه مقاليد السطوع والإنشراح وأراهن على الطفل الذي يمر صباحا في طريقة للمدرسة أوحتى الذي يرافقهم أويتتبعهم بشغف العقل الصاف الذي لايخلو من وعي طبيعي ويجد الحياة وقد فتحت ذراعيها لتستقبله بكل الألوان وترحب به على طريقة قوس قزح عندما يفاجئ أهل الأرض بعد زخات المطرفإن شققت عن صدره ستجده يرسم الطريق إلى الندى,إلى الشعر,إلى الحب إلى عشب الخيال وتفتح في قلبه الأبواب العصية ويتلون بالحلم الذي ننتظره..

طوبى للفن والإبداع وللفنان عبدالوهاب عبدالمحسن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى