رأىسلايدر

ماذا خسرت السعودية في أزمتها مع قطر؟

استمع

الكاتب/ جورجي جوكوف

١- أول خسارات السعودية هي قيمة “الشقيقة الكُبرى” أو “الأخ” الذي يفزع إليه الجميع في الملمات، والذي بيده التأثير في وحدة الصف الخليجي والعربي. يتخذ موقف الحريص دوما على جمع الكلمة والتقليل من الشقاق أو الخلافات التي تنشأ أحيانا من تباين الآراء في مواضيع سياسية مختلفة.

السعودية دولة كبيرة وقيمة كبيرة ليس فقط في الخليج بل على مستوى الدول العربية والإسلامية، كذلك لديها نفوذ خارجي كبير على مستوى العالم، يُعول عليها في فض النزاعات والعمل الخيري والإنساني.

إنزلاقها مع الإمارات والبحرين ومصر في “حصار” دولة خليجية صغيرة شقيقة برا وبحرا وجوا وطرد القطريين وإجبار السعوديين العاملين هناك بالعودة للبلد، فوق أنه حجم من صورتها كثيرا، كان فاجعا لم يحدث بهذه الحدة مع الدولة العدو الأصلي “إيران”.
رسائل وزارة الخارجي وحديث الصحافة أننا لسنا ضدكم أيها الشعب القطري لاتستعطف القطريين ولايصدقونها، كيف تحاصره وتطرده وتقول إنما المقصود حكومتك. إنها فعل لايرقى لحجم “السعودية”. الخطاب المباشر للشعب بعد حصاره لن يحوله فجأه إلى معارضين ويقربهم ممن يحاصره في قوته ويشوه صورة دولته عبر المنابر العالمية. إنه رسالة لاتفعلها السعودية التي يعرفها العالم قبل هذه الأزمة.

إسرائيل بعدائها تسمح بعبور شحنات الغذاء عبر معبر كرم أبو سالم جنوب شرق مدينة رفح يوميا، وهي في نفس الوقت تتمنى إقتلاع غزة وأهلها. فكيف تفعله السعودية بدولة خليجية دماء أبناءها لم تجف بعد في اليمن، بل دولة اختلطت فيها دماء العوائل والقبائل منذ سنين.

إنه شرخ كبير، وخسارة سريعة لم تحسب لها السعودية كثيراً، أو حسبت لها لكن قررت المغامرة بها. ستبقى أثارها ليس على “قطر” فقط بل حتى على الدول الخليجية الآخرى خصوصا الكويت وعمان اللتان نأتا حتى الآن عن المساهمة في هذا الحصار رغم الضغوط.

٢- خسرت السعودية “الثقل” الدبلوماسي المعهود وميزة الترفع عن الصغائر والشتائم وحديث الأعراض، هكذا كان يراها الناس والعالم. وهي ميزة استطاعت الحفاظ عليه لعقود ويمكن مشاهدة ذلك بوضوح مع مايفعله الإعلام المصري وعناوين صحافته اليومية، كانت السعودية تترفع عنه وإذا كان أبدت انزعجا أوصلت ذلك عبر القنوات الرسمية.

لكن ما حدث مع قطر ماكسر هذه القاعدة وخرج عن الأدبيات والأعراف السياسية، ففجأة تحولت صحفها وإعلامها إلى مايشبه المنتديات الإلكترونية، تمثلت في إساءات شخصية بلغة مبتذلة لم تفعله السعودية في تاريخها من قبل حتى مع اللد خصومها كإيران و الحوثي ولا حتى صدام حسين حين دخلت معه في حرب.

٣- خسرت السعودية شيء من سمعتها على مستوى العالم الإسلامي الذي كانت تسعى في علاج قضاياه الكبرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومقاومة “العدو” الإسرائيلي. حتى الإدارة الأمريكية حين قررت أن تخاطب رؤساء دول العالم الإسلامي اختارت زيارة السعودية أولا لما تعلمه من قدراتها على الحديث بصوت المسلمين الذين يأملون فيها القيام بدور مهم لحل مشكلاته.

تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في معرض الهجوم على قطر أمام وزيرالخارجية الألماني واتهام حماس بالإرهاب ومطالبته “قطر” بالتوقف عن دعمها نقل السعودية إلى منطقة محظورة ستؤثر قطعا على قوتها الناعمة في الداخل والخارج.
حماس آخر قلاع المقاومة على الأقل في نظر كثير من العرب والمسلمين لم تتجرأ أن تصفنها دولة إسلامية من قبل كمنظمة إرهابية عدا مصر عام ٢٠١٤، فكيف تفعلها دولة إسلامية كبرى كـ “السعودية” تحتضن رابطة العالم الإسلامي ومايتبعها من منظمات إسلامية كبيرة وإليها تتجه الأنظار.

هذا التصريح كان بمثابة “الهدية” من السماء لإسرائيل لسحق غزة وأهلها استناداً لضوء أخضر من دولة تمثل قبلة المسلمين وعلى عاتقها مسؤولية الأهتمام والدفاع عن مقدسات المسلمين.
أم أننا سنلوم حماس لإنها تتلقى دعما من إيران؟ ونحن نعلم كم يكررها قادتهم “لو مد لنا العرب يد العون لأغلقنا الباب في وجه إيران”، لكن لايمكن تصور أن تتخلى عنهم وتتهمهم بالإرهاب وفي نفس الوقت تطلب منهم أن يبقو مكتوفي الأيدي وأن يرفضوا دعم إيران!

كذلك مايحدث مع قطر اليوم؟ قد تدفع بها إلى عدوها وعدوك. حماس خسرت إيران في سوريا، وحين قررت تلطيف الأجواء مع إيران حين تخلى عنها العرب مرة آخرى. لم تعاقبها إيران عادت لها مرة آخرى. إيران تعلم قيمة المقاومة الفلسطينية وقضية فلسطين في قلب العالم الإسلامي. لذلك لاتفرط في هذه القيمة بسهولة.

في المقابل، السعودية لايبدو مؤخرا أنها باتت تكترث لهذة القوة وهذه المهمة التي تملكها، وإذا استمرت في هذه السياسات فقد تفقد الكثير. إذ كيف تريد زعامة دينية وفي نفس الوقت تخرج القضية الفلسطينية من الحسابات ومن باب يفتحه المحتل؟

٤- إذا استثنينا موقف “ترامب” المتناقض مع فريق في وزارة الدفاع والخارجية، نستطيع أن نقول أن السعودية بكل حقائبها الدبلوماسية الخارجية حتى الآن فشلت في حشد دول ذات ثقل وسمعة كبيرة لتأييدها في صنيعها ضد قطر. ولم تقف معها حتى الآن إلى دولا فقيرة هامشية بعضها احتاج الناس إلى “قوقل” للبحث عنها كجابون و موريشيوس.

ملفت كذلك ظهور وزرير الخارجية السعودية مرتبكا في جولته الأوروبية رغبة في دعم دولي، إذ اصطدم الوزير بالألمان الذين قالوا له: ليس لدينا أدلة على قطر تثبت تورطها في الإرهاب، لكن لدينا أدلة عن تورط السعودية.

إذا المانيا، فرنسا، أسبانيا، تركيا ، وروسيا مؤخرا، تدعو لحل الأزمة بالحوار لا بالحصار. إذا كان بالإمكان علاج “ترامب” بالمال وقد كان ثمنا باهضا، فليس بالإمكان معالجة كل الدول بالمال خصوصا في ظروف اقتصادية صعبة كما هو الحال.

٥- كان العالم ينظر إلى السعودية بما تملكه من قوة دبلوماسية ومالية ومكانة دولية إلى أنها جزء من الحلول للمشكلات التي تعصف بالشرق الأوسط، لكنها مؤخرا أصبحت جزء من المشكلات التي بحاجة إلى من يساعدها في حلولها.
أخذت السعودية من العالم ضوءا أخضرا لإنها إنقلاب الحوثي في اليمن، وكونت تحالفا عربيا كبيرا ثم علقت في اليمن سنتين دون أن تستطيع أن تغير كثيرا في المعادلة على الأرض.

توقع الجميع أن تكون عملية خطافية سريعة ولم يكن أكثر المتشائمين يظن أن يطول الأمر، لإن الحرب الطويلة يعني مزيد من الخسائر للطرفين خصوصا إذا بدا واضحا أنه لايوجد تغير على الأرض كبير يوازي الغطاء الدولي المقدم للسعودية.
وبدأت الدول التي تبيع الأسلحة على السعودية تواجه ضغوطا في داخلها نتيجة بيع المزيد من الأسلحة. فالمعارضة البريطانية واجهت الحكومة في البرلمان وطلبت عدم بيع المزيد من الأسلحة وكذلك فعل بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي.
فإذا كان لديك حربا في اليمن، وظروفا اقتصادية في الداخل، فكيف تدخل في مشكلة جديدة وكبيرة مع دولة شقيقة يصل الأمر إلى التلميح بالتدخل العسكري وتغيير النظام هناك.

٦- قطر ليست خالية من الأصدقاء في العالم، لذلك فمتوقع أن تلجأ لمن يحميها وهي تعترف بأنها أضعف من أن تقاوم السعودية ولكنها في نفس الوقت تصر على أنها أقوى من أن تصبح تبعا لها هكذا صرح وزير الخارجية القطري.  ومعنى ذلك أن تفتح قطر الباب للذين كانوا يحلمون بموضع قدم في الخليج إيران وتركيا من عقود. ولا يمكن لوم قطر فقط لإنها نتيجة متوقعة تلجأ لها أي دولة حين تشعر بالخطر.

فالسعودية دخلها مايقارب المليون جندي من ٣٢ دولة في حرب الخليج نصفهم من أمريكا. وهو تصرف رأت فيه السعودية ضرورة لإنهاء احتلال الكويت وحماية أمنها من انتقام صدام.

فكيف يمكن لوم قطر الآن، والترحيب بالقرار السعودي في حرب الخليج؟ أنت تحاصره برا وجوا وبحرا، وتهدده في جميع صحفك بتغيير نظامه، وتخاطب وزارة خارجيتك شعبه مباشرة بشكل تحريضي. وتتهمه بالإرهاب وتريده أن يبقي هذه المشكلة محصورة في الخليج؟

إذا تخسر السعودية هنا بقاء المشكلة في البيت الخليجي يتحكم فيه رؤوساء هذه الدول لتصبح القضية دولية وتصبح الحلول فرضا من الخارج، وينتقل مستقبل الخليج من أهل الخليج إلى الدول الكبرى التي لاتخفي أطماعها فيه.

٧- هناك خليط من القبائل بين السعودية وقطر ولاشك أن هناك تعاطف بين أفراد القبائل لبعضهم، فهم في النهاية عائلة واحدة، فحين تتدخل الدولة لتشتت هذه الأسر فلايمكن أن يتولد عن ذلك تعاطف مع هذه القرارات. حتى لو تم احراج بعض القبائل كما حدث مع الهواجر وتوقيعهم على تأييدهم لحصار أبناء عمومتهم وإخوانهم في الدولة المجاورة.

لذلك كان الرد على هواجر السعودية سريعا من هواجر قطر، إنها اللعبة الخطرة التي لم يسبق أن عبث بها أحد من قبل. ولا يمكن أن يهدي النفوس “صرف” مرتبات لشيوخ القبائل في اليوم التالي. إنها أسر وعوائل ليست وليدة اللحظة فمن الخطأ الدخول في هذه الدائرة من الخلاف.

ماذا سنفعل لنحل هذا الموضوع؟ هل سنفعل مثل ماتفعل كوريا الشمالية منطقة مشتركة تحت مراقبة تفتح كل عام مرة واحدة لتجتمع العوائل المشتتة للسلام على بعضهم عدة ساعات ثم يعودون؟

٨- استنفرت جميع جهودها السعودية وأعلنت الحرب في اليمن لإن الحوثي الذي انقلب على السلطة هناك يمثل خنجرا في خاصرتها، ماذا سيحدث حين تُجبر قطر لتعاون أكبر مع إيران وتركيا ليس لحرب السعودية فقطعا هذا لن يحدث لكن لموضع قدمها في الخليج. لنتأمل الصورة سريعا في تواجد إيران في المنطقة.

لدى إيران نفوذ كبير في العراق وسوريا ولبنان وفي الجنوب لديك الحوثي، إذا أنت تخسر الكثير لصالح إيران؟ لكن كلها في كفة ودخول إيران وتركيا مباشرة للخليج وفي عمقه كفة أخرى.  ليس هذا فحسب، هاهي عمان الآن تستقبل سفينتان حربيتان من إيران. إنه مشهد مربك للجميع.

٩- التهم الكبرى التي تتهم فيها قطر حاليا ويسوق لها بحماسة شديدة هي دعم الإرهاب، وهذا ليس خطرا على قطر فقط بل خطر على السعودية كذلك لإن العالم حتى كتابة هذه الحروف لازال يربط بين الإرهاب والسعودية.  أوروبا تقول أن السعودية عكفت دهرا لتصدير الوهابية إلى العالم الذي تسبب في هذا الإرهاب.

أمريكا وترامب نفسه قبل رئاسته كان يتهم السعودية بالإرهاب، ومؤسسات أمريكية كثيرة لاتزال تتهمنا بالإرهاب، إذا هو سكوت مؤقت وليس دائم. وفي أي لحظة يمكن أن يُفتح هذا الملف على الجميع ويخسر الجميع.

١٠- تركيا قررت بوضوح الوقوف إلى جانب قطر، ووافق البرلمان التركي على مشروع قانون يسمح للقوات التركية بالانتقال إلى قاعدة عسكرية تركية في قطر. إنه دعم كبير وثقل يلخبط جميع الحسابات الخليجية. أو على الأقل يصعب عملية أي تغيير في النظام القطري بالقوة.

هذه الرسالة القوية من تركيا لن تعجب السعودية، فهل ستُضاف تركيا كذلك إلى خندق المغضوب عليه؟ ثم ماذا؟ كم من الدول ستقاطع وتحاصر؟ تركيا هي الدولة السنية الوحيدة المتبقية لك في منطقة تزحف فيها إيران بهدوء وتقف بكل ماأوتيت مع حلفائها.

إذا أقدمت السعودية على إرسال رسالة غضب لتركيا في شكل اقتصادي أو دبلوماسي فلاشك أن السعودية تدفع بنفسها إلى فوهة بركان يحرق المنطقة لن ينجو منه أحد.

هناك لعبة خطرة بدأ يروج لها البعض وهي دعم الأكراد وإشغال تركيا وهذه لعبة خطرة لاتقوى على تباعاتها الخليج وقد تعتبره تركيا عداء مباشر وصريح.

فإذا كانت إيران ضدك ودفعت بتركيا لتكون ضدك، والتزمت أوروبا الحياد، ولعبت أمريكا كعادتها لعبة الابتزاز وتضارب التصريحات. فأي المعارك تريد دخولها مجددا ولازال لديك معركة في الجنوب لم تنتهِ بعد.

١١-قطر المحت في حال تهديد أمريكا نقل قاعدة العديد إلى الإمارات أو السعودية، فإنها ستفسح المجال لقاعدة روسية وهذا يعني أن قطر والسعودية هيئتا دولهما لتكون ساحة لحروب وكالة تحركها الدول الكبرى، وقطعا لن تسلم الأنظمة في البلدين من تدخلات وعبث وابتزاز وتغييرات كبيرة.

١٢- انهيار دول مجلس الخليج.
فمن الحديث عن اتحاد خليجي ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية، والمالية، والتجارية والجمارك، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية وعملة موحدة وجيش قوي يدافع عن أمن الخليج على غرار الاتحاد الأوروبي وتوثيق الروابط بين الشعوب الخليجية إلى عداوة كبيرة وحصار واتهام وتحريض دولي ضد دولة. فهل يمكن مستقبلا أن تقتنع عمان أو الكويت بمصير مختلف عن قطر؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى