رأى

أي مستقبل للنظام الدولي في 2019؟

استمع

أحمد أبو زيد

باحث مصري

تنشغل مراكز الفكر والابحاث الاستراتيجية بالتنبؤ بحالة العالم خلال السنة المقبلة في نهاية كل عام، وقد لاحظت من قراءاتي أن هناك ما يشبه الاجماع على التشاؤم بشأن مستقبل الأمن الدولي خلال العام 2019، وتشير السيناريوهات المحتملة لمختلف الأزمات الدولية والاقليمية الراهنة، إلى غياب الضمانات بشأن تسوية معظمها، وفقدان النظام الدولي للقيادة اللازمة لتحديد اتجاه تفاعلاته، فضلا عن ضعف الإرادة في إدارة السياسة الخارجية نتيجة لطغيان قيود وتأثيرات الداخل على متخذي القرار.

يعتبر اتجاه الانسحاب في السياسة الأمريكية سواء في صورته العسكرية أو الدبلوماسية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، هو احد المحددات الرئيسية للتنبؤات بمستقبل السياسة الدولية في العام الجديد، ولعل الانسحاب الأمريكي التكتيكي من سوريا، يمثل أحد أبرز المؤشرات على الاوضاع في المنطقة، فسياسة الولايات المتحدة في نسختها “الترامبية” لم تعد تراعي كثيرا مواقف حلفاءها وردود فعلهم، فالقرار الأمريكي الأخير بشأن الانسحاب قد ترك تقييمات سلبية لدى الكثير من عواصم البلدان الأعضاء الرئيسيين في التحالف الدولي لمحاربة داعش، وأعطى لتركيا ما يمكن اعتباره ضوء اخضر للقيام بعملية عسكرية تستهدف مكونات الشمال السوري، ولعل ذلك ما يمكن أن يجعل الشمال السوري ساحة لمواجهات عسكرية لا سقف لها، إن لم يتم تنسيق التحركات الأمريكية مع خطوات سياسية للحل، وضمانات أمنية لعدم السماح بفراغ يصبح مآله تسليم سوريا لتركيا بعدما أدى الغزو الأمريكي للعراق إلى تسليم العراق للنفوذ الايراني.

يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات عديدة خلال العام 2019، بعد ان شهد العام المنصرم مفاوضات شاقة بين بروكسيل ولندن حول الخروج من الاتحاد، إلا ان عودة موجة الاحتجاجات الملونة كما شهدت فرنسا مظاهرات السترات الصفراء، يمكن ان يدفع بعض بلدان أوروبا نحو مزيد من الانشغال في مشكلاتها الداخلية، في توقيت حرج كان قد يشهد مساع أوروبية لاستعادة الدور والتأثير والوساطة في أزمات الشرق الأوسط، بما يدعم نمط القيادة متعددة الأطراف للنظام العالمي، وقد باتت مصداقية الدول الأوروبية الكبرى على المحك بسبب الخلاف الأمريكي الأوروبي حول الاتفاق النووي مع إيران، وعدم قدرة القارة الأوروبية على فتح آفاق حقيقة للتعاون الشامل مع الدول العربية والافريقية جنوب المتوسط، حيث تميل الأنانية الأوروبية إلى حصر الأمر في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، وكأن القارة العجوز تود من دول المنطقة أن يتحولوا إلى خفر سواحل أو حراس حدود يمنعوا عنها سيل المهاجرين، وهو الاتجاه المرفوض.

مع هذا التراجع الأمريكي الأوروبي في السياسة الدولية، يبدو للجميع أن روسيا والصين مؤهلتان لملء الفراغ، إلا ان هذه النظرة لا تخلو من اختزالية وتسطيح للأوضاع وتوازنات القوى، فسوف يشهد العالم خلال العام 2019 مزيد من “فجوة القيادة” الراهنة في النظام الدولي، يقابله سعي اخر للوصول لعالم متعدد الأقطاب، وهو ما قد يعطي مجالا لتوسيع القوى الاقليمية الطامحة لتحركاتها الهادفة للهيمنة على الأوضاع في الشرق الأوسط، إلا انه ينبغي الانتباه إلى أن المساعي الروسية الصينية للحضور في العديد من الازمات والأوضاع المضطربة في المنطقة، وعلى رأسها الحالة الليبية، يمكن ان يساهم في تعقيد المشهد بصورة أو بأخرى إذا حفز مزيد من التدخلات الدولية من جانب الولايات المتحدة وحلفاءها. كما أن الأوضاع المتعلقة بالأمن البحري وخاصة في البحر الأحمر مرشحة لصراع دولي جديد يرتبط برغبة الصين في تحقيق مشروع “طريق الحرير البحري” بما يهدد الهيمنة الغربية على الشريان البحري الهام، فيما تسعى روسيا لزيادة حضورها في القرن الإفريقي وشمال إفريقيا.

ويمكن القول أن الجارة الشقيقة ليبيا يمكن أن تكون بارقة الأمل العربية خلال العام الحالي، من زاوية تسريع خطوات العملية السياسية، وصولا إلى تحقيق وحدة واستقرار مؤسسات الدولة الوطنية، بما يمكن من عودة الأوضاع إلى نصابها الطبيعي، لكن هذا المسار ربما يدفع الجهات المستفيدة من الفوضى، إلى العمل على عرقلة الانجازات السياسية المرتقبة خلال الشهور المقبلة.

لعل الهجوم الارهابي الأخير الذي استهدف وزارة الخارجية حكومة الوفاق في طرابلس يعطي مؤشرا على ذلك، ويحتم على الجميع العمل بكل جدية للقضاء على الميليشيات المسلحة وحصر السلاح في يد الدولة وجيشها الوطني بقيادة المشير خليفة بلقاسم حفتر، بما يساهم في ترسيخ النجاحات التي تحققت ضد الارهاب، ويعمل على تهيئة الأوضاع بصورة ملائمة للمضي قدما في الاستحقاقات الدستورية والانتخابية.

ومن هنا يتبادر للذهن.. أي مستقبل للنظام الدولي في 2019؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى