رأىسلايدر

شهادة الفعل التراكمي لا جعجعة الردود البروتوكولية !

استمع

د.ديمة طارق طهبوبد ديمة طهبوب

يذكر المؤرخ النصراني وِلْيَم الصوري عن احتلال الصليبيين للقدس” أن بيتَ المقدس أصبح مخاضة واسعة من دماء المسلمين، أثارت خوف الغُزاة واشْمِئْزازهم، وأنه لم يكن من الممكن النظر إلى تلك الأعداد الضخمة من القتلى دون الإحساس بالرعب، ففي كل مكان ترى بقايا جثث القتلى مقطوعي الرؤوس والأيدي، وكانت الأرضُ مغطاةً بدماء القتلى”!!! بالرغم من وضوح الاسم و انتمائه الى رمز ديني لا خلاف على معناه هو الصليب لم يحصل ان جرمنا الدين او قلنا انه يدعو الى العنف بالرغم من ان نصوص العهد القديم و الجديد حافلة بمشاهد و قصص غاية في القسوة و الضراوة الا ان المؤمنين حقا لا يجرؤون على الصاق السلبيات بالاديان السماوية و نكتفي بالقول بأن الدين شيء و أفعال الأتباع شيء منفصل لا يمكن الربط بينهما.

بالرغم من الخوف و الهلع التي نشرته الطائفة الدينية في أمريكا في القرن التاسع عشر و ما تلاه و المعروفة كلوكلوكس كلان و التي كانت تقدم نفسها على انها يد الرب في معاقبة العصاة، و العصيان هذا كان فضفاض المعالم فكونك اسودا كان يكفي لتكون عاصيا و يطبق عليك حد الحرق حيا او الاعدام شنقا على شجرة يبقى الضحية معلقا عليها حتى يتعفن دون دفن!! لم يهرع العالم للبحث عن الجذور الفكرية و القاعدة و المنطلقات الدينية لهذه المنظمة و ربطها بالدين المسيحي و اتهامه بالتحريض عليها!

و حتى لما جاء الدين على شكل الاستعمار التوسعي الاقتصادي و التبشيري لم يبحث أحد في الدوافع الباطنة و استخدام الدين تضليلا لخدمة اغراض السياسة بل عُدَّ من درس الأبعاد الدينية للصراعات مأسور بنظرية المؤامرة مقحم لسياق ديني في فعل سياسي بحت!! الدول الغربية أصبحت علمانية و ظن الجهلة ان الدين تراجع الى الخصوصيات و الشكليات مع ان وجوده في السياسة و اخواتها من ميادين التأثيرو صنع القرار ظل حاضرا بقوة لكل من يفهم سرعة انتشار اليمينية المتطرفة في اوروبا الان!

الامر ينطبق على الأديان و الاعتقادات الاخرى فالهندوس و البوذويين يقودون حرب ابادة ضد المسلمين من جيرانهم و لا توصم عقيدتهم بأي تهمة بل يروج لها كدين للسلام و الصفاء الروحي؟!؟! لماذا هذه الازدواجية و اختلاف المعايير فقط في التعامل مع الاسلام و المسلمين؟!

العهد القديم او التوراة تحفل بقصص الاجرام التي تظهر في فتاوى الحاخامات التي تسقط غير الجنس اليهودي من حسابات البشرية تماما، و لكن تجرأ و أعلن حقيقتهم دون زيادة أمام الملأ و ستلبسك تهمة معاداة السامية كجريمة لا تغتفر!!

لماذا لا ينسحب الأمر على الاسلام من باب الحوار و التسامح و قبول الاخر؟! لماذا لا يتم الفصل بين الدين كعقيدة و افعال اتباعه؟ لماذا تتم شيطنة الاسلام دون غيره و ابراز مظلومية الآخر منه و ينبني عليها شرعنة الرد على المسلمين بالقوة كقصاص عادل بحجة الحفاظ على الحضارة و الديمقراطية ؟!

نعم نحمل جزءا من الجرم بعدم الرد على أعداء الاسلام من الداخل الذين اختطفوا الدين، و كانوا سببا في نفور البشرية منه و قد نزل رحمة لها منه و لقد صدق سيدنا عمر “ان الاسلام في بناء و ان له انهداما و ان مما يهدمه أئمة مضلون” أئمة مسخوا حقيقة الدين بناء على تفسيرات مغلوطة و مجتزأة فقدموا الجهاد، و هو مفهوم عظيم أخذ على الاغلب شكل الفتوحات السلمية في تاريخ المسلمين بقواعد اخلاقية ما زالت تبهر المنصفين من المؤرخين، غربا قبل الشرق، ليصبح قائما على القتال النكائي و الثأري فقط، و تم اختزال الاداء الحضاري للمسلمين جميعا و عطائهم المادي الحالي و مساهمتهم الفعالة في بناء مجتمعاتهم على اساس الاداء العسكري لبعضهم فأصبح جميع المسلمين في سلة واحدة لا فرق بين من يصلي بأمان الله في المحراب و يتخلق بخلقه رحمة مع الناس عمن يمسك البندقية عدوانا على الاخرين و يتزنر بالحزام الناسف ليقتل المدنيين في غير دار حرب و بغير جريرة!

لم يقتصر خطر هؤلاء على غير المسلمين فقط بل كان انتقامهم موجها اولا لكل من يخالفهم من المسلمين و لو كان في شق تمرة و فظعوا فيه بذات القسوة و اكثر!!

و كان أثر هؤلاء الغلاة المتنطعين في الدين شديد النكاية و قد شمل غلوهم مجالات الدين كلها: العقيدة تكفيرا، و العبادات تبديعا، و المعاملات تحريما
فلا ريب اننا نحمل جزءا من المسؤولية عندما سمحنا لامثال هؤلاء باحتكار تمثيل الاسلام و لكن ماذا تملك الشعوب المستعبدة فهي ان هربت من تطرف الغلاة وقعت في تطرف المستبدين و صدق سيدنا علي اذ قال “اربعة أهلكوا الأمة الطغاة و الغزاة و الجباة و الغلاة” و قد اكتمل الطقم كله في بلادنا متآمرا علينا قبل تآمر الغرب.
و لكن مع هذا الادراك و العمل لاصلاح الخلل الداخلي الذي يستهدف المسلمين قبل غيرهم لا يجب ان نغفل ان مصالح اعداء الاسلام من داخله التقت مع مصالح الغرب الذي استغل سوء العمل و نفخ بكل قوته لزيادة أثره ليبرر للعالم “الحر و الانساني” الذي يحكمه اضطراره لسياسة القوة و القتل و التدمير و الاقصاء حتى يحافظ على شعبه و نمط حياته المتحضر.

لقد كان جورج بوش واضح الخطاب بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر اذ قال في كلمته امام الكونغرس” يتسائل الامريكييون لماذا يكرهوننا؟ انهم يكرهون ما نراه تماما في هذا المجلس: حكومة منتخبة ديمقراطيا فزعماؤهم نصبوا انفسهم بأنفسهم، انهم يكرهون حرياتنا، حرية الدين و حرية التعبير و التصويت و الاجتماع و الاختلاف” و السؤال من السبب في تقوية من يجلسون على قلوب شعوبهم غصبا و يصادرون حرياتهم كلها؟! و هل يحق لنا ان نكره من فعل بنا هذا و نرد عليه و لكن كيف يكون الرد و بأي درجة و هل كانت الفترة المكية و هي الفترة الاولى و الاهم و الاكثر استضعافا من عمر المسلمين فترة عنف و عنف مضاد ام فترة صبر و اعداد لفتح عظيم قدر الله ان يكون بلا قتال!

ان الشعور بالذنب و التأنيب و الحاجة الى الرد و الدفاع كلما اقحم اسم الاسلام جهالة و جرما في جريمة لهو تثبيت للتهمة بشكل آخر، ان الرد و الذود و الذب عن الاسلام لا يكون باسهال تصريحات و تنديدات وقتية لا تقدم و لا تؤخر في تغيير المشهد و ما سينبني عليه من اجراءات، ان هذه الردود السريعة شيء من البرتوكول و اللياقة الانسانية و لكن الاهم هو العمل اليومي و المنظم لتقديم صورة الاسلام بأحسن سفارة للمسلمين على اختلاف مواقعهم، ساعتها لن تترك الشعوب يقين خبرتها الحياتية مع المسلمين لضلالة طارئة من جهلة سفهاء من المسلمين او من يستثمرون في جهالتهم من السياسيين!

لن نسارع الى استلهام التاريخ لنقول هذه حرب صليبية جديدة و لكننا قبل ان نرى العدو الواضح يجب ان نتبه الى العدو الاخطر الذي يبدو في ثوب صديق و نبدأ به و نفشل مخططاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى