رأىسلايدر

وزير الخارجية الأسبق.. د. نبيل فهمى: أمريكا..روسيا..الصين.. والعرب “أفواه وأرانب”..؟!

استمع
نقلاََ عن صحيفة الــ INDEPENDENT بالعربية، جاءت مقالة وزير الخارجية الأسبق المخضرم .. د. نبيل فهمى.. متناولاََ بالتحليل صراع الأنا وصدام الحضارات على ملعب الشرق الأوسط وتحديداََ بلاد العرب على غرار سياسة أفوا وأرانب..  على النحو التالى:

اعتاد العالمُ متابعة الأحداث الدوليَّة من منظور الصراعات أو المنافسات بين الإمبراطوريات العظمى أو الدول الكبرى التي طمعت في السيطرة على خيرات العالم، وبسط نفوذها بتسخير قدرات أمنيَّة وعسكريَّة ضخمة عبر ساحات متسعة.

* الليبرالية X الإشتراكية!

كانت للدول الأوروبيَّة العريقة النفوذُ الأساسيُّ في ذلك عقب الحرب العالميَّة الأولى، ثم شهدنا صراع القطبين (الغربي) برئاسة الولايات المتحدة و(الشرقي) برئاسة الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالميَّة الثانيَّة، وكلاهما منافسة جيوبولتيكيَّة. الأخيرة حكمتها تناقض أيديولوجي بين الليبراليَّة الغربيَّة واقتصاد السوق والمركزيَّة والشيوعيَّة والاشتراكيَّة، وحاولت دول حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ77 الاقتصاديَّة أن تتجنّب شرهما، ولا تقع فريسة لهما.

* الأوحد.. فمتعدد الأقطاب!

واستمرّ ذلك إلى أن انهار الاتحاد السوفييتي وتفكك، فتحوَّل الحديث إلى عالم القطب الأوحد أميركي الصبغة والهُويَّة، إلى أن وصلنا إلى ما يُسمّى عالم متعدد الأقطاب، مع تفرّع القضايا وتعددها وتمركزها إقليمياً، وظهور مزيدٍ من الدول لها تأثيرٌ في القرار السياسي والاقتصادي العالمي في سياق عصر العولمة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والتواصل الإلكتروني التكنولوجي، وبرزت فيه “المعلومات” عنصراً أساسياً في تعريف القوة، بعد أن ارتكزت في الماضي على القوة الاقتصاديَّة والعسكريَّة بالمقام الأول.

* غير تقليدية!

دفعني التفكيرُ فيما هو قادم إلى متابعة رؤى الدول الكبرى في حوارات لي بالولايات المتحدة والصين وروسيا خلال الأسبوعين الماضيين، ووجدت الولايات المتحدة من رئيسها إلى أحزابها وإعلامها، بل حتى إدارتها مشغولةً بالأساس بسياسات وممارسات ترمب غير التقليديَّة، إذ تُسلّط الأضواء على الرئيس الأميركي في أي نقاش، حتى عند طرح نقاش حول روسيا أو الصين أو غير ذلك، والتخوّف الأساسي الآني في الولايات المتحدة حول هُويَّة البلاد، وهل تظل في أيدي الليبراليَّة السياسيَّة والاقتصاديَّة التقليديَّة أم تتحوّل الدفة إلى تيارٍ رافضٍ تلك المؤسسات، تمثل بشكل أفضل الفئة الغاضبة والمهمشة التي تريد تغيير المنظومة السياسيَّة وتقويمها؟

* الخطر الأكبر!

لا يتوقّف الرئيس ترمب كثيراً عند مسألة من يشكّل المنافس الأجنبي الرئيسي أو الخطر الأكبر على الولايات المتحدة. كان ذلك روسيا ورئيسها بوتين صاحب النظرة الأمنيَّة المخابراتيَّة والاقتصاد المتواضع، أو شي جين بينغ رئيس الصين القوة الاقتصاديَّة والمتناميَّة.

مع هذا، أرجّح أن أميركا تحت رئاسة ترمب ترى أن الصين هي الخطر الأكبر والقادم على الولايات المتحدة، باعتبارها دولةً واعدةً، على عكس روسيا التي يرى أن حجمها وتأثيرها محدودٌ، ويتجه إلى مزيدٍ من الانكماش، بصرف النظر عن بعض النجاحات السياسيَّة الأخيرة.

* زخم سياسى!

وترمب هو من تزعّم التصدي للصين لممارستها التجاريَّة غير العادلة، إنما استبعد أن يظل في موقف تصادمي معها، وأنه لن يتردد في الموافقة على صفقة اقتصاديَّة معها للاستفادة من الزخم السياسي لذلك في حملته الانتخابيَّة عام 2020، وهو ما تعتقده الصين أيضاً، وتسعى إلى تحقيقه واستثماره، لعدم تحمّسها للدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، إذا لم يفرض عليها ذلك لاعتبارات سياسيَّة بالساحة الآسيويَّة، أو لمحاولة إغلاق الباب كلياً على التطوّر التكنولوجي الصيني، ومشاركتها في الاقتصاد العالمي.

وتنظر المؤسسات السياسيَّة والعسكريَّة الأميركيَّة بسلبيَّة شديدة تجاه دور الصين، وتعدّها خطراً حقيقياً مستقبلاً، بصرف النظر عن أن القدرات العسكريَّة الصينيَّة وممارساتها لا تشكل خطراً حقيقياً على المكانة والريادة الأميركيَّة في الوقت الحالي.

وأتوقّع، أن نشهد تنامياً في القلق الأميركي تجاه الصين، حتى إذا تُوصِّل إلى اتفاق تجاري بين البلدين على المدى القصير، وأن يزداد ذلك إذا لم يُعَد انتخاب الرئيس ترمب الذي ينظر إلى جميع الأمور من الزاويَّة الاقتصاديَّة التجاريَّة بالأساس، خصوصاً أن المؤسسات الأميركيَّة حتى قبل فوز ترمب بولايته الأولى كانت تتجه إلى إعطاء مزيدٍ من الاهتمام بآسيا، كما سبق وصرح الرئيس أوباما.

* استقلال اقصادى وعسكرى!

ولم يخفف من هذا القلق تَحدُّث رئيس الجمهوريَّة الصيني بثقة وعلانيَّة أن بلاده تستطيع قيادة منظومة الإصلاح والتحرر الاقتصاديَّة الدوليَّة، وزاد من مصادر القلق العرضُ العسكريُّ الصينيُّ الكبيرُ الذي أجرته بمناسبة العيد القومي هذا العام، علماً أن هناك قلقاً بالغاً من قدرات الصين في مجال الصواريخ الباليستيَّة المتوسطة المدى على الجانب العسكري، ومن جنوحها التكنولوجي بتطبيقاتها المزدوجة العسكريَّة والمدنيَّة، خصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي.

ويردُّ الجانب الصيني على ذلك بأن تلك الأسلحة دفاعيَّة بالمقام الأول، ولا تهدد الولايات المتحدة إلا إذا سعت إلى نشر أسلحة بالقرب من الحدود الصينيَّة، وبما يهدد الأمن القومي الصيني، وتشدد على أن الولايات المتحدة لا تقبل بالمنافسة الدوليَّة، حتى المشروعة منها، وترفض التنازل عن ريادتها الاقتصاديَّة، وهو ما يجعلها تمارس ضغوطاً اقتصاديَّة وسياسيَّة على دول مختلفة، وتبرر هذه الضغوط باعتبارات أمن قومي للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

* الخِناقُ يضيق!

ويرى بعض المحللين الصينيين أن تعدد العلاقات الصينيَّة الدوليَّة، خصوصاً مع روسيا ودول الاتحاد الأوروبي ودول متوسطة مهمة مثل البرازيل والهند وحتى المكسيك، تدعم من قدرتها على الضغط على الولايات المتحدة، أو على الأقل تضمن لها القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة عن السياسات والضغوط الأميركيَّة.

* غير مجدية؟

وعلى خلافٍ من هذا، يوجد آخرون في الصين يرون أن العالم الغربي هو الرائد والمهيمن على الساحة الدوليَّة في العصر الحالي، ولا فائدة من تحدي ذلك، ومن الأفضل الاستفادة من دروس الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتركيز على التنميَّة تحت غطاء الغرب، وليس في منافسة غير مجديَّة معه.

* الصين فوق الجميع!

والمشترك بين الاتجاهين أن كليهما يرى أن مكانة الصين تتجاوز أي دولةٍ أخرى أو تكتلٍ آخر، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا، وأنه من الأفضل زيادة القدرات الصينيَّة مقابل روسيا، ما تُرجم في نشاط صيني ملحوظ تجاه توسيع انتشارها في الساحات الروسيَّة المجاورة للصين، خصوصاً شرق سيبريا.

* قلق روسى!

وأثار الاستثمار الصيني المكثّف والمتواصل في هذه المناطق قلق ومخاوف الجمهوريَّة الروسيَّة، خصوصاً أنها مناطق غير آهلة بتعداد سكاني مكثّف، وهو قلقٌ مستمرٌ وممتدٌ حتى بعد أن توافق الرئيس بوتين مع المواقف الصينيَّة بشأن المشكلات الحدوديَّة، وهو ما دفع محللين روس إلى توجيه قدر أكبر من الاهتمام إلى مخاطر طويلة الأجل من الصين.

لقد أيقن الجانب الروسي أنّه إذا نظر غرباً فأقصى ما يمكن تحقيقه هو إعادة الاحترام العالمي إلى روسيا، خصوصاً بالنسبة إلى الغرب، وهو ما تحقق في أوكرانيا والشرق الأوسط، دون تصوّر الدخول في منافسة اقتصاديَّة أو عسكريَّة مع الولايات المتحدة، ويوجد يقين أن الاقتصاد الروسي لا يستطيع توفير الدعم اللازم لتسهيل الانتشار السياسي الروسي دولياً على غرار المساعدات الأميركيَّة، أو التسهيلات الماليَّة المصاحبة المشروعات الصينيَّة المنتشرة عالمياً، خصوصاً على الطريق والحزام الواحد، لذا تتحرّك روسيا بخطة محكمة لانتهاز الفرص، كلّما تركت الولايات المتحدة أو أوروبا مجالاً لذلك، وتفضّل تسليط الأضواء على نقاط الضعف في المنظومات السياسيَّة الغربيَّة داخلياً بالتفاعل مع التيارات السياسيَّة المختلفة، أو أيديولوجياً بالتشكيك في مفهوم الليبراليَّة الغربيَّة، والتركيز على الدعوة إلى السياسة الواقعيَّة، وهو ما يحظى بتأييد عالمي واسع في ضوء التخبّط الأميركي والغربي.

ونشهد قلقاً روسياً متنامياً تجاه الصين، وتحولاً جديداً في ممارساتها تجاه الغرب بالابتعاد عن المواجهات الاستراتيجيَّة الصداميَّة المباشرة، وتفضيل توسيع مناطق نفوذها بممارسات محددة ومحدودة كلّما أتيحت الفرصة لذلك في ظل تخبط غربي أو فراغ أميركي.

ولكل ذلك انعكاسات على العالم العربي، فرغم اعتقادي أن الولايات المتحدة لن تخرج كلياً من الشرق الأوسط العربي، غنيٌّ عن البيان أنها تتحرّك وفقاً لأولوياتها بعد أن انخفض اعتمادها على الطاقة العربيَّة وانتهاء الحرب الباردة، وخفّ الاهتمام الأميركي بالعالم العربي عما كان في الماضي، وهذا واقعٌ يحكم الحزبين الجمهوري والديموقراطي.

توغل روسى بحذر!

وفي المقابل سنشهد انتشاراً روسياً أوسع في الشرق الأوسط، وكانت زيارة بوتين إلى السعوديَّة والإمارات في الأسابيع الأخيرة مؤشراً لذلك، وبعد أن نجح ببراعة في أن يصبح الطرف الفاعل والمؤثر في المشرق، ويلجأ إليه من الجميع بمن فيهم أطرافٌ متنازعة، علماً أنه سيحطاط من المبالغة في دوره وطموحاته خشيَّة أن يفقد من رصيد المصداقيَّة التي تحققت له على الساحة السوريَّة، ولن تحاول مدّ عطائها الأمني بما يدخلها في مخاطرات غير محسوبة.

لا تزال توجهات الصين الشرق أوسطيَّة حائرة بين العموميات السياسيَّة بعدم التدخل في شؤون دول المنطقة وتجنّب الانغماس في مشكلاتها السياسيَّة، ويقين بحاجتها إلى تأمين احتياجاتها للطاقة الشرق أوسطيَّة بما في ذلك من إيران، وفتح أسواق للمنتجات الصينيَّة واستثماراتها عربياً، وبين اهتمامها بعدم التصادم مع الولايات المتحدة. وسنشهد قريباً تسلُّم الصين غاز روسيا من مشروعات طاقة في سيبيريا الروسيَّة، وبما يصل إلى ما يقرب من 10٪ من احتياجاتها عام 2022.

والخلاصة، يوجد تغيّر في القراءة الاستراتيجيَّة للدول العظمى واهتمامها بالعالم العربي والشرق الأوسط بوجود أميركي منكمش، وتنوّع انتهازي روسي، وتوسّع متدرج وحذر صيني، وعلينا تطوير علاقاتنا مع الكل، والاعتماد على أنفسنا بدراجات أكبر وأكثر فاعليَّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى