أبو الغيط يشيد بالتعاون العربى الروسي ويطالب باستراتيجية جديدة تحقق أحلام العرب والروس
أشرف أبو عريف
ألقى السيد/ أحمـد أبـو الغيـط الأمين العام لجامعة الدول العربية فـي الدورة الخامسة لمنتدى التعاون العربي- الروسي كلمة جاءت على النحو التالى:
معالي السيد سيرجي لافروف
وزير خارجية روسيا الاتحادية
معالي السيد أحمد عيسى عوض
وزير الخارجية والتعاون الدولي
بجمهورية الصومال الفيدرالية
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة الحضور،
يطيب لي أن أعرب عن سعادتي بأن نجتمع اليوم في مدينة موسكو، التي احتضنت إطلاق منتدى التعاون العربي الروسي، لنحتفل سوياً بمرور 10 سنوات على توقيع مذكرة التعاون لإقامة المنتدى، والتي وقعت عام 2009 في القاهرة.. لقد شهدت العلاقات العربية-الروسية تطوراً كبيراً خلال هذه السنوات العشر، على كافة الأصعدة.. وها نحن نجتمع اليوم لنؤسس لشراكة استراتيجية كاملة تشمل مختلف المجالات، وتُحقق المصلحة المتبادلة للجانبين.
إن آفاق التعاون العربي-الروسي تبدو واعدة ومبشرة، فهي علاقة تقف على أساس بين كتلتين حضاريتين غنيتين، لديهما من التجربة التاريخية والعمق الثقافي والإنساني ما يؤهلهما لبناء شراكة أوسع ونسج أوصر صداقة أكثر رسوخاً وامتداداً … والحق أنه يجمعنا بموسكو تاريخ طويل من التعاون والرؤى المشتركة .. ولروسيا، رصيدٌ كبير لدى الشعوب العربية.. إننا نُثمن المواقف الروسية من القضية الفلسطينية التي تواجه تحديات غير مسبوقة تستهدف مقوماتها الرئيسية، ومحدداتها التي تحظى بإجماع دولي .. إن كافة الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية في العامين الأخيرين، وعلى رأسها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، تُمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.. وتبتعد بنا عن حل الدولتين، الذي يُمثل الصيغة الوحيدة المعقولة لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية.. من هنا فإننا نطلب من روسيا أن تستمر في دعمها للمواقف الفلسطينية والعربية، خاصة في مجلس الأمن، للتعامل مع هذه الهجمة الشرسة التي يواجهها الفلسطينيون، والتي تتواصل فصولها بصورة تُهدد القليل الذي تحقق منذ بدء مسيرة العملية السلمية.
وفي نفس السياق؛ فإننا نُشيد بالموقف الروسي والرافض للإعلان الأمريكي الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.. ونؤكد على أهمية أن يبقى هذا الموقف الأمريكي وحيداً على الصعيد الدولي، لما ينطوي عليه من سابقة خطيرة تضرب المبدأ الرئيسي الذي تأسست عليه مختلف جولات التفاوض بين الدول العربية وإسرائيل؛ وهو الأرض مقابل السلام.. لقد رفضت القمة العربية الأخيرة في تونس الإقرار بمبدأ شرعنة الاحتلال، أو تقنينه واعتبرته خطيئة لا تقل خطورة عن جُرم الاحتلال ذاته… وإننا نعول على الاتحاد الروسي، العضو في مجلس الأمن، الاستمرار في مساندة ودعم هذا الموقف المبدئي.
أصحاب المعالي،
إن واقع الأزمة ما زال يُخيم على بعض دول المنطقة العربية.. ولا تزال كُلفة الصراعات والحروب في كل من اليمن وسوريا وليبيا تفوق قدرة هذه المجتمعات على الاحتمال، بل وتمتد تبعات هذه الأزمات إلى محيطها بصور مختلفة.. وإن كان هناك من قاسم مشترك بين هذه الأزمات الثلاث، فهو استحالة تسويتها من دون الاحتكام إلى حل سياسي شامل، يحفظ للأوطان وحدتها واستقرارها وسيادتها وسلامة مؤسساتها، ويحقق للشعوب رغباتها وتطلعاتها، ويبعد عن البلاد شبح التفكك أو السقوط في هوة الفوضى .. لقد رأينا جميعاً أن البلدان التي تُعاني فراغاً في السلطة، واحتراباً داخلياً ممتداً، تصبح لقمة سائغة لجماعات الإرهاب ودعاة الخراب… وهناك تطابق في الرؤى بين الجانبين العربي والروسي حول أهمية تضافر كافة الجهود لمواجهة الإرهاب، ممارسة وفكرا ًوتنظيمات، باعتباره أخطر تهديد يواجه تماسك المجتمعات المعاصرة، ويضرب أسس استقرارها.
إننا نتابع الجهود الروسية من أجل الوصول الى تسوية للأزمة في سوريا، وجلب الاستقرار إلى هذا البلد.. ونؤكد أن صراع الأجندات على الأراضي السورية لن يُساعد في تحقيق مثل هذا الاستقرار، بل يُطيل الأزمة، ويُسهم في تعقيدها.. ونشدد على أن الافتئات على السيادة السورية أو محاولة اكتساب مواطئ أقدام على أرض هذا البلد العربي سواء بتغيير الديموغرافيا أو إعادة ترسيم الجغرافيا، لن يكتب لها النجاح، ولن تُخرج البلاد من دائرة الفوضى والصراع الدامي.
السادة الحضور،
إن العلاقات العربية الروسية لا تقتصر على الأبعاد السياسية والاستراتيجية…. فالعلاقات الاقتصادية العربية الروسية تشهد نمواً كبيراً ومتواصلاً .. لقد كان حجم التبادل التجاري بين الجانبين وقت توقيع مذكرة التعاون عام 2009 حوالي 8 مليار دولار، ارتفع إلى 14 مليار دولار عام 2013 مع إطلاق الدورة الأولى للمنتدى، وصولاً إلى 21.7 مليار دولار عام 2018 … والحق أن طموحاتنا تتجاوز هذه الأرقام.
إن تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين يتطلب منا دعم مجلس الأعمال العربي الروسي، ومشاركة القطاع الخاص ورجال الأعمال والمستثمرين العرب والروس في استكشاف فرص الاستثمار على الجانبين وتذليل ما يواجهونه من عقبات.
وفي مجال التعاون الثقافي والعلمي .. أشير على نحو خاص إلى أهمية تنفيذ مقترح إقامة مركز ثقافي عربي في موسكو .. والذي جرى اعتماده في اجتماع الدورة الثالثة للمنتدى.. وقد اقترحنا في هذا الصدد تشكيل لجنة مشتركة من الجانبين لدراسة كافة الجوانب المتعلقة بإنشائه.. مع التأكيد على أن إقامة مثل هذا المركز سيمثل نقطة التقاء وجسراً لا غنى عنه للتواصل بين ثقافتين غنيتين لدى كل منهما ما تقدمه للأخرى.. بل لدى كل منها شغفٌ واهتمام بالثقافة الأخرى.. ونعرف جميعاً قيمة الأدب الروسي لدى المثقفين وجمهور القراء العرب.. كما نُدرك تأثير الثقافة العربية، القديم والمتجدد، في الساحة الثقافية الروسية.
ختاماً، فإننا نتطلع إلى أن يكون هذا المنتدى قاطرة لطفرة في العلاقات العربية الروسية في جميع المجالات، وأن نختتم أعمالنا اليوم بنتائج ملموسة ومثمرة تعود بالنفع على الجانبين، ونتطلع في ذات الوقت إلى عقد الدورة السادسة للمنتدى في إحدى الدول العربية لمواصلة مسيرة تطوير الشراكة العربية الروسية، والدفع بها إلى آفاق أرحب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.